الناس أنماط:
الناس أنماط، بينهم الذكي والغبي، والوفي والناكر، والصديق والعدوّ، والمتسامح واللجوج، وهم متفاوتون تفاوتًا هائلاً، وعلى الإنسان أن يراعيَ هذه الاعتباراتِ؛ لئلاَّ يقع في سوء التقدير، ووخيم العاقبة، وليكن كريمًا متسامحًا، صافحًا عن الزلاَّت التي تبدر مِن صديق مجتهد، أو صاحب لم يُحْسِن القول.
وإنَّ أكْثَرَ الملامَ، وأطال الخِصام، ولَجَّ في العناد، بقي وحيدًا، يتحاماه الناس ويجتنبونه، ويكرهون رؤياه، بلا صاحِب يَبثُّه أشجانَه، أو صديق يُشاطِره أفراحَه.
♦ قال الشاعر:
دَعْنِي مِنَ الْمَرْءِ وَأَعْرَاقِهِ
وَمَالِهِ الْجَمِّ وَأَوْرَاقِهِ
فَمَا الْفَتَى كُلُّ الْفَتَى غَيْرُ مَنْ
يَسْتَعْبِدُ النَّاسَ بِأَخْلاَقِهِ
أَخُوكَ مَنْ إِنْ خِفْتَ مِنْ حَادِثٍ
حَلَلْتَ مِنْهُ بَيْنَ آمَاقِهِ
لَيْسَ بِغَدَّارٍ وَلاَ خَائِنٍ
وَلاَ كَذُوبِ الْوَعْدِ مَذَّاقِهِ
وَلاَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ وُدِّهِ
وَالْفِعْلُ لاَ يَأْتِي بِمِصْدَاقِهِ
طَوْعُكَ مَا دَامَتْ لَهُ سُوقَةٌ
حَتَّى إِذَا ارْتَابَ بِأَسْوَاقِهِ
وَأَبْصَرَ الشَّرَّ بَدَا مُقْبِلاً
شَمَّرَ لِلْمَكْرُوهِ عَنْ سَاقِهِ
يَذُمُّ عِنْدَ النَّاسِ إِخْوَانَهُ
وَيَمْدَحُ الذَّمَّ بِإِشْفَاقِهِ
يِا لَيْتَهُ أَعْفَاكَ مِنْ لَسْعَةٍ
وَمِنْ أَيَادِيهِ وَأَرْفَاقِهِ
لاَ خَيْرُهُ قَامَ بِهِ شَرُّهُ
وَلاَ أَفَاعِيهِ بِدِرْيَاقِهِ
قيل لبعضهم: كم لك مِن صديق؟ قال: لا أعلم؛ لأنَّ الدنيا مقبِلة عليّ، والأموال موجودة لديّ، وإنما أعرف ذلك لو زالتِ الدنيا، ألم تسمع قول الشاعر:
النَّاسُ أَعْدَاءٌ لِكُلِّ مُدْقِعٍ
صِفْرِ الْيَدَيْنِ إِخْوَةٌ لِلْمُكْثِرِ
♦ قيل في السخي: هو مَن كان بماله مُتبرِّعًا، وعن مال غيره مُتورِّعًا.
♦ قيل لحكيم: هل شيءٌ خير من الدراهم والدنانير؟ قال: معطيهما.
♦ عاتب رجل صديقًا له: فقال: لو علمتُ أنَّ يومي أهنأ من يومك لاخترتُ أن أوثرك به.
♦ قال أبو جعفر المنصور: لا تُبرِمْ أمرًا حتى تفكِّر فيه، فإنَّ فِكْر العاقل مرآتُه، تريه حَسَنه وسيِّئَه.
♦ ذَكرتِ الصحف الصادرة هذه الأيام: أنَّ امرأة في إيطاليا تنتظر مولودَها السابع والعشرين، والله على كلِّ شيء قدير.
♦ كان بين حاتم طيِّئ وبيْن أوس بن حارثة ألْطفُ ما بين اثنين، فقال النعمان لجلسائه: لأفسدنَّ ما بينهما، فدخل عليه أوس، فقال: إنَّ حاتمًا يزعم أنَّه أفضل منك، فقال: أبيتَ اللعن، صَدَق، ولو كنتُ أنا وأهلي وولدي لحاتمٍ لوَهَبَنا في يوم واحد، وخَرَج.
فدخل حاتم، فقال له مثل ذلك، فقال: صَدَق، وأين أقع مِن أوس، وله عشرة ذُكور أدناهم أفضلُ مني؟! فقال النعمان: ما رأيتُ أفضل منكما.
♦ قال المهلب بن أبي صُفْرة: العَيْش كله في الجليس الممتِع.
♦ قال علي - رضي الله عنه - : احملْ نفسَك من أخيك عندَ صُرْمه على الصِّلة، وعند صدوده على اللُّطْف والمقاربة، وعند جُرْمه على العُذر، حتى كأنَّك له عبد، وكأنَّه ذو نِعمة عليك، وإيَّاك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تصنعَه مع غير أهله.
♦ وقال الشافعي - رحمة الله عليه -:
أُحِبُّ مِنَ الْإِخْوَانِ كُلَّ مُوَاتِي
وَكُلَّ غَضِيضِ الطَّرْفِ عَنْ عَثَرَاتِي
يُوَافِقُنِي فِي كُلِّ أَمْرٍ أُرِيدُهُ
وَيَحْفَظُنِي حَيًّا وَبَعْدَ مَمَاتِي
فَمَنْ لِي بِهَذَا لَيْتَ أَنِّي أَصَبْتُهُ
لَقَاسَمْتُهُ مَا لِي مِنَ الْحَسَنَاتِ
تَصَفَّحْتُ إِخْوَانِي فَكَانَ أَقَلَّهُمْ
عَلَى كَثْرِةِ الْإِخْوَانِ أَهْلِ ثِقَاتِي