لا (لهايات) بعد اليوم * رمزي الغزوي
اللهاية؛ وهي الحلمة البلاستكية الصغيرة، التي كانت تتداولها بعض الأمهات، وتغمسها أحياناً بالماء المُحلّى، وتعطيها للطفل الصاخب؛ ليتلهى بها، وينام. هذه اللهاية لها اسم حركي (صانعة السلام)، ربما لأنها تضفي سلاماً ناعماً على البيوت. حتى ولو كان سلاما موقوتاً.
ومن الطريف بالأمر أن اللهاية أيضاً، استخدمت كثيرا في السياسات الدولية وفلسفاتها، وبشكل مثير للريبة. مع فارق بسيط أن (أم العالم) وسيدته ومرضعته، كانت تستخدم لهاياتها المتنوعة بحسب الافواه. فهناك لهايات مغموسة بالعسل، وأخرى مطلية بالقطران، وأحياناً كانت هذه الأم الرؤوم، تنحاز لبعض الأفواه وتدللها، فتزرع فكيها أسناناً منشارية، واضراساً نووية وصواريخ، والهدف المعلن من كل لهاية هو السلام. فأين هو السلام يا أمريكا، يا أمّ العالم؟!.
الطفل المضحوك عليه باللهاية المحلاة بالماء والسكر؛ لا محالة سيصحو مهموزاً مفزوعاً بمخالب الجوع وبراثنه، ولن يسكت مرة أخرى، حتى يشبع شبعاً حقيقياً، وكذلك الشعوب التي ضُحك عليها بلهايات حجرية مطلية برقيق العسل ستفيق وترمي عقير ما حصدته من الوعود الأمريكية. وكذلك سيعرف الكيان الإسرائيلي المصطنع؛ الذي دجج فمها بالبارود، أن سلاماً من هذا النوع محال.
نعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية ستشهر حق النقض (الفيتو)، في وجه فلسطين، كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ومن منا لا يتوقع هذه الحركة الإنحيازية غير المفاجئة، ولكن كان لا بد من هذه الخطوة الإستراتيجية فلسطينياً. كي يعاد الحساب من أوله.
الدول الحرة لا تُصنع، ولا تقام في أروقة الجمعية العمومية للأم المتحدة، ولا تصنع عبر قراراتها وبنودها، وكذلك لا تصنع بالمفاوضات والاتفاقيات مع عدو ما فتئ يفغر فمه المدجج بالأسنان النووية. ولكنها تقوم بالمقاومة والنضال والكفاح المسلح. هكذا قال التاريخ القريب والبعيد.
سيغضب كثيرون من إزدواجية الرئيس باراك أوباما، الذي يحيي بيدٍ الثورات العربية، وربيعها الجديد، وبيده الأخرى يحاول أن يكتم حق فلسطين بدولة على كامل ترابها. ولكن على أوباما أن يعي منذ الآن، أنه لن يستطيع وضع لهايات جديدة بفمنا، كي نسكت عن حق دولة فلسطين بالوجود. فلا لهايات بعد اليوم يا أوباما.
دولة فلسطين قائمة، حتى ولو لم يُعترف بها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فلسطين دولة كاملة فوق ترابها، حتى ولو نقضت حقها، وأجهضتها أمريكا.