الذي لا يرى في الغربال * رمزي الغزوي
كلمة (ويكي) تعني الباص السريع، وبالطبع ليس الباص السريع الذي تحول إلى سلحفاء في عمان وتوقف مشروعه. بل (ويكي) تعني الباص، الذي يعمل بنشاط وهمة، مثل مكوك فضائي ذهاباً وإياباً. و(ليكس) تعني التسريبات أو الفضائح، أو المسكوت عنه، والتي يرشح بعضها مثلما ترشح جرة فخار. وحين تندمج الكلمتان معاً، تتولد (ويكيليكس)، وتعني الموقع الفضائحي الشهير الذي شغل العالم، بنشره فضائح، ووثائق سرية، حول حروب ظالمة شنت، وفساد مستفحل، وعن شخصيات سياسية وإعلامية. مطلية بسراب الوطنية.
في الأردن، لم نكن بحاجة لتسريبات ويكيليكس، أو رشحات جرته كي نتأكد من ما هو محدوس في نفوسنا، أو أن نعرف المعروف والموصوف والمجرب. لم نكن بحاجة لوثيقة مكتوبة بالحبر السري، أو الضوئي على شاشات الحواسيب، كي نستدل على من أصابعهم ملوثة بسخام الخطيئة، والغدر، والنفاق واللعب على الحبال؟!. لم نكُ بحاجة لمكوك نشط ينقل لن أسرارهم القذرة. فالذي لا يرى في الغربال أعمى.
تعلمنا في الفيزياء، أن لا نأخذ بالظاهر والمظاهر، ولا بما يتحرك على سطح الطاولة، ولا بكل ما يقال ويذاع، ولا ما ينشر على حبال الفضيحة من غسيل وسخ. لأن جبل الجليد الغاطس في المحيط، لا يظهر منه إلا القليل فوق سطح الماء، فدائماً ما خفي أعظم، وأخطر، وأكبر. وما يرشح هو غيض من فيض. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
من أجل ذلك، لم نكن بحاجة إلى تسريبات ووثائق ويكيليكس في بلدنا، كي نعرف أن بعضاً ممن خبأناهم في أحضاننا، ذات خوف ومسغبة، انقلبوا إلى أفاع رقطاء، لا تلدغ إلا اليد التي حنت عليهم. أو أن بعضاً ممن أجلسناهم خلفنا على الفرس، قد مدوا أياديهم في الخرج، وأن بعضاً ممن تربعوا في حجورنا، قد نتف ذقوننا ولحانا، شعرة شعرة.
لن يثننا الغسيل المفضوح على حبال ويكيليس. ولن يحول بيننا وبين كبير قضايانا وأهمها. فقدر الكبير أن يبقى كبيراً، وقدر من عينه في الثريا، ألا تعنيه صغائر الثرى وترابها. وقدر الأردن أن يبقى جمل المحامل، الذي قد ينغرس في جنبه مخرز الغدر، ألا ينيخ بحمله وثقله. وقدر أهل الاردن أن يقبضوا على الجمر ويعضوا على النوجذ، ما استطاعوا ولوجا في فيافي الصبر، ولن تسمع منهم صرخة أو تأفف أو تضجر.
قدرنا أن نكون القِدرَ الكبير، الذي يتسع للجميع، حتى لبعض الطناجر الصغيرة المبعوجة، رغم أن بعضها لم يطبخ فيه إلا السم الزعاف.