يتلهّى الإعلام الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة في ما بات يُعرف بـ"قضية غالنت"، المرشح لتبوؤ قيادة أركان جيش الاحتلال. ولا يدور الحديث طبعًا عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي شارك فيها في غزة وغيرها بصفته قائدًا للمنطقة الجنوبية.
ولا يدور الحديث أيضًا عن جريمة الجرائم، ألا وهي اغتصاب حرية شعب بأكمله، ومصادرة حقوقه فضلا عن أرواحه وأملاكه من عشرات ألوف الدونمات التي لعب جيش الاحتلال وما زال يلعب دورًا بارزًا في نهبها، عبر الاستيطان والجدار وغيرها من جريمة المشروع الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
هذه الأمور كلها لم ترتق لدرجة إزعاج أقطاب الرأي العام الإسرائيلي الحريص جدًا على "أخلاقية" جيشه.. بالعكس تمامًا: فالجنرال غالنت يعتبر "بطل حرب غزة"، ومن أبرز أسباب اختيار الحكومة له موقفه الذي يعتبر أكثر حربجية تجاه إيران.
ولكن ما يقلق الإعلام الإسرائيلي هو قضية سيطرة الجنرال البطل على أراض عامة بطرق مشبوهة، وتقديمه إفادات كاذبة لسلطات الدولة. إنها بالطبع قضايا خطيرة بحد ذاتها، ولكن هذا الإسهال الإعلامي حولها لا يؤشر على دور ديمقراطي أو أخلاقي للصحافة الرسمية والتجارية السلطوية في إسرائيل، بقدر ما يؤشر على إفلاسها الأخلاقي. لأنها بمعظمها الساحق لا تجرؤ على مساءلة جنرالات وحكّام إسرائيل على ما يقترفونه بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة من موبقات، ومن انتهاكات تكاد تكون غير مسبوقة للقانون الإنساني الدولي واستخدام غير مسبوق للأسلحة المحرّمة دوليًا، والقائمة الدموية تطول.
إنّ مجتمعًا مسمّمًا بالعنصرية والاستعلاء الاستعماري وهوس العسكرة ووهم القوة، كالمجتمع الإسرائيلي، هو أشبه بإنسان مدمن على المخدِّرات لا يستطيع معالجة نفسه بنفس. والمريع أنه لا يستفيق إلا حين يتعرّض إلى صعقات خارجية – على شاكلة ما لقنته إياه المقاومة اللبنانية من دروس أخلاقية وسياسية وعسكرية عام 2006. وهي دروس تورّط فيها بمبادرته من خلال عدوانه، ونتمنى أن تكفّ مؤسسة الدولة عنها، عبر تغيير وجهة دفّتها السياسية بمئة وثمانين درجة.