كثيراً ما يستهتر المرء بمشكلة صحية قد يخالها للوهلة الأولى حالة عابرة ومشكلة تُحل من تلقاء نفسها… بيد أنه في بعض الأوقات، تبدأ المشكلة بسيطة وتتفاقم، نتيجة الإهمال والإستهتار، أو حتى بسبب الجهل والتناسي، لتصبح مرضاً له ذيول لا تُحمد عقباها. فحتى أبسط الحالات المرضية تتحول داءً يتطلب العلاج والدواء. ليس كل الناس أطباء مخولين إجراء تشخيص عام وتقويم حازم. فلا يحق للبعض إعطاء الآخرين وصفات علاج عشوائية، بمجرد أن الطريقة قد نجحت معهم مرةً مثلاً، لأن كل جسم مختلف عن الآخر، ويتطلب وقاية وعلاجاً معينين. ومن ناحية اخرى، كل مرض له أسبابه الظاهرة والمخفية، وإن كانت بعض الأمراض تتشابه في الأعراض ظاهرياً، لكنها في الباطن ذات مسببات مختلفة. وبالتالي، يجب إيجاد الدواء المناسب لها، والطريقة المُثلى للقضاء عليها. فالإسهال والإمساك مثلاً، من أبرز ما قد يُصيب الإنسان خلال يوم عادي. وقد يستهتر بهما ولا يعيرهما أهمية، بل يعاني فقط بعض الإنزعاج ويواصل روتينه اليومي… لكن في بعض الأحيان، قد تكون هذه المشاكل التي تطال الأمعاء مرتبطة بما هو أخطر من مجرد «نزلة برد » أو من «تسمم غذائي ». لذلك لا يجوز تناول الأدوية عشوائياً ومحاولة حل الأمر من تلقاء أنفسنا، بل يجب زيارة الطبيب.
يشرح الدكتور أسعد مظلوم، الإختصاصي في الطب الداخلي، حالات الإسهال والإمساك، مفسراً أسبابها وأعراضها، ومفصلاً عواقبها وعلاجاتها. كما يتطرق السيد أندره الضاهر، إختصاصي مساعد صيدلي، إلى الشق العلاجي الدوائي البسيط المستعمل في معظم الأحيان للحالتين.
ما هو الإسهال؟
عندما لا يعاني الشخص مبدئياً من خطب صحي، يتناول الطعام بطريقة منتظمة وتهضمه معدته، لتتحول البقايا بعدها إلى براز، يتخلص منه الجسم بعد أخذ حاجاته الغذائية. فالبراز مكون من كمية ماء معينة، إضافة إلى بقايا الطعام. بيد أن مشكلة الإسهال تكمن في كون كمية الماء أكثر من بقايا الطعام.
يقول الدكتور أسعد مظلوم «الإسهال مشكلة صحية شائعة، وهو غالباً ما يكون دليل حالة مرضية. فعندما يتبرز الإنسان أكثر من ثلاث إلى أربع مرات في غضون أربع وعشرين ساعة، ويكون البراز «مائياً »، تكون المشكلة حادة وفي حاجة إلى علاج، وإن كان بسيطاً ».
فصحيح أن الإسهال مشكلة شائعة، وغالباً ما تُحل من تلقاء نفسها بعد يومين على أقصى حد، لكنه أحياناً قد يتفاقم ليصبح خطيراً من حيث ندري أو لا ندري. كما أن الإسهال المزمن قد يكون دليلاً على مرض مزمن.
مسببات الإسهال
للإسهال مسببات متعددة تؤدي كلها إلى النتيجة عينها. يقول د. أسعد مظلوم: «يرتبط الإسهال عموم بإضطرابات وظيفية تطال الأمعاء أو القولون. ولعل أكثر الأسباب شيوعاً للمعاناة من هذا الداء هي إلتقاط الطفيليات والميكروبات عن طريق تناول طعام أو ماء، ما قد يفسره البعض بالتسمم الغذائي ».
من جهة أخرى، هناك بعض الناس غير القادرين على هضم المكونات الغذائية مثل سكر اللاكتوز الموجود في الحليب، أو حتى الغلوتين الموجود في القمح ومشتقاته. وإستهلاك مكونات كهذه في الأطعمة من دون معرفة المرء أنه غير قادر على تناولها، يسبب له الإسهال، مراراً وتكراراً.
ويمكن أن تسبب بعض أنواع الأدوية والمضادات الحيوية والعقاقير المضادة للسرطان الإسهال.
كما أن الأمراض المعوية والإلتهابات في القولون والإضطرابات الهضمية وإضطرابات الأمعاء الوظيفية، كلها من أسباب الإسهال.
وقد يعاني بعض المرضى هذه المشكلة أيضاً بعد جراحة في المعدة أو إزالة المرارة مثلاً. فقد يكون حدوث تغيير في مدى سرعة تحرك الطعام في الجهاز الهضمي بعد إجراء الجراحة هو السبب.
إسهال نتيجة السفر
تجدر الإشارة إلى أن الإسهال قد يكون نتيجة السفر! فصحيح أن المناخات تتغير والطقس يتبدل في مختلف البلدان، لكن السبب ينجم عن تناول طعام أو مياه ملوثة بالبكتيريا أوالطفيليات أو الفيروسات… وتحدث هذه المشكلة في الدول النامية أكثر منها في الصناعية، فيُصاب المسافر بهذا النوع من الإسهال.
أعراض مرافقة للإسهال
يقول الدكتور د. أسعد مظلوم «قد يكون الإسهال مصحوب بالتشنج وآلام البطن والنفخة، إضافة إلى الغثيان والحاجة الملحة لإستعمال الحمام مراراً وتكراراً ».
وفي الحالات الأكثر تطوراً، قد يتفاقم الأمر ويعاني المريض حرارة أو وجود دم في البراز.
عواقب خطيرة
بما أن الإسهال حالة مرضية عابرة، قد يغض البعض النظر عنها ولا يشددون على علاجها. لكن الخطر موجود حتى في أبسط المشاكل. وهنا يشرح د. أسعد مظلوم «يشكل الإسهال الحاد خطر على الصحة وحتى على حياة الإنسان عندم يؤدي إلى الجفاف. فعندها يفقد الجسم الكثير من السوائل والمعادن الأساسية والأملاح المعدنية الضرورية لتأدية الوظائف المهمة في الجسم وتنشيط العضلات ».
لذا يجب اللجوء إلى العلاج على الفور. ولعل أبرز الدلالات على المعاناة من جفاف الجسم هي العطش والتعب وقلة التبول وظهور لون البول الداكن وجفاف الفم واللسان والبشرة.
وقاية وعلاجات
السوائل ضرورية لجسم الإنسان، بحيث لا يمكن أن تعمل الوظائف العامة في الجسم والعضلات بطريقة صحيحة من دونها.
يفسر د. أسعد مظلوم: «صحيح أن الإسهال ليس بخطر في معظم الأحيان، لكنه قد يصبح كذلك، فيجب إذاً إستشارة الطبيب اذا استمرت حالة الإسهال أكثر من يومين، أو إذا عانى الشخص ألماً شديداً في البطن أو وجود دم في البراز، أو حتى من الجفاف.
من جهته، يقول السيد أندره الضاهر «يجب الإكثار من شرب الماء والسوائل وخصوصاً الحساء والمرق اللذين يحتويان على الصوديوم، إضافة إلى العصائر. كما يجب تناول أطعمة مسلوقة مثل البطاطا والأرز والخبز المحمص والكعك والموز. ويجب تجنب الخضار النيئة والكافيين ومنتجات الألبان والحلويات والأطعمة اللينة والتي تحتوي على كمية دهون عالية، لأنها تميل إلى زيادة الإسهال ». ويضيف: «يجب مراقبة الذات، وبعد معالجة الجفاف يجب أيض الإستعانة ببعض المضادات الحيوية حسب وصفة الطبيب للقضاء على الميكروبات».
ويؤكد د. أسعد مظلوم «في الحالات الخطرة، قد نضطر لإعطاء المريض أمصالاً خاصة في المنزل لمعالجة الجفاف الحاد، كما قد نُدخله المستشفى للعلاج اذا تفاقمت حالة الجفاف».
وأما في ما خص الإسهال الذي يأتى من جراء السفر والسياحة، فيقول د. أسعد مظلوم: «يمكن ببساطة عدم إستهلاك الأغذية والمياه الملوثة، بمعنى عدم إستخدام ماء الصنبور (أو الحنفية) للشرب، أو عدم إستهلاك الحليب غير المبستر ومنتجات الألبان. كما يجب تجنب الفاكهة والخضار النيئة وتناول اللحوم النيئة أو غير المطبوخة بطريقة سليمة ».
ولا يجوز الأكل من عربات الباعة المتجولين ومن المفضل إرتياد المطاعم المعروفة بنظافتها وعدم الإستهتار وتناول الطعام في أي مكان.
ما هو الإمساك؟
الإمساك أيضاً حالة صعبة يعانيه الإنسان، لكنها ليست مرضاً بل هي مشكلة تضايق المرء وتزعجه.
يقول د. أسعد مظلوم «الإمساك هو عدم القدرة على التبرز لأكثر من يومين أو ثلاثة على التوالي، أو المعاناة من براز صعب وقاسٍ وجاف ».
وهي حالة تحدث عندما يمتص القولون الكثير من الماء، فيصبح البراز مكوناً من بقايا طعام وكمية ضئيلة من الماء، مما يسبب تحركه ببطء شديد.
أسباب الإمساك
الإمساك عارض من أعراض وليس مرض بحد ذاته. فالجميع تقريباً يمرون بتجربة الإمساك في مرحلة معينة من حياتهم، وغالباً ما يكون السبب هو سوء التغذية.
يفسر د. أسعد مظلوم «إن عدم شرب الماء بطريقة منتظمة وكافية، إضافة إلى عدم تناول الألياف في النظام الغذائي تؤثر كثيراً على الإصابة بالإمساك. كما أن المعاناة من مشاكل في الغدد أو من مشاكل في القولون أو في الأمعاء قد تسبب الإمساك. وبعض أنواع الأدوية وإنعدام النشاط البدني وخاصة عند كبار السن كلها من الأسباب التي تؤدي إلى الإمساك ».
مشاكل ومضاعفات
لا تظهر أعراض أخرى مرافقة للإمساك. لكنه قد يصبح حالة مرضية أو يكون دليل على وجود ورم خبيث في منطقة القولون.
يشرح د. أسعد مظلوم «إن مضاعفات الإمساك الأولية هي ظهور البواسير. ونتيجة لذلك، قد يحدث نزف مستقيمي كما تظهر نقاط حمراء ساطعة على سطح البراز. وفي العواقب الأكثر خطورة، قد يحدث رتاج في الأمعاء، بمعنى أن يتغير شكل المصران، فلا يعود حائطه مالساً ومستقيماً، مما يؤدي إلى تكاثر الميكروبات في داخله. وهذه الحالة تتسبب بإلتهابات في المصران وحرارة مرتفعة ونزفاً .
علاجات حسب الأسباب
إن تغيير نمط الحياة وأسلوب الروتين وإتباع حمية غذائية مدروسة، من شأنها أن تزيل مشكلة الإمساك البسيط.
يعطي الدكتور أسعد مظلوم نصائح عملية تساعد على تخفيف الأعراض ومنع حدوث الإمساك بقوله: «يجب الأكل بطريقة متوازنة وإتباع نظام غذائي غني بالألياف أي بالخضار والنخالة والحبوب الكاملة والفاكهة الطازجة. كما يجب شرب المياه والكثير من السوائل. ويجب تغيير نوع الأدوية التي تسبب الإمساك وابدالها بأخرى مماثلة من حيث العلاج لكن ذات مكونات لا تؤدي إلى حصول حالات الإمساك. ويمكن معالجة الغدد كي لا تنعكس سلباً على صحة الأمعاء ». لذلك، يجب زيارة الطبيب للتشخيص ولمعرفة السبب الأساسي ليتم التخلص منه فتزول حالة الإمساك بعدها.
يشدد السيد أندره الضاهر أيضاً: «لا يجوز العبث بالعلاجات وتجربة كل ما ينصح به الجيران والأهل لأن الدواء الخاطئ قد يؤدي إلى عواقب وخيمة ويسبب مضاعفات ومشكلات صحية خطيرة. فتناول المسهلات بطريقة مكثفة وعشوائية من شأنه مثل أن يُضر بالصحة ويؤدي إلى الإسهال الحاد أو حتى إلى أمراض أخرى. كما يمكن أن تعتاد الأمعاء إستخدام المسهلات، فلا تعود قادرة عن الإستغناء عنها ، وهذا يولد أيضاً مشكلة! لذلك، يجب زيارة الطبيب للتشخيص السليم ووصف العلاج المناسب .
--