إشراقة البصيرة (1): حينما ينقشع السحاب
امين اغيل عامر
بسم الله الرحمن الرحيم: "قَد جَاءكُم بَصائرُ مِن ربكم فَمن أَبصرَ فلِنَفسه" (سورة الأنعام - آية 104).. يقول محمد إقبال: "لقد نصحني أبي كثيرا.. ولكن نصيحة واحدة بقيت راسخة في ذهني رغم مرور الزمان وتواتر الأيام.. وهي قوله: بني إقرأ القراَن.. وكأنه يخاطبك أنت شخصيا..."
جاء الإسلام ليحول الإنسان من مخلوق له قدرات بدنية ونفسية وعقلية محدودة، إلى كائن يحمل سرا ربانيا وأمانة سماوية، أبت أن تحملها الجبال والسماوات و الأرض.. وأشفقن منها... جاء الإسلام بهدي خاتم الأنبياء والرسل محمد (صلى الله عليه وسلم) ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الشقاء إلى السعادة، ومن عبادة المخلوقات إلى عبادة رب المخلوقات.. المبدع المصور.. الأول الآخر.. الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير...
حين يصبح الإنسان واعيا بهذه الأمانة التي شرّفه الله وكلفه بها، يصبح مبصرا لحقائق الوجود، مدركا الخلق، مسبحا بحمد ربه الخالق، مؤمنا إيمان اليقين، أن الإنسان.. بعيدا عن الله.. لا نور له.. و إن حجبت أستار هذه الدنيا ضمير الإنسان عن مشاهدة الحق في كل شيء، فحجابها زائل.. لأن الله سبحانه وتعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد.. وحين تتفتق بصيرة الإنسان عن هذه المشاهدة العرفانية يفقه قول الباري تعالى.. بسم الله الرحمن الرحيم: "..وإن من شيء إلا يُسبحُ بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.." (الإسراء - آية:44)، حينها فقط يصير الإنسان ربانيا.. يعبد الله في كل حركاته وسكناته وأقواله و أفعاله.. بل وخواطره... لأنه يدرك أن الله معه أينما كان بل هو أقرب إليه من حبل الوريد... لكن بعلمه وصفاته تقدست أسماؤه و تجلت صفاته.. لأنه بذاته –جل وعلا – في السماوات على العرش استوى... سبحانه و تعالى.. ولله المثل الأعلى ...
حينها فقط يصل الإنسان إلى مقام الإحسان فيعبد الله و كأنه يراه... فتستقيم السيرة و تتطهر السريرة... ويقذف الله بنوره في صلب عبده المؤمن، فيرى بعين الله أسرار الوجود ويصبح إنسانا قرآنيا ترتقي به الروح في سماء الأنس بالله.. مؤنس كل وحيد وصاحب كل فريد... فيحيا مع الله ولله وبالله..
وتلك هي السعادة التي طال بحث الإنسان عنها.. لكنه في متاهات الأهواء والدنيا تائه بعيد..
يقول أحد العُباد الزُهاد الصالحين إن الفرق بين الذي يحيا في عرفان الله و غيره.. الفرق بينهما.. كالفرق بين الحي والميت.. لأن الفرق بين الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كالفرق بين البيت المعمور والبيت الخرب..
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك و حسن عبادتك.. اللهم أزح غيوم الشك والارتياب عن قلوبنا وضمائرنا لترى جمالك البهي في ملكوت السماوات والأرض... إن نورك يضيء طريق محبيك ليوصلهم إلى فِناء قربك ورضاك.. فالطف بعبدك الضعيف الراجي رحمتك.