قتل على الهوية * يوسف غيشان
الأسبوع القادم تبدأ المرأة الأردنية معركةجديدة ضد ما يسمى (جرائم الشرف) التي – ورغم النفي الرسمي- تتزايد حتى أصبحت إحدى سمات المجتمع الأردني للأسف الشديد. المشكلة الأكبر في هذا الموضوع أن المرأة والرجل اللذين يناضلان ضد هذه الجرائم إنما يناضلان لا ضد الحكومة ومؤسساتها، ولكن ضد عادات وتقاليد الشعب التي نتوارثها منذ مرحلة بداوتنا الأولى قبل الإسلام والمسيحية معا.
فلم اسمع ولم اقرأ في التاريخ العربي الإسلامي انه قد تم تثبيت واقعة الزنى على انثى حرة ، نظرا للشروط الصارمة التي وضعها المشرع الاسلامي من اجل اثبات واقعة الزنى باشتراط اربعة شهود عدول ، شاهدوا بأعينهم المرود في المكحلة ، حسب التعبير الوقور لواقعة الزنى.
لم اسمع ولم اقرأ.... الا انني اسمع واقرأ وأشاهد واتصفح كل اسبوع تقريبا حول حالة قتل أو اكثر بشبهة الزنا يتم اقترافها في العالم العربي وربما (نتشرف) نحن الارادنة في ارتفاع نسبة جرائم الشرف لدينا، نظرا لما يوفره القانون للقتلة من تخفيضات تشجيعية تجعل فترة السجن لا تزيد عن ستة اشهر ، أو تخفيض مدة العقوبة نظرا لإسقاط الحق الشخصي (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم).
مش موضوعنا على كل حال ، الا انه مرتبط به،اذ ان المرأة مهما كانت تعيش في بيئة ديمقراطية نسبيا أو متحررة من سطوة العلاقات القبلية التي تنتج ثقافة جرائم الشرف(سميتها جرائم قلة الشرف)، الا انها يمكن ان تقع ضحية هذه الجرائم لمجرد ان الرجل اراد ذلك .. ليس بالضرورة ان تقترف علاقة غير شرعية ،اذ يمكن القتل على الهوية .
نعم، انه قتل على الهوية ، لانه لا يطال سوى الانثى، ويمكن ان يكون تصفية لحسابات شخصية او لغايات الارث /أو لمجرد المتعة في القتل . انه قتل شامل على الهوية لا ينظر سوى الى فقرة الجنس(النوع) في هوية الاحوال المدنية .
الذكر .. انه هذا الكائن المهووس بأحلامه ويعاني من مرض» الجينوفوبيا «، وهو بالعربي( المشرمح) يعني الخوف الطقوسي من المرأة ، فتقوده غرائزه اما الى قتلها او الاستئثار بها والغاء كينونتها خوفا منها.
واذا نجحت المرأة في التغلب على سلطوية الرجل المرضية او حظيت برجل لم تظهر عليه اعراض المرض بعد، فإنها قد تنجح في صياغة حياتها بشكل اقل مأساوية واكثر انسانية .. وهذا ما اتمناه لجميع نساء الارض ... لكن الامنيات لا تكفي ، انها معركة نظال مستمرة ودائمة .. انها مهركة ضد الذات المقموعة اولا، التي قد تنهزم امام القامعين وتتقمص افكارهم، وهي معركة ضد القامعين انفسهم، ليس لقتلهم او تدميرهم، بل لمساعدتهم على تجاوز تخلفهم وساديتهم وأمراضهم المزمنة.