اربد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اربد

منتدى معلومات عامة
 
صفحة الاعلاناتالمنشوراتالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 في ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
jistcoirbid

jistcoirbid



في  ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م Empty
مُساهمةموضوع: في ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م   في  ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م Icon-new-badge28/3/2012, 14:10

ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م

بسم الله الرحمن الرحيم


(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين من اعز الدين وخذل الكافرين والمرتدين, وعلى اله وأصحابه ومن تبعهم أصحاب الهمة خير الأمة الثابتين على الدين أجمعين
أما بعد :

معركة مؤتة..أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م

في إطار الحروب الإسلامية مع الروم كانت هناك لبنة نبوية كانت أساسا قويا وصلبا لجميع تلك الحروب, وبالرغم من أن المناوشات مع الفرس كانت تقتصر على أتباعهم هنا وهناك في العهد النبوي إلا أن حربا ضروسا وقعت مع الروم في إشارة نبوية واضحة, أن النصارى رومانيون وغيرهم هم أكثر أعداء الإسلام قتالا ضد المسلمين..ولهذا شن رسول الله الغزوات والسرايا ضد الروم وأتباعهم وختم حياته الشريفة بتجهيز بعث أسامة رضي الله عنه لقتال الروم..واليوم نستذكر واحدة من تلك السرايا المباركة والتي تركت لنا دروسا جمة وعبرا كثيرة ألا وهي ( معركة مؤتة ضد الروم)...
بعد الانتصار السياسي العظيم والفتح الكبير في التوصل إلى صلح الحديبية مع قريش في العام السادس الهجري..تمكن قائد الدولة الإسلامية نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من استغلال تحجيم القتال مع مشركي قريش ليتحرك دوليا لمخاطبة ملوك العالم آنذاك من الفرس والروم والقبط يدعوهم إلى الإسلام فكانت الخطوة الأولى لنقل الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة العربية..
بعد صلح الحديبية قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرسال رسالة إلى شرحبيل بن عمرو الغساني حاكم (بصرى) التابع لحاكم الروم..وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى حاكم دمشق وهو الحارث بن أبي شمر الغساني..وبالنظر إلى أن عرب الشام آنذاك كانوا يستندون على اكبر ثاني قوة في العالم في تثبيت مواضعهم وظلم الناس والتجاوز على القوافل التجارية القادمة من الشام إلى مكة والمدينة, فقد أقدم حاكم بصرى على قتل رسول رسول الله الحارث بن عمير ولم تجر العادة بقتل الرسل والسفراء, أما حاكم دمشق فقد أساء استقبال مبعوث رسول الله وهدد بإعلان الحرب على المدينة المنورة...وبعد تلك الحادثتان بعامين تقريبا أرسل رسول الله سرية بقيادة عمرو بن كعب الغفاري ليدعو إلى الإسلام في مكان يقال له ( ذات اطلاح) وهو قريب من الشام فلم يستجب أهل المنطقة إلى الإسلام وأحاطوا بالدعاة بعد ذلك من كل مكان وقاتلوهم حتى قتلوهم جميعا إلا أميرهم, كان جريحا فتحامل على جرحه حتى وصل إلى المدينة فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر..وليس هذا فحسب بل قام نصارى الشام بزعامة الإمبراطورية الرومانية بالاعتداءات على من يعتنق الإسلام أو يفكر بذلك, فقد قتلوا والي معان حين اسلم, وقتل والي الشام من اسلم من عرب الشام...
كانت هذه الأحداث المؤلمة وبخاصة مقتل سفير رسول الله الحارث بن عمير محركة لنفوس المسلمين, وباعثا ليضعوا حدا لهذه التصرفات النصرانية العدوانية, ويثأروا لإخوانهم في العقيدة الذين سفكت دماؤهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ونبيا محمد رسول الله..كما أن تأديب عرب الشام التابعين للدولة الرومانية والذين دأبوا على استفزاز المسلمين وتحديهم وارتكاب الجرائم ضد دعاتهم أصبح هدفا مهما ومشروعا, لان تحقيق هذا الهدف معناه فرض هيبة الدولة الإسلامية في تلك المناطق بحيث لا تتكرر مثل هذه الجرائم في المستقبل, وبحيث يامن الدعاة المسلمون على أنفسهم ويامن التجار المترددون بين الشام والمدينة من كل أذى يحول دون وصول السلع الضرورية إلى المدينة...
وفي العام الثامن الهجري أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهز للقتال, فاستجابوا للأمر النبوي وحشدوا حشودا لم يحشدوها من قبل إذ بلغ عدد المقاتلين في هذه السرية الجديدة ثلاثة آلاف مقاتل, واختار النبي صلى الله عليه وسلم للقيادة ثلاثة أمراء على التوالي: ( زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة) فقد روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى عبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قُتل زيد فجعفر، وإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة))..
وفي اختيار هؤلاء القادة أساسا وليس عشوائيا..فبالرغم من وجود من هم أدهى وأشجع من هؤلاء القادة إلا أن اختيارهم كان له مغزى نبوي عظيم:
·زيد بن حارثة رضي الله عنه: وهو حب رسول الله وخادمه وأول من امن به, فقد جعله رسول الله أول الناس في مواجهة الروم, وكأن رسول الله بهذا يعطي الأمة وقادتها درسا بان يكون أحبابهم في مقدمة جيوشهم وان لا يبخلوا بهم في سبيل الله..كما أن زيدا كان أمير سرية إلى منطقة حسمى في العام السادس الهجري حيث قامت قبيلتا مذحج وقضاعة بالاعتداء عليه وعلى صحبه بعدما ذهبوا إلى وادى القرى بغرض الدعوة إلى الله, فكان لزيد شخصيا ثأرا لدى عرب الشام...
·جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: هو أشبه الناس بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه, فكان لزاما على القائد أن يجعل أولي أرحامه في صدر معاركه وغزواته..
·عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: الصوت الإعلامي ومنبع معنويات الجيوش في عدة مواطن بقصائده الرقيقة والمتينة في آن واحد..بأراجيزه ونثره..فهكذا عمل إعلامي مهم للجيش الإسلامي في مواجهة الروم وبالفعل كان لهذا الصحابي الجليل دورا في دفع المسلمين للقتال..
وفي اختيار هؤلاء القادة واستشهادهم فيما بعد هي بداية ظهور نجم جديد وقائد فذ أخر والذي استطاع أن ينقذ جيش المسلمين بخطة بارعة محنكة ليمنح على إثرها وسام شرف رباني ألا وهو ( سيف الله المسلول)...
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش الإسلامي أن يأتوا المكان الذي قتل فيه الحارث بن عمير الازدي وان يدعوا من كان هناك إلى الإسلام فان أجابوا فبها ونعمت, وان أبوا فليستعينوا بالله عليهم ويقاتلوهم...
وقبل أن ينطلق الجيش وقف رسول الله على المقاتلين فيه وقام بتزويدهم بوصايا نبوية تتضمن آداب القتال في الإسلام فقال لهم:
«أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرًا، اغزوا باسم الله، في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تقتلوا وليدًا، ولا امرأة ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقربوا نخلا، ولا تقطعوا شجرًا، ولا تهدموا بناء, وإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى إحدى ثلاث: فإما الإسلام، وإما الجزية، وإما الحرب...».
وظلت هذه السنة النبوية العسكرية طريقا لجميع الخلفاء والقادة المسلمين من بعده, فما انطلق جيش لقتال إلا ووقف عليه قائده يوصيهم ويحرضهم...
ولما تجهزت جموع المجاهدين وأتموا استعدادهم, توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ليودعون الجيش, رافعين اكف الضراعة لله عز وجل أن ينصر إخوانهم المجاهدين, لقد سلموا عليهم وودعوهم بهذا الدعاء:
( دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين)...
ولما ودع الناس عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وسلموا عليه بكى وانهمرت الدموع من عينيه ساخنة غزيرة, فتعجب الناس من ذلك ظانين انه الخوف من القتال, فقالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال:
( والله ما بي حب الدنيا وصبابة, ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ أية من كتاب الله يذكر فيها النار وهي ( وَإِن مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) [مريم: 71], فلست أدري كيف بي بالصدر بعد الورود)...
فقال لهم المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم, وردكم إلينا صالحين, فانشد عبد الله بن رواحة يقول:

لكني اسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فراغ تقذف الزبدا


أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا


حتى يقولوا إذا مروا على جدثي أرشده الله من غاز وقد رشدا

وبهذه الأبيات فند هذا الصحابي الجليل كل مظنة به وانه خائف من قتال أو موت..
وودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة, وهو يشعر انه الوداع الأخير في هذه الدنيا الفانية فقال ابن رواحة يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يثبت الله ما أتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا


إني تفرست فيك الخير نافلة فراسة خالفتهم في الذي نظروا


أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منه فقد أزرى به القدر

وتحرك الجيش الإسلامي قاطعا تلك المسافات الشاسعة على ظهور الخيل والإبل حتى وصل إلى معان من ارض الشام- وهي الآن محافظة من محافظات الأردن – وصلت معلومات استخباراتية أن النصارى الصليبيين من عرب وعجم قد حشدوا حشودا ضخمة لقتالهم, إذ حشدت القبائل العربية الموالية للروم مائة ألف صليبي من قبائل لخم وجذام وبهراء وبلى, وعينت لهم قائدا هو مالك بن رافلة, وحشد هرقل مائة ألف نصراني صليبي من الروم فبلغ الجيش الصليبي مائتي ألف مقاتل, مزودين بالسلاح الكافي ويرفلون في الديباج لينبهر المسلمون بهم وبقوتهم....
عقدت جلسة عسكرية بين قادة جيش المسلمين في معان للتشاور في التصدي للحشد الصليبي الضخم فقال بعضهم: نرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة نخبره بحشود العدو, فان شاء أمدنا بالمدد, وان شاء امرنا بالقتال...وقال بعضهم لزيد بن حارثة وهو قائد الجيش العام: وقد وطئت البلاد واخفت أهلها, فانصرف فانه لا يعدل العافية شيء...وكان أصحاب هذا الرأي يحسبون الأمور بدقة عسكرية فبالعرف العسكري يجب أن يكون تعداد جيش المسلمين 300 ألف حتى يهاجموا الروم لان المهاجم يجب أن يكون أكثر عددا من المدافع ولهذا طلبوا منه الانسحاب بالجيش..
وما كان من عبد الله بن رواحة إلا أن حسم الموقف قائلا:
( يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون, الشهادة! وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة, ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به, فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما الظهور وإما شهادة)...
كلمة أطلقها ابن رواحة مدوية..لتبقى شعلة تنير طريق السائرين في طريق الجهاد إلى يوم القيامة...لتكون منارا للمرابطين في الثغور, والمجاهدين في ساحات الوغى..ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة, ما نقاتلهم إلا بهذا الدين..أطلقها لتكون طريقا لأهل الإسلام والحق الداعين إليه, المرابطين على ثغور الكلمة ونشر المبدأ, الساعين لإعادة الأمة إلى مجدها وعزها, ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة, ما نقاتلهم إلا بهذا الدين..
والى الجبناء المنكسرين والمنهزمين الذين يخترقون صف الأمة الواحد, يعيثون في الأرض فسادا وينشرون الباطل والزيغ, يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا, ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين, إنها كلمة عظيمة لا بد أن تبقى شعارا تتعاقبه أجيال الأمة جيل بعد جيل, ينقله الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد, يرضعه الوليد مع لبن أمه, ويلقنه الصغير, ويحيى عليه الكبير...لا بد أن تبقى هذه الكلمات نبراسا يضيء للأمة طريقها في نشر دين الله في جهادها ودعوتها وعلمها وعملها..
نعم..ألهبت كلمات هذا الشاعر مشاعر المجاهدين, واندفع زيد بن حارثة بالناس إلى منطقة مؤتة جنوب الكرك حيث اثر الاصطدام بالروم هناك...وفي الطريق كان مع عبد الله بن رواحة يتيما كان يكفله واسمه زيد بن أرقم, وكان مردفه على فرسه, فانشد عبد الله يقول:

وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مشتهى الثواء


وردك كل ذي نسب قريب إلى الرحمن منقطع الإخاء


هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل اسافلها ورائي

فلما سمعها زيد بكى, فنغزه عبد الله بدرته وقال له: وما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل...يا لك من رجل يا ابن رواحة..والله لقد شرفت ارض الشام باستشهادك فيها...
وفي اليوم السادس من جمادى الأولى من العام الهجري الثامن التقى الجمعان بفارق العدد والعدة الهائل ولكن بفارق إيماني اكبر وأعظم..فكانت ملحمة سجل فيها القادة الثلاثة الذين رشحهم قائد الجيوش الإسلامية وإمام المجاهدين صلى الله عليه وسلم بطولات عظيمة انتهت باستشهادهم, فقد استبسل زيد بن حارثة وتوغل في صفوف الأعداء وهو يحمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح الصليبيين..
ثم اخذ الراية جعفر بن أبي طالب وانبرى يتصدى لجموع المشركين الصليبيين, فكثفوا حملاتهم عليه, وأحاطوا به احاطة السوار بالمعصم, فلن تلن له قناة ولم تهن له عزيمة بل استمر في القتال بيد واحدة لان الأخرى تحمل الراية, وزيادة في الأقدام نزل عن فرسه وعقرها حتى لا يفكر بالانسحاب وهو يقول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردا شرابها


والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها


علي إذا لاقيتها ضرابها

لقد اخذ هذا القائد الجديد اللواء بيده اليمنى فبادرها الروم وقطعوها, فأخذه بشماله فقطعوها, فاحتضنه بعضديه رافعا إياه حتى قتل بضربة رومي قطعته نصفين, فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة, فسمي بعد ذلك جعفر الطيار..استشهد وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة, ولقد أثخن بالجراح إذ بلغ عدد جراحه تسعين بين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم, وليس من بينها جرح في ظهره بل كلها في صدره مما يدل على مواجهته للعدو وعدم تراجعه...روى الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: كنت في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى, ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعين من طعنة أو رمية...
وبعد استشهاد جعفر بن أبي طالب استلم الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وامتطى جواده وهو يقول:

أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه


إن اجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة


قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة


يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت


وما تمنيت فقد أعطيت أن تفعلي فعلهما هديت

ثم قاتل العدو حتى استشهد رضي الله عنه وكان ذلك في أخر النهار من ذلك اليوم...
ولما استشهد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه, وسقطت الراية من يده, أسرع الصحابي ثابت بن اقرم بن ثعلبة لالتقاطها قبل أن تسقط, وبعد أن هدأ القتال, قام ثابت مخاطبا جنده: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم...وهي كلمة يهديها ثابت رضي الله عنه إلى كل قائد أو أمير وضع في منصبه أو كرسيه وهو يعرف قدر نفسه وعدم صلاحيتها لما أوكل إليه..فقال المسلمون لثابت: أنت...قال ثابت: ما أنا بفاعل..وظل ثابت في حيرة حتى لمح جنديا من جنود الإسلام وهو خالد بن الوليد فذهب إليه وقال: خذ اللواء يا أبا سليمان..فقال خالد: لا أخذه, أنت أحق به, أنت رجل لك سن, فقد شهدت بدرا...فقال ثابت له: خذه أيها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك...وهنا رأى خالد الجندي أن لا فرار من إنقاذ جيش المسلمين إلا بتحوله من جندي إلى قائد وهو إذ يعلم إمكانياته القتالية وثقته بالله تعالى فاخذ اللواء..
أصبحت الخطة الأساسية المنوطة بالقائد الجديد خالد في تلك الساعة العصيبة من القتال, أن ينقذ المسلمين من الهلاك الجماعي, فبعد أن قدر الموقف واحتمالاته المختلفة قدرا دقيقا, ودرس ظروف المعركة درسا وافيا وتوقع نتائجها, اقتنع بان الانسحاب بأقل خسارة ممكنة هو الحل الأفضل, فقوة العدو تبلغ ( 66) ضعف قوة المسلمين, فلم يبق أمام هؤلاء إلا الانسحاب المنظم وعلى هذا الأساس وضع خالد الخطة التالية:
1-الحيلولة بين جيش الروم وجيش المسلمين, ليضمن لهذا الأخير سلامة الانسحاب..
2-لبلوغ هذا الهدف لابد من تضليل العدو بإيهامه أن مددا ورد إلى جيش المسلمين فيخفف من ضغطه وهجماته مستغلا الصمود البطولي للمسلمين في اليوم الأول وسقوط خسائر بشرية جسيمة في صفوف الصليبيين, ويتمكن المسلمون من الانسحاب, وصمد خالد حتى المساء عملا بهذه الخطة, وغير في ظلام الليل مراكز المقاتلين في جيشه, فاستبدل الميمنة بالميسرة, ومقدمة القلب بالمؤخرة, وفي أثناء عملية الاستبدال اصطنع ضجة صاخبة وجلبة قوية, ثم حمل على العدو عند الفجر بهجمات سريعة متتالية وقوية ليدخل في روعه أن إمدادات كثيرة وصلت إلى المسلمين..
وبالفعل نجحت الخطة الخالدية إذ بدا للعدو صباحا أن الوجوه والرايات التي تواجهه جديدة لم يرها من قبل, وان المسلمين يقومون بهجمات عنيفة, فأيقن العدو أنهم تلقوا إمدادات, وان جيشا جديدا نزل إلى الميدان, وكان البلاء الحسن الذي أبلاه المسلمون قد فت في عضد الروم وحلفائهم, فأدركوا أن إحراز نصر حاسم ونهائي على المسلمين أمر مستحيل, فتخاذلوا وتقاعسوا عن متابعة الهجوم, وضعف نشاطهم واندفاعهم, فخف الضغط عن جيش المسلمين, وانتهز خالد الفرصة فباشر الانسحاب, وكانت عملية التراجع التي قام بها خالد في أثناء معركة مؤتة من أكثر العمليات في التاريخ العسكري مهارة ونجاحا, بل إنها تتفق وتتلائم مع التكتيك الحديث للانسحاب, فقد عمد خالد إلى سحب الجناحين بحماية القلب, ولما أصبح الجناحان بمنأى عن العدو, وفي مأمن منه, عمد إلى سحب القلب بحماية الجناحين, إلى أن تمكن وضمن سلامة الانسحاب كليا, ويقول المؤرخون: إن خسارة المسلمين لم تتعد الاثني عشر شهيدا في هذه المعركة, وان خالدا قال: ( لقد انقطع في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف, فما بقي إلا صحيفة يمانية)...
كما اعتمد خالد بن الوليد في خطته على الحرب النفسية حيث أمر عددا من الفرسان بإثارة الغبار خلف الجيش, وان تعلو أصواتهم بالتكبير والتهليل مما يدلنا على أهمية الضجة الإعلامية في حروبنا مع الصليبيين..فقد انسحب جيش المسلمين وسط خوف يزرع قلوب الروم من أن تكون هناك كمائن إسلامية أن لحقوا بالمنسحبين..
ويمكن القول إن خالدا بخطته تلك, قد أنقذ الله المسلمين به من هزيمة ماحقة وقتل محقق, وان انسحابه كان قمة النصر بالنسبة إلى ظروف المعركة, حيث يكون الانسحاب في ظروف مماثلة أصعب حركات القتال, بل أجداها وانفعها..
وإجلالا واستذكارا لمن سقطوا على ارض مؤتة وظلت أجسادهم مدفونة في تلك البقعة نستذكر أسمائهم وهم بعد القادة الثلاثة: ( مسعود بن الأسود, وهب بن سعد, عباد بن قيس, عمرو بن سعد, الحارث بن النعمان, سراقة بن عمرو, أبو كليب بن عمرو, جابر بن عمرو, عامر بن سعد) رضي الله عنهم أجمعين وجزاهم عنا خيرا..
على الجانب الأخر وفي عاصمة الدولة الإسلام كان المسلمون بانتظار أخبار جيش المسلمين على أحر من الجمر, وهناك ظهرت معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم في أمر سرية مؤتة, فقد نعى رسول الله للمسلمين في المدينة زيدا وجعفرا وابن رواحة قبل أن يصل إليه خبرهم, وحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع للسرية وذرفت عيناه بالدموع, ثم اخبرهم بتسلم خالد الراية, وبشرهم بالفتح على يديه وقلده بعد تلك السرية وساما خالدا وهو ( سيف الله), وبعد ذلك قدم من اخبرهم بأخبار السرية, ولم يزد عما اخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم..
ولما وصل جيش المسلمين المنسحب من حول المدينة, تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون, ولقيهم الصبيان ينشدون, ويتفقدون آبائهم ومعهم ابن جعفر, ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال: خذوا الصبيان واحملوهم, وأعطوني ابن جعفر...فأتي بعبد الله فأخذه فحمله على يديه في رقة وشفقة لتكون سنة نبوية للتعامل مع أبناء الشهداء..
وفي تلك الأثناء بدأ الناس والصبيان خاصة يحثون على جيش المسلمين التراب ويرمون خالدا بالحصى ويقولون: يا فرار, أفررتم في سبيل الله...وهنا تدخل قائد الجيش الأعلى بقوله: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى...وبهذا اقر رسول الله للمسلمين في حال عدم توازن القوى أن ينسحبوا من ارض المعركة فكانت معركة مؤتة درسا بليغا..
إن الإنسان ليعجب من هذه التربية النبوية التي صنعت من الأطفال الصغار, رجالا وأبطالا, يرون العودة من المعركة دون شهادة في سبيل الله, فرارا من سبيل الله لا يكافئون عليه إلا بحثو التراب في وجوههم, فأين شبابنا المتسكعون في الشوارع من هذه النماذج الرفيعة من الرجولة الفذة المبكرة؟ ولن تستطيع الأمة أن ترتفع إلى هذه الأهداف النبيلة والقمم الشوامخ إلا بالتربية الإسلامية الجادة القائمة على المنهاج النبوي الكريم..
ولم تمض سوى أيام على عودة الجيش من مؤتة إلى المدينة حتى جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشا بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل, وذلك لتأديب قضاعة التي غرها ما حدث في مؤتة وكانت قد اشتركت فيها إلى جانب الروم, فتجمعت تريد الهجوم على المدينة, فتقدم عمرو بن العاص مهاجما ديارها ومعه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار, ولما وصل إلى مكان تجمع الأعداء بلغه أن لهم جموعا كثيرة, فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب المدد فجاءه مدد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح, وقاتل المسلمون الكفار وتوغل عمرو في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت وانهزمت, ونجح عمرو في إرجاع هيبة الإسلام لأطراف الشام, وإرجاع أحلاف المسلمين لصداقتهم الأولى, ودخول قبائل أخرى في حلف المسلمين, وإسلام الكثيرين من بني عبس, وبني مرة وبني ذبيان, وكذلك فزارة وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين, وتبعها بنو سليم, وعلى رأسهم العباس بن مرداس وبنو أشجع وأصبح المسلمون هم الأقوى في شمال بلاد العرب, وان لم يكن في بلاد العرب جميعها..
وفي ذات السلاسل عقب سرية مؤتة تشريعان نبويان عسكريان:
1-خير وسيلة للدفاع هي الهجوم: فقد سبق المسلمون أهل الكفر إلى ديارهم ولم ينتظروهم في المدينة بالرغم مما حصل لجيش المسلمين..
2-بعد كل معركة فيها انسحاب أو هزيمة طلعة أو غزوة: فكما حصل في معركة احد من خروج المسلمين إلى حمراء الأسد لإثبات قوة المسلمين وعدم انكسارهم, قام رسول الله بإرسال سرية ذات السلاسل عقب معركة مؤتة...
3-طلب المدد والأخذ بالأسباب: في هذه السرية لم يقدم عمرو بن العاص على ما أقدم عليه قادة معركة مؤتة وإنما اخذ بالرخصة وطلب المدد فأرسل إليه رسول الله بالمدد ولم ينكر عليه ما فعل..
يمكن أن نستخلص من هذه السرية المهمة عدة دروس وعبر وفوائد منها:
1-أهمية هذه المعركة: تعتبر هذه المعركة من أهم المعارك التي وقعت بين المسلمين وبين النصارى الصليبيين من عرب وعجم؛ لأنها أول صدام مسلح ذي بال بين الفريقين، وأثرت تلك المعركة على مستقبل الدولة الرومانية، فقد كانت مقدمة لفتح بلاد الشام وتحريرها من الرومان. ونستطيع أن نقول إن تلك الغزوة هي خطوة عملية قام بها النبي صلى الله عليه وسلم للقضاء على دولة الروم المتجبرة في بلاد الشام، فقد هز هيبتها من قلوب العرب، وأعطت فكرة عن الروح المعنوية العالية عند المسلمين، كما أظهرت ضعف الروح المعنوية في القتال عند الجندي الصليبي النصراني وأعطت فرصة للمسلمين للتعرف على حقيقة قوات الروم، ومعرفة أساليبهم في القتال.
2-حب الشهادة باعث للتضحية: إن الصبر والثبات والتضحية التي تجلت في كل واحد من الأمراء الثلاثة وسائر الجند كان مبعثها الحرص على ثواب المجاهدين, والرغبة في نيل الشهادة لكي يكرمهم الله برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, ويدخلوا جنات الله الواسعة التي فيها ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
3-تميز هذه المعركة عن سائر المعارك: فهي الوحيدة التي جاء خبرها من السماء، إذ نعى النبي صلى الله عليه وسلم استشهاد الأبطال الثلاثة قبل أن يصل الخبر من أرض المعركة، بل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أحداثها، وتمتاز أيضا عن غيرها بأنها الوقعة الوحيدة التي اختار النبي صلى الله عليه وسلم لها ثلاثة أمراء على الترتيب: زيد بن حارثة، جعفر بن أبي طالب، عبد الله بن رواحة.
4-إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لآل الشهداء وتفقدهم: لما أصيب جعفر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس فقال: «ائتيني ببني جعفر» فأتت بهم فشمهم وقبلهم وذرفت عيناه، فقالت أسماء: أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: «نعم أصيبوا هذا اليوم»، فجعلت تصيح وتولول, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعامًا، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم». فأين المسلمين من هذا الحديث؟ بل أنهم يأتون عامدين للأكل والشرب في بيت الميت ضاربين عرض الحائط ما يشغل أهل البيت نساءا ورجالا في يومهم ذاك..فقد خضعت المجتمعات للعرف والعادة وتركت السنة والعبادة..
5-الاعتناء بذرية الشهداء: فقد دعى رسول الله أبناء جعفر ولما جيء بهم كأنهم فراخ, فدعا بالحلاق فحلق لهم رؤوسهم ثم قال: ( أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب, وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي)..ثم اخذ بيمين عبد الله وقال: ( اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه)..قالها ثلاثا...ولما جاءت أمهم أسماء بنت عميس رضي الله عنها تشكو يتمهم وضعفهم قال لها رسول الله: ( العيلة تخافين عليه؟! وأنا وليهم في الدنيا والآخرة)..وهذا منهج نبوي كريم خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاية وتكريم أبناء الشهداء لكي تسير الأمة على نهجه الميمون.. وقد ظل عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه عندما يلتقي عبد الله بن جعفر يحيه فيقول: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين..لان رسول الله اخبر أن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما حيث يشاء في الجنة بدلا عن ذراعيه اللتان قطعتا في الدنيا...
6-فقه القيادة: إنه درس عظيم يقدمه لنا الصحابي الجليل ثابت بن أقرم العجلاني، عندما أخذ اللواء بعد استشهاد عبد الله بن رواحة آخر الأمراء، وذلك أداء منه للواجب؛ لأن وقوع الراية معناه هزيمة الجيش، ثم نادى المسلمين أن يختاروا لهم قائدًا، وفي زحمة الأحداث قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل.. فمشى باللواء إلى خالد، فقال خالد: لا آخذه منك، أنت أحق به فقال: والله ما أخذته إلا لك. والمفهوم أن ثابتًا جمع المسلمين أولاً وأعطى القوس باريها, فأعطى الراية أبا سليمان خالد بن الوليد, ولم يقبل قول المسلمين: أنت أميرنا، ذلك أنه يرى فيهم من هو أكفأ منه لهذا العمل، وحينما يتولى العمل من ليس له بأهل، فإن الفساد متوقع، والعمل حينما يكون لله تعالى، لا يكون فيه أثر لحب الشهرة، أو حظ النفس. إن ثابتًا لم يكن عاجزًا عن قيادة المسلمين، وهو ممن حضر بدرًا، ولكنه رأى من الظلم أن يتولى عملاً وفي المسلمين من هو أجدر به منه، حتى ولو لم يمضِ على إسلامه أكثر من ثلاثة أشهر؛ لأن الغاية هي السعي لتنفيذ أوامر الله على الوجه الأحسن والطريقة الأمثل. إن كثيرًا ممن يتزعمون قيادة الدعوة الإسلامية اليوم يضعون العراقيل أمام الطاقات الجديدة، والقدرات الفذة خوفًا على مكانتهم القيادية، وامتيازاتهم الشخصية، وأطماعهم الدنيوية، فعلى أولئك القادة أن يتعظوا من هذا الدرس البليغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
7-درس نبوي في احترام القيادة: قال عوف بن مالك الأشجعي: خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مدديّ من اليمن... ومضينا فلقينا جموع الروم، فيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وله سلاح مذهب، فجعل الرومي يضرب بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه بسيفه، وفر الرومي، فعلاه بسيفه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين، بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السلب, قال عوف: فأتيت خالدًا، وقلت له: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته قلت: لتردنها إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأبى أن يرد عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله فقصصت عليه قصة المددي، وما فعل خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خالد ما حملك على ما صنعت؟» قال: استكثرته فقال: «رد عليه الذي أخذت منه». قال عوف: فقلت: دونكها يا خالد، ألم أوف لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذلك؟» فأخبرته قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا خالد لا ترد عليه، هل أنتم تاركون لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره». هذا موقف عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم في حماية القادة والأمراء من أن يتعرضوا للإهانة بسبب الأخطاء التي قد تقع منهم، فهم بشر معرضون للخطأ، فينبغي السعي في إصلاح خطئهم من غير تنقص ولا إهانة، فخالد حين يمنع ذلك المجاهد سلبه لم يقصد الإساءة إليه، وإنما اجتهد فغلَّب جانب المصلحة العامة، حيث استكثر ذلك السلب على فرد واحد، ورأى أنه إذا دخل في الغنيمة العامة نفع عددًا أكبر من المجاهدين، وعوف بن مالك أدى مهمته في الإنكار على خالد، ثم رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما لم يقبل خالد قوله، وكان المفترض أن تكون مهمته قد انتهت بذلك؛ لأنه والحال هذه قد دخل في أمر من أوامر الإصلاح، وقد تم الإصلاح على يديه، ولكنه تجاوز هذه المهمة حيث حول القضية من قضية إصلاحية إلى قضية شخصية، فأظهر شيئًا من التشفي من خالد، ولم يقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل أنكر عليه إنكارًا شديدًا وبيَّن حق الولاة على جنودهم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر خالدًا بعدم رد السلب على صاحبه لا يعني أن حق ذلك المجاهد قد ضاع؛ لأنه لا يمكن أن يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانًا بجريرة غيره، فلا بد أن ذلك المجاهد قد حصل منه الرضا، إما بتعويض عن ذلك السلب أو بتنازل منه أو غير ذلك فيما لا يذكر تفصيله في الخبر. إن الأمة التي لا تقدر رجالها ولا تحترمهم لا يمكن أن يقوم فيها نظام، إن التربية النبوية استطاعت بناء هذه الأمة بناء سليمًا، وما أحرى المسلمين اليوم أن يكون كل إنسان في مكانه، وأن يحترم ويقدر بمقدار ما يقدم لهذا الدين، ويبقى الجميع بعد ذلك في الإطار العام الذي وصف الله به المؤمنين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [المائدة: 54]. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «هل أنتم تاركون لي أمرائي» وسام آخر يضاف إلى خالد t حيث عد من أمراء الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا من المنهاج النبوي الكريم في تقدير الرجال...
8-شرعية الكر بالجيش عند الضائقة وعدم توازن القوى...
لو تأملنا بعمق في هذه السرية لساعدنا هذا التأمل في معالجة الهزيمة النفسية والروحية التي تمر بها الأمة, وإقامة الحجة على القائلين بان سبب هزيمتنا التفوق التكنولوجي لدى الأعداء..
ولهذا يجب على الأمة أن تضع أمام أجيالها الأمور التالية:
1-أن النظرة المادية المجردة عند قياس معيار القوة والضعف بعيد كل البعد عن الواقعية والفهم العميق للحياة وسبر أغوار بواطن الأمور، إذ الوقائع تشهد، والأحداث على مر العصور تبرهن بأنه (كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ) [البقرة: 249] فالأمر لله من قبل ومن بعد.
2-أن الإيمان في قلوب أهله، أقوى من قوى العالم وإن اجتمعت، فكم من مجاهد أعزل من السلاح يرفع إصبع السبابة يناجي ربه، وكم من دعوة في جنح الظلام تفتح لها أبواب السماء، تفعل الأفاعيل في الأعداء بل هي أشد عليهم من آلاف المقاتلين وقد قالوها، والحق ما شهدت به الأعداء...
3-أن على الأمة أن تربي أبناءها على حب دينهم واعتزازهم به، والشعور بالنصر والعلو والفخر..فلينقش على القلوب والصدور ولتردده الأفواه والسطور (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].
4-على الآباء والأمهات والمربين أيًّا كانوا وعلى الأمة جمعاء أن تعاود النظر في عرض القدوات للأجيال، فلابد من نشر سير أولئك الأفذاذ من صحابة رسول الله وأتباعهم، ليرتسم الأبناء سير الأجداد منهجًا للحياة ودستورًا للواقع. والسؤال المهم الذي نعلم إجابته ولكن واقعنا يخالفه: أي شيء يقدمه لدينه وأمته مغنيٍ أو ممثل هابط أو هابطة، ماذا عساه أن يقدم للإسلام والمسلمين ذاك اللاعب وهو يدحرج كرته، أو يجري خلفها، وقديمًا قيل

يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي

ولا زالت ارض معركة مؤتة خالية من بناء وزرع إجلالا وإكبارا لما وقع على ثراها من بطولات..والذي يجلس في تلك الأرض يستعرض المعركة بتفاصيلها وكيف سقط الشهداء الثلاثة واخلوا خارج ارض المعركة ليدفنوا قريبا من أرضها..فكل حجر وذرة تراب في تلك الأرض لا زالت تحن إلى أيام مؤتة والى رجال مؤتة..
في معركة مؤتة ظهرت لنا معاني حب البذل والتضحية بالنفس والمال في سبيل هذا الدين نابع من الإيمان بالله واليقين بما عنده, فهل تحيا في الأمة هذه البسالة..وهل نستخلص من معركة مؤتة خاصة وتاريخنا الإسلامي الجهادي عامة دروسا تزرع التضحية والفداء في قلوب فتيان الأمة حتى يعود للأمة سابق مجدها وغابر عزها؟..نسأل المولى الكريم..مخرج الحي من الميت أن يخرج للأمة احياءا من أصلاب أموات الأمة وان يردنا إلى ديننا ردا جميلا انه ولي ذلك والقادر عليه وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



في  ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م   في  ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م Icon-new-badge7/4/2012, 03:59

موضوع متكامل ومعلومات قيمة وتسلم يا هشام على الفائدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد زعبي

محمد زعبي



في  ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م   في  ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م Icon-new-badge7/4/2012, 04:45

يجزيك الخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في ذكرى معركة مؤتة أولى معارك المسلمين ضد الصليبيين 1-9-629م
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» يوم السبت ذكرى غزوة مؤتة 8 ه
» في ذكرى معركة الكرامة
» في ذكرى معركة حطين
» في ذكرى معركة الكرامة
» في ذكرى معركة اليرموك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اربد :: منتدى الاسرة :: المنتدى الاسلامي :: اسلاميات-
انتقل الى: