الخط العربي في إيران
استطاع الفنانون الإيرانيون أن يبدعوا في الفن التصويري لمضامين المخطوطات الفارسية والعربية، كما نجحوا في تجويد الخط وتحسينه وتطويره، فقد امتاز الخطاط الإيراني بالجودة والإتقان، وكان في أغلب أحيانه مبدعاً في لوحاته، مبتكراً في إنتاجه، عبقرياً في بحثه العميق.
ابتكر الخطاطون الإيرانيون الخط الفارسي في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي). ثم ابتكروا خط (النستعليق) من الخط الفارسي والنسخ والتعليق، وكان هذا الابتكار بجهود الخطاط الكبير عماد الدين الشيرازي الحسني، إذ وضع له قاعدة اشتهرت باسمه فيما بعد فسمّيت (قاعدة عماد).
كما حوّروا الخط الكوفي (فأصبحت المدّات فيه أكثر من الجرّات)( ).
واشتهرت مدينة مشهد بخط النستعليق حتى كادت أن تسبق جميع المدن الإيرانية، ووقفت مشدوهاً أمام تلك الخطوط في هذه المدينة وخاصة في جامع الإمام الرضا ذي القباب الذهبية في ربيع عام (1416هـ 1996م) خلال زيارتي الأولى لإيران.
وقد رأيت إبداعات أولئك الخطاطين الإيرانيين في مشهد تفوق ما قدّم غيرهم، فالخطوط التي نقشت على القباب والمآذن تحكي قصة الإتقان والجودة. وقد أجاد الخطاطون في نقش الخطوط وزخرفتها على قطع السيراميك في شوارع المدينة على كثرتها، بحيث يرى السائر فيها أنه في متحف مفتوح للخط العربي.
أما مدينة أصفهان التي يقول أهلها أنها (نصف جهان) أي نصف العالم فهي عاصمة الدولة الصفوية التي خلفت لنا خطوطاً ولوحات وزخارف يعتز بها كل مسلم، ويحق لهذه المدينة أن تتربّع على عرش الفن الإسلامي، برسومه، وخطوطه، وزخارفه. وذلك من خلال ما خلّفوه لنا من أوابد أصبحت بالنسبة لنا متاحف مفتوحة للمشاهدين والزوار.
من هذه الأماكن الأثرية التي احتوت خطوطاً رائعة:
1-الجامع الكبير في أصفهان (جامع الإمام).
2-جامع لطف الله.
3-الأربعون عموداً.
4-الجسور الكثيرة المنتشرة على نهرها الكبير (زينده رود) مثل جسر خاجو. وشاهدت براعة الخطاط الإيراني الفنية قبل أن يكون خطاطاً في القباب والمآذن، والإيوانات والجسور، والحوزات، والمدارس، مما يجعل الباحث والزائر لهذه المدينة التاريخية يشهد لها بالفن والإبداع.
وقد اهتم شاهات فارس وأمراؤها بالخط (فقد أنشأ الوزير المغولي رشيد الدين ضاحية سماها (ربع رشيد) كذلك أصبحت هراة في عهد الصفويين عاصمة الخط والتصوير، وكان بهزاد معلم التصوير، وموجه الخطاطين)( ).
ولم تقتصر أمور الخط والإبداع على الخطاطين الذين اعتمدوا الخط فناً ومهنة، بل تعدّتهم إلى الأمراء والحكام وذوي السلطان، فقد كانوا يجدون في النسخ والخط شرفاً وبركة ومجداً. فهم يعتزون بنسخ القرآن الكريم مسترشدين بتوجيهات كبار الخطاطين مثل (عضد الدولة البويهي، والشاه طهماسب، بل كان الأمراء منهم-الفرس- يتسابقون لمساعدة الخطاطين بأن يمسكوا لهم بالمحبرة. أو يقدموا معونة بوضع الوسائد بمكانها، أو بإمساك الشمعدان)( ). وكأنهم بهذا الاحترام الزائد يقلدون أبناء ملوك العرب كالأمين والمأمون اللذين كانا يتسابقان لتقديم حذاء معلمهم ومؤدبهم الكسائي.
حقاً لقد أجاد الخطاط الإيراني أكثر مما نال من حظوة الشاهات والأمراء، وذلك لأن طبعه الفني مغروس فيه ومتوارث، فهو لا يتهالك من أجل أن يتقرّب بخطوطه وفنه من الأمراء، وما حدث من ذلك فأمر عارض، لا يقصد به صاحبه أكثر من إيصال فنه وإبداعه إلى كبار المسؤولين في الدولة.