الشجرة المباركة
عاش الآباء والأجداد على النخلة، واعتمدوا عليها بشكل شبه أساسي في قوتهم وتأمين حاجياتهم ومستلزماتهم اليومية، فمن سعف النخيل صنعوا المفارش والسجاد والأغطية والمخارف والسلال وغيرها الكثير من الأدوات، ومن رُطبها تصنع التمور والدبس، ومن نوى الرطب والتمور تصنع الأعلاف للماشية، ومن جذع النخلة كان يقام المسكن ويحمى ويسقف ويفرش به، كما كان يستخدم في صنع بعض أنواع القوارب الصغيرة، ويسمد به الأرض. وإذا بقيت منافع واستخدامات من هذه الشجرة المباركة لم تحصها هذه الزاوية، فإن الآباء والأجداد كانوا يعيشون عليها، لذلك حظيت بجل اهتمامهم، وكانت للنخلة مكانة خاصة في الإمارات، ولا تزال، إذ توجد بالدولة أكثر من أربعين مليون نخلة، تجعل الدولة واحدة من بين أكثر الدول اهتماماً وزراعة للشجرة المباركة التي يعم خيرها على القاصي والداني.
إن النخلة التي رافقت مسيرتنا منذ الأزل ولم تخذلنا، ووقفت شامخة تُظل تاريخ أبناء الوطن، وتجفف عرقهم، وتطعمهم، وتوفر لهم سبل العيش الكريم، فهي اليوم تقول لنا بلسان فصيح: إن من يملك الإرادة لا تهزمه الظروف، ولا تقهره القلة، بل تزيده صلابة وقوة وعزيمة للوصول إلى مبتغاه ومراده. فمهرجان ليوا للرطب الذي يُقام في المنطقة الغربية، أرض النخيل، وحُمر النعم، هو أقل القليل للاحتفاء بأمنا النخلة التي جادت وتجود لنا كل يوم بالمزيد من الخيرات، خصوصاً أن مهرجان ليوا لمزاينة الرطب تخطى السمعة المحلية وأصبح مهرجاناً ذا سمعة عالمية. ونأمل أن تكون هناك خطط لتنظيم مثل هذا المهرجان في مدن عالمية بالتزامن مع إقامته في أرضنا الطيبة بالمنطقة الغربية، لدعم انتشار إنتاجنا من التمور على مستوى العالم.
والدعوة التي وجهها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لدى تفقده مهرجان ليوا للرطب في المنطقة الغربية، الذي أسدل الستار على دورته السابعة بنجاح كبير، لإنشاء شركات كبيرة لتطوير الإنتاج الزراعي في البلاد، جاءت في محلها ووقتها، لأن القيادة الرشيدة في بلادنا بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله لم تبخل في دعم الزراعة واستدامتها، وقد جربنا، وكانت تجربتنا ونتائجها مذهلة للعالم، وكما أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أهمية تطوير المنتج للمنافسة إقليمياً وعالمياً، فهذا التأكيد جاء من واقع تجربة، وما المزارع النموذجية للإنتاج الزراعي الطبيعي إلا خير دليل على نجاح الإمارات في تطوير الإنتاج الزراعي بكميات تجارية منافسة. إن أرضنا جادت علينا بالكثير من الخيرات، وعلى القطاع الخاص والمستثمرين أن يعطوا الأرض كما تعطينا، فكم ستكون كريمة معنا لو وجهنا استثمارات جديدة وتنمية في هذا القطاع الذي يشكل المستقبل الحقيقي لأمن واستقرار وحضارة الشعوب، وقد قالها المغفور له الأب المؤسس منذ أكثر من أربعة عقود: “أعطوني زراعة أعطيكم حضارة”.