بيّنت دراسات عديدة أن السلوك الإبداعي يتأثر بالسياق النفسي والوجداني والمعرفي للفرد؛ ولذا علينا توفير الظروف التي تشجع هؤلاء العباقرة الصغار على الإبداع، عن طريق توفير الأمن النفسي والراحة النفسية، وتوفير جو يسوده المرح والبهجة، التساؤل والدهشة، حب الاستطلاع والخيال، القبول والحب، التجربة والاكتشاف، حرية الابتكار والاختلاف والاختيار.
- قد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام السؤال علاجًا للجهل (والصغير يجهل الكثير).. قال ألبرت أينشاتين: "المهم في الحياة ألا نتوقف أبدًا من التساؤل"؛ ولذا علينا احترام أسئلة الطفل والإجابة عليها، بل محاولة تحفيزه على التساؤل بإعطائه مضمونًا يفكر فيه، ويُعْمل عقله ويقلبه على جوانبه، فيبدأ يكتشف فجوات تحتاج لسدِّها فيكون حينها السؤال.
هذا التساؤل يرفع مستوى تفكير الكبار والصغار على حدٍّ سواء، وإنما أهميته قد تكون أعظم للصغار الذين لا يزالون يكوِّنون منظومتهم المعرفية كل يوم للمزيد من هذه المنظومة.
- هذا التساؤل يوفّر الدعم الإيجابي، ويوجد روح المرح والبهجة التي توفر نكهة التعلم.
- هذا التساؤل يوفر للطفل التعرف على تفكيره ومشاعره عن قرب، وكذلك مشاعر وتفكير الآخرين.
- هذا التساؤل والاستطلاع من الحاجات النفسية الأساسية للطفل.
- مهارة الاستماع والتواصل والتعبير من المهارات اللغوية الأساسية في هذه المرحلة.
- توصل هارود جاردنر إلى وجود ثمانية أنواع من الذكاء:
اللفظي – المنطقي الرياضي – المكاني – الموسيقي – الشخصي - الخاص بالعلاقة مع الآخرين. فلم لا تكون ابنتك ممن حباها الله تعالى بزيادة في نوع من هذه الذكاءات، فكل عاقل يمتلك كل هذه الأنواع بنسب مختلفة.
والآن دعني أثلج صدرك بما تضمنته قوائم الموهوبين من صفات لتتبين ما تملك ابنتك من هذه الصفات، ولا بد أن أشير أن هذه الصفات قد يتواجد منها صفة أو أكثر في كل طفل موهوب ولا يشترط وجودها جميعًا، كما يمكن أن يكون موهوبًا أيضًا من لا يمتلك أيًّا منها؛ لأن الموضوع ما زال قيد البحث. والآن دعنا نسرد بعضًا من القائمة (حيث لا تتسع المساحة لجميع القوائم):
-امتلاك ثروة لغوية ضخمة واستخدام مناسب لكمات يندر استعمالها لدى آخرين في مثل عمرها.
-بناء جمل مركبة والبدء مبكرًا بالكلام.
-سهولة التعلم وعدم الحاجة لمزيد من الإيضاح.
-القراءة المبكرة.
-امتلاك ذاكرة قوية، وقوة الملاحظة، وإدراك للتفاصيل.
-اتصاف بالولع الشديد والشغف الشديد وطرح الأسئلة الكثيرة مثل: متى – كيف – لماذا – ما – أين.
- استياء عند عدم الحصول على إجابات مقنعة وكافية.
- التفكير بشكل منطقي لافت للنظر.
- استقلالية في التفكير.
- اعتماد مبكر على النفس.
- اهتمامات متعددة.
- طاقات بلا حدود يساء أحيانًا تفسيرها على أنها نشاط زائد وغير طبيعي.
- اجتماعية وسهولة في تكوين علاقات خاصة مع من هم أكبر منه سنًّا.
وهذه قائمة أخرى بالصفات النفسية الإيجابية والسلبية للموهوبين والمتفوقين سأذكر لك منها:
- قد يقاوم الالتزام بنظام أو جدول قائم على الوقت وليس على العمل نفسه.
- قد يكون سريعًا في فقدان الاهتمام بالأشياء والهوايات.
- قد يتدخل فيما لا يعنيه.
- قد يعاني إحباطًا لتجاوزه المنطق في ممارسة الأنشطة أو الحياة اليومية.
- قد يسعى بإصرار للتحكم في المناقشات التي يشترك فيها.
وسأترك لك أن تعاود السؤال عن دورنا في رعاية هذه الموهبة.
وسأسوق لك الآن بعض الأنشطة التي تنمي مهارة الاستماع:
- أهم ما يساعد طفلتك في ذلك تقديم النموذج الجيد، فاستمع لها جيدًا دون مقاطعة، محاولاً أن تبدي اهتمامك وتفاعلك بالأسئلة الجيدة لما تقوله هي، على أن تتبادلا الأمر، فتحدثها وتجعلها تنصت، ولكن دون عنف أو إجبار، فالطفل ينصت لما يجذبه ويستحوذ على اهتمامه، كالقصص والحكايات المسلية، خبرات يومية تمر بها أنت ووالدتها، ذكريات طفولتك وطفولة أمها، مواقف اجتزتها بنجاح في مثل عمرها، وهكذا...، وأكرر أفهمها برفق أنه يجب أن تنصت لك كما تنصت أنت لها، وكذلك أصدقاؤها وزملاؤها في المدرسة.
اقرأ عليها القرآن الكريم، وأعلمها أنه "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا..." على ألا تزيد المدة في البداية، واطلب منها أن تسألك سؤالاً مما تسمعه هذا يحفزها لتسمع بإنصات؛ لأنها ستحب الدور وتمارس ما تحبه من إلقاء الأسئلة والتحدث.
- ساعدها على اللعب التخيلي بالدمى أو رفيق الخيال، فاجعلها تحدّث عرائسها ولعبها، وتنظمها في مجموعات تتحدث إليها، وهكذا...
- ساعدها لتعبر عن مشاعرها وأفكارها، وأن تكتب لها ذلك، على أن تتبادلا الدور فتحدثها أنت بدورك عن مشاعرك وأفكارك، وربما أجلستها بجوارك أثناء كتابة بعض خواطرك فتتعلم التعبير عن النفس ويزيدها هذا وعيًا وتفهمًا، على أن تمتدح إنصاتها لك وعدم مقاطعتك، فاستطعت بذلك أن تتم ما تكتبه، خاصة وأنت تحب مشاركتها هذا الأمر.
-حاول شغل وقت طفلتك بالأنشطة المبهجة الرسم والتلوين، الأعمال الفنية، التمثيل، الرياضة، والموسيقى، واللعب... إلخ.
- الأنشطة التعبيرية تساعد الطفل على الراحة، وفهم مشاعره، وقبول ذاته، وتنمّي لديه مهارة الإصغاء والحديث.
- دعها تُملي عليك قصصها الخاصة واكتبها لها -إن لم تكن تمكّنت من الكتابة بعد- ودعها ترسم الصور المناسبة لها أو تقصها وتلصقها، ودعّم فعلها وشجعه.
- لا تعقل تنمية مهارة طرح الأسئلة، فمثلا اطرح عليها جملة أو موقفًا، ودعها تستخدم الأسئلة لتستكمل القصة "من – متى – أين – كيف – ماذا – لماذا"، فمثلاً قل:
"ضاعت قطتي الصغيرة"
وستسألك: كيف ضاعت؟
أين كانت؟
متى ضاعت؟ لماذا تركتها؟ ما لونها؟ لماذا مشت وحدها؟ ماذا تميزها حتى نعلن عنها؟ كيف يمكننا استرجاعها؟ كيف يمكننا البحث عنها؟ أين نبحث عنها؟ من يمكنه مساعدتنا؟ أين أمها؟ متى سنبدأ في البحث عنها؟ لماذا سنبحث عنها؟ ماذا أفعل لأسمعها صوتي؟ ماذا أقول لها لتعود؟ وهكذا... ولاحظ أن بعض الأسئلة تتعلق بمعلومات عن القطة، والبعض الآخر بمشاعر ابنتك ومشاعر القطة، وهكذا...
يبقي لي أن أسألك الحديث مع المعلمة بشأن ابنتك بهدوء ودون غضب، محاولاً أن تعلم إياها ما لدى ابنتك من قدرات تسألها أن تساعدك في تدعيمها وتطويرها، فربما قدمت لها شيئًا إضافيًّا من المهمات في الفصل، وربما أسندت إليها المعلمة بعض الأعمال لتساعدها مثلاً.
أو تسمح لها بأن تلون أو تقص أو تطالع كتابًا حتى ينتهي الآخرون، وربما سمحت لها بأن تداوم مع فصل أعلى من فصلها، وهناك العديد من الحلول، ويبقى الأهم دائمًا: إيماننا بأطفالنا، والسعي الدؤوب وراء هذا الإيمان.
لكم تحياتي...