الخط العربي
في العصر الأموي
أحرز الخط في العصر الأموي تقدماً ملموساً على ما كان عليه في العصرين السالفين، عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، واستطاع أن يُبرز ولأول مرة الخطّاطَ، ومهنته إلى الوجود؛ رغم أن الحروف كانت خالية من النقط، وقد لمع نجم عدد من الخطاطين يأتي في مقدمتهم الخطاط الشهير (قُطبة المحرر) الذي ابتكر خطاً جديداً يعتبر مزيجاً من الخطين الحجازي والكوفي، وسمي هذا الخط بالخط (الجليل) حيث استعمله قطبة ومن عاصروه أو جاؤوا بعده في الكتابة على أبواب المساجد ومحاريبها.
ولم يكن خط (الجليل) هو كل ابتكار قطبة، ولكنه ابتكر عدة خطوط أخرى، أجاد فيها وأحسن منها (خطّ الطومار وهو أصغر من سابقه، وكذلك اخترع قطبة خط (الثلث) و (الثلثين) وذلك حوالي عام 136هـ)( ). وكان له فضل السبق في ذلك.
وخط الطومار يعني (خط الصحيفة) وجمعه طوامير، وقد سمّاه الأتراك خط (جلي الثلث).
وراح الخطاطون في العصر الأموي –ولأول مرة- يخطُّون خطوطاً جميلة تزين القصور والمساجد والخانات، ويكتبون بهذه الخطوط في سجلاّت الدولة الفتية ودواوينها الحديثة، فنالوا حظوة لدى الأمراء والخلفاء، وجعلوهم في صدارة مجالسهم، واستعملوهم في دواوينهم. وأصبحنا نرى هذه الخطوط الحديثة الجميلة في هذا العصر تزين القباب والمآذن والمساجد والقصور التي حُلِّيت بالفسيفساء والخشب المحفور والمطعم بالفضة والمعادن والزجاج، ليس في العاصمة دمشق فحسب، بل في أبعد المدن القاصية عنها والثغور، وهذا ما نراه واضحاً بعد أكثر من أربعة عشر قرناً في المسجد الأموي في دمشق، وقصر الحير الشرقي، وآثار رصافة هشام، ومحراب المسجد الأقصى وقُبَّته وغيرها.
كان الخطاطون في العصر الأموي يكتبون في سجلاّت الدولة بخط (الثلثين) الذي أطلقوا عليه لكثرة ما كتبوا به السجلاّت اسم خط (السجلاّت) (أما خلفاء بني أمية فكانوا يكتبون بخط الطومار وبالخط الشامي)( ).
وقد نشط عدد من الخطاطين في هذا العصر، لعبوا دوراً هاماً في النهوض بالخط كحركة فنية فتية يأتي في مقدمتهم:
1- خالد بن أبي الهيّاج. وقد كتب عدداً من المصاحف.
2- مالك بن دينار. الذي غلب عليه الزهد والورع فذكروه في عداد الفقهاء والمحدثين وتوفي سنة 131هـ (753م).
3- الرشيد البصري.
4- مهدي الكوفي.
ثم اشتهر خطاطون آخرون لا يقلّون عن سابقيهم شهرة وعدداً انتشروا في الأمصار البعيدة عن مركز الخلافة منهم:
1- (شراشير المصري.
2- أبو محمد الأصفهاني.
3- أبو الفرج.
4- ابن أبي فاطمة.
5- ابن الحضرمي.
6- ابن حسن المليح)( ).
لقد كان لخلفاء بني أمية الدور الأكبر في نهضة الخط العربي، ودفعه إلى الأمام لمجاراة النهضة الشاملة للدولة الإسلامية التي أرسوا أسسها، ليبني اللاّحقون لهم على أُسس المتينة.