كانوا زملاءَ في الدِّراسة، وكان لكلِّ منهم أماني وآمال.
وقد تلتقي آمالُهم في أشياء، وتختلف في أمور كثيرة، كان بعضُ تلك الأماني ضربًا من الخيال، يُثير من الضَّحِك، أكثرَ ممَّا يبعث على الجِدّ، وكان طموحهم مختلفًا، وكانوا مثل غيرهم من الناس ليسوا على قَدْر واحد من الذكاء والحفظ والمواهب.
ومرَّتِ السِّنون، وانقضى ما ينوف على عشرة أعوام، وفي لحظة من اللحظات، ومن غير أن يَعرِف تعليلاً واضحًا فكَّر في زملاء الدِّراسة، وأين استقروا؟ وهل تحقَّقت آمالهم؟ وماذا كان مصيرُ الطامح منهم والقانع؟ وأين ألقتْ عصا التسيار بالذكي؟ وكيف آل أمر متوسِّط الذكاء؟
وقد عَرَف قليلاً من الجواب على هذا التساؤل، وخَفِي عليه الكثير، لقد تفرَّق أولئك الزملاء في مُدن وقُرى، ومنهم من اخترمتْه المنيَّة، وكان منهم مَن نال منصبًا مرموقًا، وثروةً وجاهًا، وآخر نال شهرةً وعِلمًا وأدبًا؛ وثالث له بيْت هادئ، وبنون وحفدة، ورابع يعيش كفافًا وهو مسالِم وادع، وخامس في صِراع وكفاح، شعارُه: إنَّ الحياة عقيدةٌ وجهاد.
ولكنَّه خرج بنتيجة أنَّ الحظ له دور، وأنَّ الله - سبحانه - لحِكمة يعلمها قد فاوتَ بين عباده في ألوانهم ومواهبهم وأرزاقهم، وأنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رِزقَها وأجلَها، وأنَّ على العباد السعيَ والاجتهاد، وعلى الله التوفيق والاعتماد.