بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
تسيير الموارد البشرية بين النظرية والتطبيق
مقدمة
موضوع تسيير الموارد البشرية جزء من تسيير المنظمة يعالج المشاكل الإنسانية والاجتماعية فيها.وكما سنري ،فان تسيير الموارد البشرية قد تطور تطورا معتبرا في العقود الأخيرة من القرن ال20وبداية القرن21. في الواقع، استطاع هذا العلم إدماج كل البحوث التي تتصل بالعامل الإنساني Le Facteur Humaine في المنظمات.لأن المفاهيم الكلاسيكية قد وقفت عاجزة أمام حالات التناقض بين حاجات وطموحات الأفراد ومطالب ومتطلبات المنظمة التي يعتبرون أعضاء فيها ،وهذا الأمر قد يتعذر الحسم فيه.إلا أن حركة العلاقات الإنسانية سواء القديمة أو الجديدة ،قدمت بحوثها وكانت أفضل من غيرها خاصة فيما كان يتعلق بموضوعات من مثل البواعث والحوافز الإنسانية،ووضعت ذلك موازاة مع شروط أو ظروف العمل ،وأنماط القيادة،وإشباع حاجات الفرد والمردودية وما إلي ذلك.هذه الدراسات،استطاعت أن تجلي وتظهر للعيان حقيقة وأهمية العوامل البسيكولوجية التي تساعد علي فهم تصرفات الأفراد في المنظمة.
المطلب الأول:المداخل والنظريات الحديثة[Les Theories Moderne]
المداخل والنظريات الحديثة هي التي أصبحت تستقر الآن علي ثلاثة تأكيدات أو فرضيات :
أولا: حقيقة سوء استغلال الموارد البشرية عموما.
ثانيا:ان كفاءة القرارات يمكن تحسينها عن طريق الحصول علي معلومات جيدة تحصل عليها الإدارة من قبل العاملين في المنظمة.
ثالثا:ان إشباع حاجات الفرد تعتمد علي العمل المنجز- وثيق الصلة به.
لذلك كله،نجد أن هناك اتجاهات أساسية تطورت مع التطور الحاصل في تسيير الموارد البشرية ،ابتداء من هذه الفرضيات الثلاثة.
1-النظرية الأولي :نظرية الموارد البشرية هي التي تؤكد علي حاجات العمال .وكما سنري فان تصنيف العلامة أبراهام ماسلو المعروف جدا ،فرق بين الحاجات الفيزيو لوجية الأساسية ،وحاجات الأمان،والحاجات الاجتماعية،حاجات التقدير والاحترام،وفي المكان الأخير من السلم نجد هناك حاجات التحقيق والانجاز الشخصية.ان صحة وصلابة La Validiteأو قوة حجج هذا التصنيف الهرمي للحاجات المختلفة ، ليس في مقدور أي شخص التحقق منه في التطبيق،وهو الآن لا يمثل الاوسيلة منهجية مرغوب فيها ورائعة.
واستعمل ماقرقر McGreger وحسن في مفهوم القيادة والتوجيه بواسطة الأهداف ،وذلك في مقابل المفهوم الكلاسيكي للقيادة والتوجيه عن طريق الرقابة.أعماله كانت مقنعة إلي حد ما –بالنسبة للأفراد العاملين، لأنهم أصبحوا يستفيدون من حرية وحركة أكبر ،وتوسع بذلك وتمدد مدي أعمالهم وطموحاتهم.
يهتم مدخل الموارد البشرية بعملية تقدير وتعظيم عائد الإنسان ،والنواحي المتعددة التي تحقق منفعته ، يدرس هذا المدخل حاجات العنصر البشري من أجل الاعتناء بتنميته وتطويره بصورة مستدامة .لأن جوهر هذا المدخل هو العنصر الإنساني [Human Resource] ،حاجاته،وسلوكا ته وتصرفاته وممارساته ،وكيفية رفع كفاءته وفعاليته من أجل خدمة أهداف المنظمة التي ينتمي إليها.
2-النظرية الثانية: هينظرية الرأسمال الإنساني أو البشري:عرفت علي أنها تشبه المورد البشري بمخزون [Le Stock]من المعرفة ،والمؤهلات،والكفاءات، والاستعدادات التي في حوزة الأفراد للقيام بالأعمال.وبعبارة أخري،
[The stock of Knowledge]والبراعة والمهارة والحذاقة،وهذا ما يعني أنه يعرف ويتعلم الشروط والقواعد الخاصة بحقل من الحقول ضمن إطار فعاليات المنظمة ويفهم تفاصيل طرائق العمل والصناعة...
هذه النظرية بينت حقيقة العلاقات بين العامل الإنساني[The Human Factor] وتطور المنظمة ، وأخذت بعين الاعتبار مسألة التكوين والتدريب من منظور أنه ليس[ تكاليف إضافية]، تنقص من هوامش أرباح المنظمة ،كما يعتقد الكثيرون ، بل اعتبرته مصدرا للثروة وتراكمها واستثمارها من جديد بمفهوم التكلفة والعائد من الاستثمار في الإنسان !
3- المدخل الاستراتيجي: يركز هذا المدخل علي الدراسات الإستراتيجية لتسيير وتنمية الموارد البشرية .يبدأ بالاطلاع علي رسالة المنظمة وغاياتها وأهدافها الإستراتيجية ،ويدرس كافة العوامل الداخلية والخارجية التي تبين نقاط الضعف ونقاط القوة ،والفرص المتاحة والمخاطر المتوقعة ن ليعد الموارد البشرية بما يساير البديل الاستراتيجي الذي وقع عليه الاختيار.
4-مدخل المبادرة أو المبادأة :يستند هذا المدخل إلي حسن التوقع والرؤية السليمة للتحديات قبل ظهورها في وجه المنظمة.والاستعداد للتصدي لها من خلال وضع التصورات والخطط اللازمة .لذلك، نجد أن هذا المدخل يهتم كثيرا بدراسة الموارد البشرية وتحليلها وتنميتها ،وتوقع متطلباتها ، وذلك بدعم من الفكر الاستراتيجي الابتكاري ،واستعمال ملكة الحدس التي يمتلكها القادة الذين يمسكون بزمام الأمور فيما يتصل بتسيير الموارد البشرية،لأن هذه الأخيرة هي أثمن الموارد المتاحة للمنظمة.
5- المدخل الإداري للموارد البشرية:يركز المدخل الإداري للموارد البشرية علي دراسة العمليات الإدارية في المنظمة.حيث نجده يبدأ بعملية صياغة الأهداف والسياسات ووضع خطط الموارد البشرية ،والقيام بعمليات الاختيار والتعيين،وتحليل الوظائف وتقييمها ، وتنظيم إدارة الموارد البشرية ، وتحديد علاقاتها مع غيرها من الإدارات الأخرى مثل الإنتاج ،والتمويل ، والتسويق ...الخ. بالإضافة إلي هذا،يركز المدخل علي تنمية وتطوير آداء العاملين عن طريق التكوين والتدريب وتنمية الموارد البشرية،وتخطيط المسار الوظيفي ، وتقييم أداء العاملين ،ودراسة علاقات العمل، والتحفيز،وتقديم الخدمات، والحفاظ علي الموارد البشرية،وتوفير المن والسلامة والصحة.
6- مدخل تحليل النظم [النسق أو الأنساق]:هذا المدخل يدرس نظام تسييرا لموارد البشرية من منظور نظام مفتوح وليس مغلق يؤثر ويتأثر بمختلف الأنظمة الفرعية الأخرى للمنظمة مثل نظام الإنتاج والعمليات ،ونظام التسويق وغيرها من النظم التي تتفاعل مع النظام البيئي الخارجي للمنظمة .وبناء علي هذا التصور فان مدخل النظم يدرس عناصر المنظمة المعروفة من خلال عمليات [المدخلات ---وعمليات التشغيل ---والمخرجات –المرتبطة بعملية التغذية الاسترجاعية أو المرتدة بين العناصر ].
7- المدخل المركب:يجمع هذا المدخل بين أكثر من مدخل واحد لذلك أعطي هذه التسمية.لأن المنظمة التي تتعلم وتواجه التحديات والمخاطر تجدها دائما تداوم علي الأخذ بأكثر من مدخل من المداخل التي ذكرناها للمحافظة علي مكانتها ضمن المنظمات الأخرى الرائدة .لذلك كله، وكما نتوقع ستأخذ المنظمة بالدخل الاستراتيجي الذي يسنده مدخل المبادرة أو المبادأة،جنبا الي جنب مع المدخل الإداري لتسيير للموارد البشرية ،في كل متكامل متناغم يتضمن أنشطة ومهام المنظمة.
المطلب الثاني: التطبيق في المنظمة
إن "علم تسيير الموارد البشرية"،وحتي يمكن تطبيقه في المنظمات يتطلب الي هذا الحد أو ذاك هذه الأشياء من أجل هدف معالجة الأنواع الأربعة للعلاقات الإنسانية التي يمكن العثور عليها في /وبين المنظمات:
أولا: علاقة الإنسان بعمله.
ثانيا:علاقات القوة والسلطة بين المجموعات أو الأفواج الإنسانية المختلفة .
ثالثا:العلاقات الهرمية الهيراركية.
رابعا:العلاقات بين الأفراد فيما بينهم في محيط نشاط المنظمة.
ويمكننا اليوم التفريق بين ثلاثة أصناف أو نماذج من مصالح إدارات الموظفين بالمنظمة :-
* في الحالة الأولي : هناك [مصلحة الموارد البشرية] التي تتكفل بالتوظيف ، والمكافآت، لكن هذه المصلحة ليست مدمجة في عملية اتخاذ قرارات المنظمة.
* والحالة الثانية:هي الحالة التي تترجم نظرة الموجهين علي المدى المتوسط لدور [مصلحة الموظفين].و هي المصلحة التي تؤسس سياسة تسيير عمليات التبوء بمستقبل الموظفين (لفترة 3أو5سنوات للترقية ، والتكوين،والتقييم).كذلك، تستشار هذه المصلحة قبل تقرير التوجهات الكبري للمنظمة.
* والحالة الثالثة : تتمثل في وجود مصلحة تتعلق ب[التنمية والتطوير ]،لأن الموارد البشرية تعد عاملا محددا في تنمية المنظمة،لذلك فان وظيفة المستخدمين يتعين عليها أن تستشعر المستقبل لتنمية المنظمة ،خاصة تنمية الأفراد إلي الحد الأقصى ...
ومهما كانت السياسة المعتمدة ،فان مصلحة المستخدمين تقوم بالأشغال في أربعة ميادين كبري هي :
أولا:تسيير الأفراد ،بواسطة مخطط فردي أو جماعي.
ثانيا:تسيير العلاقات الاجتماعية الداخلية والخارجية (علاقات مع النقابات ،والسلطات العامة، و..الخ.).
ثالثا:تسيير المتطلبات القانونية والترتيبات المساعدة التي تخضع لها المنظمات فيما يتعلق بالأشخاص (فبشات دفع الرواتب Fiches de paie،طب العمل ..الخ).
رابعا:تسير تجهيزات اجتماعية ،في خدمة السياسة المختارة.
هذه الميادين المختلفة تعد بمثابة انعكاس (أو ارتداد) للإستراتيجية التي تتبناها المنظمة –إلي هذا الحد أوذاك- علي المدى الطويل.
وفي حالتما إذا كانت هذه الانعكاسات شبه غير موجودة فان [ مصلحة الموظفين ] ستؤمن التسيير الجاري للموظفين .تسيير ينتظم أو ينظم حول ثلاثة أشغال رئيسية وهامة جدا –هي:
1-المكافآت ،ذات الأهمية الكبري من خلال وجهات نظر عديدة.
2-القيام بعملية التوظيف التي تمر من خللا وصف المناصب، واختيار نمط التوظيف (داخلي أو خارجي أو هما معا)،تنظيم حملة الإعلان،واختيار أو غربلة وانتقاء المترشحين (مع إعطاء مكانة أو أهمية للمعلومات التكميلية الشفهية او الكتابية)، والاستخدام بمعني التوظيف .
3-تسيير المهن [La gestion des carriers]: هي العمليات التي تبحث عن استشارة واستشعار حاجات المنظمة ،وطموحات الفراد لتحديد التعيينات المستقبلية(أي تعيينات المستقبل)التي تتأسس علي أواستنادا الي تقييم أداء العاملين ونتائجهم.
ومن مهام مصلحة الموارد البشرية سياسة التنمية الإنسانية وتنظيم التكوين والتدريب وتسيير ظروف العمل.ومع تسارع المخترعات التكنولوجية ،فان التكوين والتدريب أصبح قضية ضرورية من اجل تحصيل المعرفة والدراية والبراعة والمهارة والحذاقة.وبالموازاة مع أمور كالرغبات ، والمطالب، والأماني، والجور،وأهداف المنظمة يتعين علي المسير أن يأخذ بعين الاعتبار التكوين والتدريب لأنه ينظر اليه في الوقت الحاضر من عدة جوانب [ثلاثة عوامل رئيسية] :-
1-المعرفة [Le Savoir] The Know
2-معرفة كيف؟[Le Savoir Faire]The Know -how
3-معرفة الكينونة [Le Savoir –etre]The Know –to be
كل هذا يثبت عادة في القوانين التي تلزم المنظمات التي يتجاوز عدد أفرادها رقما معينا ،تعيين نسبة مئوية معينة من قاعدة الأجور (أو من مجمل التكاليف) للتكوين والتدريب كما سنري لاحقا.
ونجد أن تسيير ظروف أو شروط العمل لا يركز فقط علي مناخ العمل أو المحيط الذي يتم فيه عمل المستخدمين ، ولكن أيضا [محتوي وطبيعة العمل نفسه]،لذلك،كله، يتوجب علي الشخص احترام تنظيمات وتعليمات النظافة والصيانة والوقاية والأمان-Lergonomie وتحليل الواجبات فيزيائيا ومعنويا التي يمكن أن يتحملها الفرد ويتكيف مع شروط القيام بها (كالضوضاء ، والإضاءة...الخ)، ويؤخذ هذا مأخذ الجد مع تحسين طبيعة القيام بالأعمال وانجازها ، لأنه من الممكن استعمال عدة تقنيات تتفادى بواسطتها المنظمة عدة مشاكل قد تظهر من حين لآخر.وبطبيعة الحال ،فانه يتم انجاز ظروف الحياة في العمل داخل المنظمات من خلال شبكات تحليل أيرغونومية تشمل مجموعة من المعايير .التي تهدف إلي أقلمة العمل للإنسان وليس العكس،وتنمية السلامة المهنية وتحسين ظروف العمل [ الارتفاع،البعد، الزحمة،الضجة،الهواء، الغبار،الدخان،السموم،الإشعاعات،الارتجاج،التكوع،الا نحناء،الجلوس، الوقوف،وما إلي ذلك.]. فالايرغونومياء علم لتنظيم الشغل يشمل مجموعة من المعارف لتسيير الإنسان أثناء أدائه لنشاطاته لاستخدامها في فهم ،وتصميم المهام والعدد،والآلات،وطرائق الإنتاج.وتجمع الايرغونومياء اختصاصات مختلفة كالهندسات،والبيولوجيا والطب والعلوم الإنسانية والاجتماعية.
خاتمة
ويبقي في النهاية أن نقول أن التوسع في دوائر المسؤوليات ،يمر من خلال توسيع قائمة المهام المنجزة المحققة التي يسعي وراءها جميع أعضاء المنظمة .وسنقف عند ذلك بالتفصيل في محاضرات لاحقة انشاء الله !
الهوامش
-- أ ..بشير غضبان ( 2010-2011) محاضرات تسيير الموارد البشرية . سنة ثالثة إدارة أعمال . علوم تسيير. جامعة مسيلة.
(1)Nadine Tournois.La Gestion Des Ressources Humaines PANORAMA de GESTION(Alger:les editons Chihab.1997);PP.193-241.
(2) Jean Gerbier. ORGANISATION et Fonctionnement de ¨l entreprise (Paris:TEC&DOC-Lavoisier.1993).
(3)Douglas McGregor: Theory X and Theory Y. Workforce; Jan2002, Vol. 81 Issue 1, p32,1/4p,1
-McGregor, D. M. 1957. The human side of enterprise. Management Review (November).
(4) Herzberg, F.I. 1987, 'One more time: How do you motivate employees?', Harvard Business Review, Sep/Oct87, Vol. 65 Issue 5, p109-120
)5(Jean Gerbier .ORGANISATION et Fonctionnement de ¨l entreprise (Paris:TEC&DOC-Lavoisier.1993).
(6 (John G Batros- Human Resource Management or Human Being Management?( John Batros is a Lecturer in Organisation Dynamics in the Swinburne Graduate School of Management and Director of Eudaemonia Human Resource Consultants Pty Ltd).-Wilkinson, A. (1988). " Empowerment: theory and practice". Personnel Review 27): 40–56. Retrieved on 2007-10-17.
[ومن الله التوفيق]