أنماط الكذب عند الأطفال
كتاب "الكذب في سلوك الأطفال"
الكذب الخيالي :
يتَّضح مثل هذا الكذب في سُلُوك بعض الأطفال، ممن يُولدون ولديهم خُصُوبة في الخيال ونشاط فيه، وقد يكونون من ذوي اللِّسان الطلق، والنُّمو اللُّغوي السريع؛ فيكون لديهم الطَّلاقة اللُّغوية في التَّعبير؛ فيبتدعون قصصًا خيالية لا أساسَ لها من الصِّحة، ولا ترتبط بالواقع، وغالبًا ما يكون ذلك الخيالُ انعكاسًا لمستوى عالٍ من الذَّكاء.
وتتضح قُدرات هؤلاء الأطفال الإبداعية في كِتاباتهم لموضوعات التَّعبير، وفي مُحاولات فرضهم الشِّعر، وهم في سِنٍّ مبكرة، كما تتضح في الرُّسوم الحرة التي يقومون بها، حيثُ يبنون عالمًا من الخيال، وحداتُه ومفرداتُه من صُنع أفكارهم.
ولا ينبغي أن يُتَّهم مثلُ هؤلاء المُبدعين الصِّغار من الأطفال بالكذب؛ فقد يكون منهم المخترعون والمُبتكرون في المُستقبل، وإنَّما ينبغي أن نُساعدهم على أن يدركوا أنَّ للإبداع مَجالاته في الفِكر والفَنِّ والأدب بما لا يتعارض مع الواقع الحيِّ الذي نعيشه في حياتنا اليوميَّة، وأن الإبداع الفكري والفني والأدبي نعمة من النِّعم التي أنعم بها الله على بعض عباده؛ ليسخروه في خدمة الإنسانيَّة.
وفيما يلي مثال لحالة من الحالات الحقيقية التي عرضت على العيادة النفسيَّة:
كانت هناك ابنة صغيرة اعتادت أنْ تجلس إلى والدتها، وتقصُّ عليها حكايات غريبة عجيبة تدَّعي أنَّها حقيقة، وكانت تسترسل في حديثها استرسالاً مُشوِّقًا جذَّابًا يملكُ تفكير المُستمعين وانتباههم؛ فأخذها والدها إلى العيادة النَّفسيَّة لمعالجتها من هذا النَّوع من الكذب، فلما درس المتخصص النَّفسي حالة هذه البنت، وجد أنَّها على مُستوى عالي الذَّكاء، وأنَّها طفلة رائعة الخيال، طلقة اللِّسان.
الكذب الالتباسي :
في هذا النَّوع من الكذب يختلط الخيال بالحقيقة لدى الطِّفل، ولا يستطيع أنْ يُميز بينهما؛ فقد يستمع الطِّفل إلى حكاية خرافيَّة، أو إلى قصَّة واقعيَّة، ويعجبُ بها، وتملك مشاعره، ثُمَّ يأتي الطفل في اليوم التالي لسماعه تلك القصَّة أو الحكاية، تستمع إليه وهو يتحدَّث عنها وكأنها وقعت له بالفعل.
وقد يرى الطفل وهو نائم حُلمًا ما، وعندما يستيقظ الطِّفل من النَّوم يحكي الحُلمَ وكأنه قد حدث له بالفعل، ومثل هذا الكذب الالتباسي لا ينبغي أن يزعج الآباء، أو يخيف الأمهات، أو يقلق المُربين؛ لأنَّه مسألة تتعلَّق بالنضج العقلي واكتمال الوظائف العقليَّة، الذي يتمُّ مع التقدم في السنِّ بالنِّسبة للطفل، فهو إنْ وجد في سن الخامسة من العُمر أو السادسة فإنَّه يزول بالتدريج، ويتلاشى مع سن العاشرة أو الحادية عشرة، ومع ذلك فإنَّنا نقدم للطفل الإرشاد والتَّوجيه بما يساعدُه على التمييز بين الخيال والواقع.
وكثيرًا ما يحدث أن يقصَّ الطفل قصة عجيبة، ولو تحقق الوالدن من الأمر لعرفا أنَّها وقعت للطفل في حُلم، ومن هذا النَّوع أنَّ بنتًا في الرَّابعة من عمرها قامت من نومها تبكي وتقول: إنَّ بائع الثلج المقيم في آخر الشَّارع ذبح خادمتها في منتصف الطريق، ووصفت بشيء من التَّطويل كلَّ ما رأته في الحلم، ولم تفرِّق الطفلة بين الحقيقة والحلم؛ فقصَّت كلَّ هذا على أنَّه حقيقة، وهنا يكون على ولي الأمر أنْ يُوضِّح للطفلة الفرق بين الحقيقة والحلم .
الكذب الادعائي :
يلجأ الطِّفل إلى هذا النَّوع من الكذب غالبًا لشعوره بالنقص أو الحرمان؛ بسبب ضنك البيئة التي ينشأ فيها الطفل، وفيه يبالغُ الطفل بالحديث عن اللعَبِ الكثيرة التي يَمتلكها، والملابس التي يقتنيها، أو الرَّحلات التي قام بها، أو الأندية التي يُشارك فيها.
وهناك أطفال يتحدَّثون عن مراكز آبائهم، أو موقع سكنهم أو أثاث مَنَازلهم وسيَّاراتهم... إلخ.
فيشد الطفل انتباه الذين يستمعون إليه، ويُحاول أن يصنعَ من نفسه محور اهتمام، ومركز إعجابِ الآخرين.
ويُمكن للقائمين على تربية الطِّفل في مثل هذه الحالات العمل على إعادة ثِقة الطِّفل بنفسه عن طريق إبراز القُوَّة فيه، وتنميتها؛ ليعرف أنَّ قيمة كل إنسان ترجع إلى عمله، وما يدرك ما يستطيع أن يُحقِّقه بالفعل لخير نفسه وخير المجتمع.
ومن هذا النَّوع من الكذب ما يشاهده الآباء والأمَّهات، أو ما يسمعونه من حكايات من غيرهم أنَّ طفلاً مثلاً عندما يستيقظُ من النَّوم مُبكرًا عند ذهابه إلى المدرسة يدَّعي المرض، أو يدعي أنَّ أحد زملائه يضربه بشدة؛ وذلك ليحظى باهتمام والديه، وينال عطفهما من ناحية، ومن ناحية أخرى حتَّى لا يذهب إلى المدرسة حتى لا يُكلَّف بواجبات وقيود أخرى من المُدرِّسين.