منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أتابع بعضا من حوارات الحق على قناة الحياة، والتي يحاول بها ومن خلالها القمص زكريا بطرس أن يثبت الحقيقة التالية . أن القرآن هو كلام محمد فلا وحي نزل ولا خبر أتى..ولنا أن نعترض بشدة على طريقة التحليل التي يعتمدها وهي ذات الطريقة التاريخية التي تقوم على منهجية كانت قد اعتمدت من قبل عدد كبير من المستشرقين، الطريقة الفولولجية المعروفة على الرغم من الخدمات التي قدمتها هذه المدرسة للكشف عن البنية العميقة في تشكيل الخطاب الاسلامي على المستوى التاريخي والاجتماعي والفضاء الثقافي العام، برغم هذه الفتوحات إلا أن هذه الدراسات الاستشراقية كانت دراسات كما أسلفنا وصفية اعتمدت على ذات الممصادر التي عتمدتها الدراسات الاسلامية الكلاسيكية، ثم باعتبار أن هذه المصادر كانت قد قالت الحقيقة أو جسدت الحقيقة بشكلها العام دون البحث في صدقية هذه المصادر أو حتى مناقشتها نقاشا علميا وتاريخيا وهنا المعضلة الكبيرة التي عانت منها من الدراسات الاستشراقية .. على كل لن لا نود الانخراط في هذا التحليل الذي سوف يصرفنا عن سياق ما نود قوله هنا ، لنا أن نقبل أو نرفض طريقة العرض أو المنهجية تلك ولا نسقطها من دائرة تفكيرنا لو لم يدعونا سيادته الىاتباع دينه الذي لا يخلو من ذات المشكلة بل إن الدين المسيحي هو الذي جسد الخرافة بأعلى صور تحققها وامتثالها وتشيؤها ..
إذ كيف لنا أن نفهم تجسد الله ، وكيف لنا أن نفهم عقيد الثالوث ، وكيف لنا أن نفهم مسألة الصلب والفداء ، وكيف لنا نفهم حلول اللاهوت بالناسوت ، ثم كيف لنا أن نفهم بعد كل ذلك رؤيا يوحنا ؟ وأني أطالبك بتفسير هذه الرؤيا أتحداك واتحدى كل مفسري كتابكم المقدس أن يفسر لنا جملة واحدة من هذه الأحجية .هذه الرؤية هي جزء من كتابكم ومن عقيدتكم . وعلى سبيل المثال :
ـ ما حكاية الوحش الطالع من البحر له عشرة قرون وسبعة رؤوس وعلى كل قرن عشرة تيجان وعلى رؤسه أسماء كفر ؟
ـ من هي تلك المرأة المتلحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ؟ كيف طلعت الشمس من جوف البئر مع الدخان الكثيف ثم تحول الدخان الى جراد ، والجراد مجهز للقتال وكل جرادة هي بحجم الخيل وعلى رأس الجرادة تيجان من ذهب ووجه الجرادة يشبة وجه البشر وشعرها كشعر النساء ، وأسنانه كأنياب الأسود ولها دروع من حديد ولها ذيول مثل ابر العقارب ولماذا تعذب البشر باذيالها خمسة أشهر ؟
ـ ومن هم أولاء الملائكة الأربعة التي يطلقها الرب من قيدها عند نهر الفرات لتقتل ثلث الفرسان الذين عددهم مئتي مليون فارس ؟ وأما الذين لا يموتوا من المجزرة فتقذف الشياطين على رؤسها من أفواهها الكبريت فيموتون بالحال ؟ وماذا عن الزلازل السبعة التي تهدم عشر المدينه ؟
ـ وماذا عن التنين الذي يتبع المرأة التي صارت نسرا فطارت الى الصحراء وبلعت النهر الذي قذفه التنين من فمه؟
ـ من هي الكائنات الحية الأربعة والشيوخ الأربعة والعشرون الذين يعزفون على قيثاراتهم ؟
ما ذا تفسر وجود سبعة ملائكة يبوقون في حضرة الرب . على شكل جوقة موسيقية سماوية ؟
من هو هذا الملاك النازل من السماء متسربلا بسحابة و على رأسه قوس قزح و وجهه كالشمس و رجلاه كعمودي نار و معه في يده سفر صغير مفتوح فوضع رجله اليمنى على البحر و اليسرى على الارض و يزمجر كما الاسد و بعدما صرخ تكلمت الرعود السبعة باصواتها ....؟
ثم ماذا قالت الرعود السبعة التي تكلمت باصواتها أشياء لم يفهما أحد من البشر الا المختومين على جباههم.... ؟
ـ ما حكاية الشاهدان الذان يموتان فيقومان ، ويهلكان الضرع والزرع ؟
ساعطي لشاهدي فيتنبان الفا و مئتين و ستين يوما لابسين مسوحا هذان هما الزيتونتان و المنارتان القائمتان امام رب الارض ؟
فإذا أراد أحد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما و تاكل اعداءهما و ان كان احد يريد ان يؤذيهما فهكذا لا بد انه يقتل ؟ ما هذا الكلام أيها ؟
لهما السلطان ان يغلقا السماء؟ حتى لا تمطر مطرا في ايام نبوتهما و لهما سلطان على المياه ان يحولاها الى دم و ان يضربا الارض بكل ضربة كلما ارادا أنهما اعطيا قوة إلهية عظيمة فمن هما ؟ ألا أخبرتنا ؟
ومن هو هذا الوحش الصاعد من الهاوية الذي سيصنع معهما حربا و يغلبهما و يقتلهما ....؟ وهما بحسب أنجيلكم ربين قاما من الموت ؟
ما حقيقة الحرب التي وقعت في السماء بين ميخائيل و ملائكته الذين حاربوا التنين ؟ ألا أخبرتنا يا جناب القمص من هو هذا التنين ؟
ما حقيقة الوحش الذي كان شبه نمر و قوائمه كقوائم دب و فمه كفم اسد و اعطاه التنين قدرته و عرشه و سلطانا عظيما ؟ واحدا من رؤوسه كانه مذبوح للموت و جرحه المميت قد شفي و تعجبت كل الارض من وراء الوحش ؟ ما هو هذا الوحش ومن هو ؟ من الذين سجدوا للتنين الذي اعطى السلطان للوحش ومن الذين سجدوا للوحش قائلين من هو مثل الوحش من يستطيع ان يحاربه ؟
ثم ما هذا الوحش الآخر الطالع من الارض و كان له قرنان شبه خروف و كان يتكلم كتنين ؟
ومن هذا الوحش الثاني الطالع هذه المرة من الارض يعمل بكل سلطان الوحش الاول امامه و يجعل الارض و الساكنين فيها يسجدون للوحش الاول الذي شفي جرحه المميت ؟ ما هذا الدين أيها ؟
ثم يكون الوحش الطالع من الأرض ألعن من سابقه يصنع ايات عظيمة حتى انه يجعل نارا تنزل من السماء على الارض قدام الناس لتأكل الناس .
و يضل الساكنين على الارض بالايات التي اعطي ان يصنعها امام الوحش قائلا للساكنين على الارض ان يصنعوا صورة للوحش الذي كان به جرح السيف و عاش بعد شفاه .
و اعطي: ان يعطي روحا لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش و يجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون .
ثم ما حكاية السبعة ملائكة اصحاب السبع الضربات الاخيرة ؟
وما قصة بحر الزجاج المختلط بنار و الغالبين على الوحش و صورته و على سمته و عدد اسمه واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله يقيثرون بها .؟
ويرنمون ترنيمة الخروف عظيمة و عجيبة هي اعمالك ايها الرب الاله القادر على كل شيء عادلة و حق هي طرقك يا ملك القديسين قاتل الوحوش والتنين ؟- ثم ياجناب أليس معروفا أن الإنجيل مكتوب باللغة اليونانية في الأصل ثم ترجم بعد ذلك إلى جميع اللغات-كيف ذلك وقد كانت لغة المسيح وتلاميذه هي اللغة الآرامية... لماذا لم نجد نسخة واحدة من الأنجيل مكتوب بالآرامية وهذا الأمر له دلالات كبيرة وخطيرة ؟
سبعة منائر . سبعة قرون . سبعة كنائس . سبعة كلمات قالها المسيح على الخشبة. سبعة أبواق . سبعة مبوقين . سبعة قادمين سبعة بحار ..... الخ
- كيف أكل يوحنا السفر الذي أعطاه له الرب فوجده مرا ؟
ـ ما حكاية رجلا الرب التي من نحاس ويخرج من فيه النار ومن أنفه الدخان؟
هي اسئلة فقط لا يراد منها سوى أن نموضع الاطار الديني المسيحي في الزاوية التي رحت من خلالها تنتقد دينا آخر ؟
سيحلنا القمص الى القول بأن هذه الرؤية تدخل في اطار الرمزية فيمكن لنا أن نفسر القرون السبعة بالكنائس السبعة ، وا السفر بالحكمة .. وهكذا دواليك ... ولكن هل الدين هو الذي ينتج الرمزية، أم الرمزية
هي التي تنتج الدين بالمعنى الثقافي؟ هل الطابع التأسيسي للوسائط الرمزية التي تضمن دلالة الفعل المتحقق عيانا في بنية الوعي الديني هو الذي سمح لهذا لطابع أن يتمفصل مع سمة الفعل المشار إليه أعلاه، يعني أنه يؤول إلى التفاعل بين عدة عوامل. لكن فكرة التأسيس تضيف لفكرة التفاعل هذه، السمة التي يؤلف بها التأسيس كليات غير قابلة للاختزال إلى أجزائها أو في بنية الدين ذلك أن التأويل الرمزي يصرف العقل عن القبض حتى على الخيال أو المتخيل الذي عادة ما ينتج الخطاب الديني ويضعه داخل اطار الصورة النهائية المراد تحميلها عبر التاريخ ..
هناك الطابع البنيوي للتركيبات الرمزية. فالرموز تشكل نسقا في حدود أنها تحافظ على علاقات التفاعل أو كما قيل أعلاه عن علاقات بين الأدلة. فقبل تأليف نص على المستوى الأدبي أو الديني ، تقدم الرموز تركيبا دالا في قلب الوعي الجمعي . وهكذا لفهم طقس ما، يتعين التمكن من إعادة وضعه في نسيج الطقوس التي من أجل فهمها يجب موضعتها بدورها في عبارة خاصة في نظام لغوي ، وبصورة تدريجية في مجموع المعتقدات والتواطؤات التي تشكل شبكة الثقافة من أجل تثمين الدور الاجتماعي للطقوس الممارسة وتأثيرها على البنيات الاجتماعية الأخرى.. مما يعني أن الرمز أو الترميز يفقد دلالاته المعرفية ،يمكن الحديث بهذا المعنى عن تنظيم رمزي وتحديد للفعل الإنساني كسلوك محكوم بقواعد ، حيث أن فكرة القاعدة تميل بدورها نحو فكرة التبادل. فكلود ليفي اشتراوس في أعماله الأولى قد بين كيف أن تبادل الممتلكات والرموز والنساء يشكل أنساقا متجانسة داخل نفس الثقافة. فبإدخال معيار التبادل نبعث واحدا من الأدلة الأكثر قدما للفظة رمز كعلامة اعتراف بين فريقين، كل واحد منهما حارس لجزء مقطوع من الرمز الكلي، وأن تقارب هذين الجزأين يعطي للرمز قيمته الدالة التي تفعل فعلها وذلك بإعادة ربطه (هكذا بالمجاهرة بالإيمان الكنسي المسيحي التي تسمى أحيانا رموزا، لأن أعضاء الجماعة المؤمنة بوسائلها الخاصة يراقبون انتماءهم المشترك لهذه الجماعة). فهذا المعيار الجديد يؤكد المعيار السابق ويصححه في نفس الوقت، فبقدر ما تبرر قاعدة التبادل التحويل إلى السوسيولوجيا الثقافية للإجراءات المطبقة أولا على النظام نظام اللغة، بقدر ما يحذر الطابع الملموس للتبادل ضد فصل الرمزية عن الفعل الذي يحكمها. ففي الفعل الاجتماعي تفعل قاعدة التبادل فعلها، حيث تنتمي الى المنطق غير الصوري للحياة الواقعية. وبهذا المعنى فترابط النسق الرمزي المغلق ليس هو المعيار الرئيس لوصفه، بل هو فعاليته الاجتماعية.وهنا تكمن خطورة فهم الرمز الذي يفقد دلالالته المعرفية من جهة ويفقد توجيهه القيمي ويظل ظاهرا على مستوى اللغة ليس بمعنا الخطابي ولكن بمعناها الإيحائي المباشر الذي لا يقدم الصورة الممزوجة بفعل الإرادة الواعية التي تقص الحكاية الموظفة رمزيا بلغة هي أقرب الى التهويم المبهر الشفاف .يمكن القول -لكي نوقف التحليل هنا- إن الأنساق الرمزية تقدم سياقا وصفيا للأفعال الجماعية المتاثرة بفعل كينونة النص واسقاطاته المتناثرة على مساحة الوعي المتشكل في عقل هذه الجماعة المؤمنة .وفي محصلة القول ، فإن الرموز المحايثة للجماعة ولثقافتها تمنح "وضوحا أساسيا" للفعل وتشكل معه شبه نص.. البنية الفكرية القادمة من بعيد أو المحايثة لأفق التدفقات الفكرية المتتالية .......
يظهر ذلك على كل منذ اللحظة التي تشكلت فيها المرحلة الشفوية، حيث أمكننا رؤية الرمزية تتكثف في الأنشطة الشفوية المستقلة والقابلة للتحديد على الوجه الأكمل. فالرموز ، تستجيب لهذا الاعتبار المزدوج: نقصد مؤقتا بالبنية التشابهية ، بنية العبارات بمعناها المزدوج حيث يحيل فيها المعنى الأول إلى معنى ثان. وهذا الأخير هو الذي يقصده الفهم فقط، دون أن يتمكن مع ذلك من الوصول إليه مباشرة. يعني بوجه آخر أنه بواسطة المعنى الأول سنوظف فيما بعد المجاز .
أن هذا التحليل يحيلنا الى القول بأن الرمزية في معناها العميق مفيدة جدا لتعميق حدة الغموض والأبهام المطلوب هنا لنقل ما هو خرافي الى مرحلة يتقبلها الوعي الساذج بكل بساطة ، أي أن هذا الوعي لا يستطيع أن يلتقط الابعاد العميقة والدلالات النهائية لحقيقة ما تقوله تلك الخرافة المعبر عنها بلغة ليست قابلة للتحليل أو تقبل عددا كبيرا من التحليلات المختلفة ..
على أية حال يمكن لنا أن نقبل المسيح في اطار الرمز كما جاء في هذه الرؤيا ولا نقبله في اطار تاريخي . ويبدو أن يوحنا كاتب الرؤيا وصاحب الأنجيل قد وصل الى هذه الحقيقة المرعبة . أن المسيح لم يكن له وجود تاريخي بالمعنى المعروف ولذا كتب ما كتبه في هذه الرؤيا التي لا يفهمها المسحيون ولم يتعرف عليها الفكر المسيحي ....