هناك عدد قليل من الجنرالات البريطانيين مروا بمراحل مليئة بالمغامرات كتلك التي مر بها تشارلز جورج غوردون الذي ولد عام 1833، ذكرى غوردون لا ترتبط بنصر معين حققه بقدر ما ترتبط بالمظهر المأساوي الذي واجه به الموت وعندما بلغ واحدا وعشرين عاماً نشبت حرب القرم.
اشتبكت بريطانيا في حرب الصين عام 1857، وكانت الحرب قد أوشكت على الانتهاء عندما وصل غوردون إلى الصين وبقي هناك أربع سنوات في خدمة الحكومة الصينية شهدت الصين عصيانا استمر عدة سنوات في البلاد وكانت الحكومة الصينية عاجزة عن قمعه وقد تزعم ذلك العصيان أحد المتعصبين في الدين أطلق على نفسه اسم تين وانغ أي ( الملك الذي اختارته السماء ) ولمواجهة هذا الوضع شكلت الحكومة جيشا مختلطا من صينيين وأوروبيين وأطلق على الجيش اسم رنان هو الجيش المنتصر وفي بداية الأمر لم يتمكن هذا الجيش من إثبات حقه في تلك التسمية إلى أن كانت سنة 1863 عندما تسلم غوردون قيادته.
كان الجيش المنتصر يتكون قبل غوردون من مجموعة فوضويين لا يلتزمون بطاعة قادتهم إلا أن غوردون حوله إلى جيش منظم، يرتدي جنوده ملابس لائقة ويتناولون طعاماً وأجوراً مناسبة لم تمض ثمانية عشر شهراً على تسلم غوردون القيادة حتى لحقت الهزيمة بالثائرين.
وحين عاد إلى بريطانيا استقبل بحفاوة ثم انتدبه الجيش إلى غريفسند حيث أدى واجباته العسكرية كما كان يزور كبار السن والمرضى ويجزل العطاء للمحتاجين ويوجه الشباب إلى مستقبلهم.
في سنة 1874 دعي غوردون ليكون حاكما على المحافظات المصرية في السودان فقبل هذا التعيين وظل طيلة سبع سنوات يجاهد في سبيل جعل السودانيين يحافظون على علاقاتهم بمصر، كما وضع حداً لتجارة الرقيق، وكانت صعوبة مهمته التي كلف بها، فضلاً عن سوء المناخ وتفشي الأمراض في تلك البلاد سببا في اعتلال صحته فعاد إلى بريطانيا.
قام غوردون برحلات طويلة، فزار الصين والهند وفلسطين ثم كان عليه أن يواجه أعظم مغامراته وآخرها فبعد أن غادر السودان شهدت تلك المنطقة أحداثاً مهمة إذ احتلت القوات البريطانية البلاد وأصبحت الحكومة المصرية خاضعة لسيطرة بريطانيا.
اندلعت ثورة خطيرة في السودان بزعامة المهدي الذي نجحت قواته تدريجيا في اجتياح السودان وأصبح الخطر مهدداً للخرطوم.
عند ذلك قررت الحكومة البريطانية ترك السودان وسحب قواتها من الإقليم كله، ورأت أن الشخص الأمثل لتنفيذ العملية هو غوردون ولكن هذا الأخير الذي حكم البلاد لم يقبل بتركها تحت رحمة المهدي.
عندما علم غلادستون رئيس الوزراء، بقرار غوردون غضب غضباً شديداً ولم يرسل أية مساعدة، وكانت قوات المهدي خلال ذلك تطبق الخناق على الخرطوم.
أخيراً وتحت إلحاح الملكة فيكتوريا وضغط الوزارة والرأي العام، قبل غلادستون بغرسال حملة لنجدته لكن النجدة وصلت متأخرة وفي 26 من يناير 1885، وقبل وصول الحملة بيومين، اقتحمت قوات المهدي الخرطوم ولقي غوردون مصرعه.