نص وثيقة مبادئ الإصلاح السياسي.. تحديد جزئي لصلاحيات الملك وتعزيز لسلطة مجلس النواب
أعلن رئيس لجنة الحوار الوطني رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري أن "الوثيقة النهائية لخلاصة أعمال اللجنة وتوصياتها أصبحت الآن ملكا للحكومة وفي عهدتها".
وقال المصري في مؤتمر صحافي عقده أمس في قاعة الصور بمجلس الأعيان بحضور رئيس لجنة قانون الانتخاب المنبثقة عن لجنة الحوار النائب عبدالكريم الدغمي وعضو لجنة الحوار السفير موسى بريزات "بناء على الرغبة الملكية السامية ووفقا للمبدأ الدستوري في إقرار القوانين، فإنني اعتقد بأن مخرجات اللجنة سيدفع بها عبر القنوات الدستورية المعهودة من قبل مجلس الوزراء الى مجلس الأمة، بحيث يتولى المجلس إجراء ما يراه مناسبا بشأنها".
وفيما وصف المصري تقرير اللجنة بانه وثيقة اصلاحية تمثل الاطار العام لتحديد منظور الاصلاح السياسي المنشود ومساراته في المرحلة المقبلة من حياة الاردني. قال: سيتم الدفع بمخرجات اللجنة المتعلقة بعدد من الملفات سواء فيما يتعلق بالتعديلات على دستور عام 52 أو قانوني الانتخاب والاحزاب عبر القنوات الدستورية المعهودة من قبل مجلس الوزراء الى مجلس الامة, نافيا ان يكون عمل اللجنة تجاوزا على الصلاحيات البرلمانية او اية جهة أخرى.
وأكد المصري على ان مهمة اللجنة لم تكن سهلة بل إنه وصفها بالعملية الشاقة والمضنية بسبب تعدد اراء واجتهادات وافكار أعضاء اللجنة البالغ عددهم 47 عضوا, واستقالة 5 أعضاء من اللجنة, وما سمعه الاعضاء خلال زياراتهم للمحافظات ولقائها بمختلف الفعاليات.
وأشار رئيس اللجنة ان مخرجاتها في قانون الانتخاب جاءت انسجاما مع رؤى وتوجيهات الملك في الاصلاح وأمال الشعب الاردني بمختلف مكوناته بحياة افضل, وفي ضوء التطورات المتلاحقة في البلدان العربية التي تؤثر في الاردن تأثيرا مباشرا.
واوضح ان اللجنة جاءت في محاولة لاستباق القيادة للاحداث والبدء في عملية اصلاح إرادية, مشيرا في هذا الصدد الى عمل اللجنة على تحقيق التوافق الوطني حول ايجاد قانون انتخاب يقود الى افراز مجلس نيابي يمثل كل الاردنيين ويقوم بدوره الدستوري في التشريع والمساءلة والمراقبة ويكون مدخلا لتشكيل حكومات برلمانية مستقبلا, وايجاد قانون احزاب يثري التعددية السياسية والحزبية ويضمن قيام احزاب اردنية فاعلة ذات رؤى برامجية تحاكي الهم الاردني وقضايا الامة, فاعتبارهما - قانوني الانتخاب والاحزاب- ناظمين للعمل السياسي, وهما المدخل لعملية الاصلاح السياسي الشامل.
وحول قانون الانتخاب اشار المصري الى انه من القوانين التي لا تحظى باجماع او توافق كامل من كل القوى في المجتمع, ومن هنا كان اهتمام اللجنة في تقديم نظام انتخابي اقرب ما يكون الى تمثيل قطاعات واسعة من الشعب.
واستبعدت اللجنة الصوت الواحد والغت الدائرة الوهمية, كما اعتمدت نظام القائمة عبر تقسيم المملكة الى دوائر انتخابية بعدد المحافظات بحيث تكون المحافظة وحدة انتخابية, وزيادة حصة المرأة والابقاء على مبدأ الكوتا والغاء الدوائر المغلقة.
وقررت اللجنة اعتماد النظام المختلط الذي يجمع القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة, والقائمة النسبية المفتوحة على مستوى الوطن.
وفي ديباجة التقرير اكدت اللجنة على ان مسيرة الاصلاح في الاردن واجهت العديد من العثرات نتيجة ظروف داخلية وخارجية.
وسرد التقرير محطات واجهت عملية الاصلاح منها فرض الاحكام العرفية وصدور قانون حظر الاحزاب في اواخر الخمسينيات, وحرب ال¯ 67 التي تراجعت على اثرها الحياة السياسية في البلاد, وتعطلت الحياة البرلمانية, فغاب مجلس النواب عن الانعقاد حتى عام 1973م.
وقال ان دعوة مجلس النواب الى الانعقاد في تلك الفترة تطلبت تعديلات دستورية مست بشكل اساسي بسلطاته واستقلالية قراراته, واستمر الامر حتى اجراء الانتخابات التكميلية للمجلس عام 1984 ثم انتخابات 1989 التي نتج عنها الغاء الاحكام العرفية, ورفع الحظر عن الاحزاب السياسية وبدء مرحلة جديدة.
الا ان التقرير اشار الى ان التعديلات الدستورية السابقة سمحت للحكومات بتأجيل الانتخابات لفترات مختلفة مما ادى الى غياب مجلس النواب لعدة سنوات ثم خلالها استئثار السلطة التنفيذية بالسلطة وتغولها على التشريعية باصدار عدد كبير من القوانين المؤقتة التي اثرت على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة الاردنية.
ووصف التقرير هذه الفترات بأنها أدت الى تعثر الاصلاح, مما ادى الى شعور الكثير من المواطنين بالاقصاء من ممارسة اعمال بعينها - لم يحددها التقرير - او الحصول على وظائف في مؤسسات الدولة المختلفة بسبب ميولهم السياسية او انتماءاتهم الحزبية.
وحول التعديلات الدستورية التي اقترحتها اللجنة فابرزها: نقل صلاحية البت في صحة نيابة النواب الى القضاء, وإلغاء مادة تنص على حق الملك في تأجيل اجراء الانتخاب العام, واستقالة الحكومة التي تقترح حل مجلس النواب, وتكليف الملك بتشكيل حكومة مهمتها اجراء الانتخابات النيابية في غضون 60 يوما من تشكيلها, وتنتهي ولايتها بانتهاء مهمتها, والحكومة لها الحق كاملة في ادارة شؤون المملكة, من دون استثناء.
وفي شأن اصدار القوانين حددت اللجنة الطوارئ في الكوارث العامة وحالة الحرب والنفقات المستعجلة التي لا تتحمل التأجيل. كما اوصت بانشاء محكمة دستورية, وان تتم محاكمة الوزراء السابقين امام قضاء مدني.
كما يتضمن التقرير التوصية الى الحكومة بتشكيل لجنة من المختصين والمعنيين لدراسة الاطر والابعاد القانونية لقرار فك الارتباط وتعليماته من جوانبه كافة ورفع نتائجها الى الجهات المختصة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها , اضافة الى تشكيل لجنة اخرى وعلى وجه السرعة للبحث في أي ظلم لحق بحملة الجنسية الاردنية الذين تم سحب ارقامهم الوطنية وفي الاعتراضات المقدمة لها واعطاء كل ذي حق حقه وجعل القضاء مرجعا للنظر في الطعون , مع التاكيد على عدم جواز منح الجنسية او سحبها الا بقرار من مجلس الوزراء استنادا للدستور.
نص وثيقة مبادئ الإصلاح السياسي
وقدمت لجنة الحوار في تقريرها النهائي، الذي أعلنته أمس، ورقة مبادئ الإصلاح السياسي في الأردن واتجاهاته (وثيقة الإطار العام)، والتي جاء فيها:
أولاً:- وثيقة الإطار العام
تمثّل هذه الوثيقة الإطار العام الذي تبنته لجنة الحوار الوطني لتحديد منظور الإصلاح السياسي المنشود ومساراته في المرحلة المقبلة من حياة المملكة الأردنية الهاشمية، بما في ذلك تحديد مفهوم الإصلاح، والمبادئ التي تحكمه، والتعديلات الدستورية والقانونية اللازمة لتحقيقه.
تشكيل اللجنة ومهامها :
في ضوء تعبير جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين أكثر من مرة، عن قلقه من تعثر مسار الإصلاح في البلاد، ودعواته المتكررة إلى ضرورة السير بخطوات ملموسة وسريعة باتجاه الإصلاح السياسي الحقيقي، وعلى أرضيّة تلاقي إرادة جلالته وإرادة الشعب الأردني، التي بلورها في حراك سياسي سلمي وفق الثوابت الوطنية والتاريخية الأردنية، وفي سياق عملية التحول الديمقراطي الجارية على المستوى الإقليمي، والتي خلقت مناخاتٍ سياسية جديدة في المنطقة العربية مواتية للسير بخطى وطنية أسرع وأعمق نحو ترسيخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، جاءت توجيهات جلالة الملك للحكومة، بتاريخ 14 آذار2011، بتشكيل لجنة الحوار الوطني. وأتبعها جلالته برسالة أخرى إلى رئيسها تحدد مهمّات اللجنة. وفي لقاء مع أعضاء اللجنة بتاريخ 29 /3/ 2011 منح جلالته الضمانات الملكية لاحترام مخرجات عملها، المتمثلة في مسودتي قانوني الانتخاب العام والأحزاب والتوصيات بالتعديلات الدستورية والقانونية اللازمة لتطوير الحياة النيابية والسياسية.
وقد حدد مجلس الوزراء مهمة لجنة الحوار الوطني بصورة واضحة بما يلي : "إدارة حوار وطني مكثف حول كافة التشريعات التي تتعلق بمنظومة العمل السياسي ومراجعتها، للتوصل إلى الأهداف التي يسعى الأردنيون إلى تحقيقها. وهي خلق حياة حزبية وديمقراطية متقدمة، وتشكيل حكومات برلمانية عمادها الأحزاب، وتقديم مشروعين لقانونين توافقيين للانتخابات العامة والأحزاب يلبيان هذه الأهداف".
وعلى هذا الأساس المتين من الدعم الملكي والشعبي والتفويض الحكومي، انطلقت اللجنة في عملها من المرتكزات الثلاثة الآتية :- المهمة المحّددة في كتاب تشكيلها والرسالة الملكية الموجهة إلى رئيسها، وتوجيهات جلالته خلال لقائه باللجنة وردوده على استفسارات أعضائها.
وقامت اللجنة بعملها بصورة مكثفة، وعلى مدى أسابيع من اللقاءات والحوارات الوطنية داخل اللجنة، ومع الفعاليات الشعبية في المحافظات المختلفة، وأنجزت عملها من خلال ثلاث لجان رئيسية هي:-
لجنة الإطار العام، ولجنة قانون الانتخاب العام، ولجنة قانون الأحزاب.
وفيما يلي خلاصة عمل لجنة الإطار العام:
الخلفية التاريخية للعملية الإصلاحية في الأردن :
تأسست الدولة الأردنية الحديثة على قواعد الفكر الإصلاحي الوطني والقومي الذي ظل دائماً واضح التأثير على سياساتها ومواقفها. وقد أعلنت قيادة الأردن، منذ عهد الإمارة وحتى اليوم، إيمانها بالديمقراطية والتعددية في خطابها الرسمي وفي تكوين النظام السياسي وتطوره.
وظلت تجربة الدولة الأردنية، في مختلف مراحل تطورها إصلاحيةً، تسعى نحو التطوير والتحديث، وتتكيف بإيجابية مع الظروف المستجدة والمنعطفات التاريخية المحيطة بها، بما يحقق المصالح الأردنية. ومع أخذ كل ما حصل بالاعتبار، تاريخياً، من تحولات إقليمية، إيجابية وسلبية، وأزمات وحروب، لم يتخلَّ النظام السياسي الأردني عن منهجه، وحافظ على ثوابته ومبادئه الأساسية في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، ولم يفرِّط الأردنيون وقيادتهم بقيم الدولة الحديثة، المتمثلة في التعددية، والتسامح، والانفتاح، وحق الاختلاف والقبول بالرأي الآخر، وبأولوية الإنسان وكرامته وسائر حقوقه.
وبنظرة متفحصة إلى تاريخ الأردن الحديث، الذي يمثل استرجاعه، في اللحظات المصيرية، ضرورة وطنية نهضوية إصلاحية، نرى أن الأردن مرَّ في أربع مراحل، هي:-
المرحلة الأولى/ مرحلة التكوين الفكري: وهي مرحلة الثورة العربية الكبرى والنهضة الأولى، حين كان الهدف إحياء الهوية العربية وبناء الدولة العربية الحديثة على مبادئ الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
المرحلة الثانية/ مرحلة التأسيس والتشكّل: وهي مرحلة الملك المؤسس والبناة الأوائل في عهد الإمارة. وكان الهدف خلالها هو إنشاء الدولة الوطنية الأردنية، ذات البعد القومي، وفي هذه المرحلة تمت الوحدة بين الضفتين.
المرحلة الثالثة/ مرحلة التنمية والتحديث: وهي مرحلة ابتدأت بالخمسينيات من القرن الماضي مع وضع الدستور، وتعزيز المؤسسات الدستورية ودولة القانون في عهد المغفور له الملك طلال بن عبدالله. وتمكن الأردن خلال هذه المرحلة، وبقيادة المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، من تثبيت المملكة على الخارطة الإقليمية والدولية، وإنشاء البنى التحتية اللازمة للتنمية الشاملة المستدامة، وتحديث المجتمع الأردني، بالتركيز على تنمية قدرات المواطن، وهو المورد الرئيسي للأردن وغايته في آن.
المرحلة الرابعة/ مرحلة النهضة والتجديد: وهي التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. وتمثلت في تطوير مؤسسات العمل الديمقراطي وأجهزة الدولة وأسلوب عملها وتحديثها، لتكون منسجمة مع المتطلبات والمستجدات السياسية والاقتصادية، عربياً وإقليمياً ودولياً، من دون المساس بالخصوصية الأردنية والتراث العربي والإسلامي للمملكة.
منذ السنوات الأولى لتأسيس الإمارة، عقد الأردنيون مؤتمرات وطنية، ونظموا حوارات عميقة فيما بينهم، ومع قيادتهم الهاشمية وتوصلوا معاً إلى صيغ للمشاركة، من خلال المجالس التشريعية والمجالس البلدية ومؤسسات المجتمع المدني، ومن خلال تقاليد الوئام والتفاهم الوطنيين، في مواجهة التحديات وتحقيق الآمال والتطلّعات.
وانعقد المؤتمر الوطني الأردني الأول، العام 1928، الذي تبلورت فيه ملامح الفكر الإصلاحي الحديث في البلاد، وتعمق الحوار الوطني. وعلى قواعد هذا الفكر القومي الوحدوي تجسّدت وثيقة دستورية ديمقراطية العام 1952.
ومذ ذاك، ظل الأردنيون يجمعون على هذه الوثيقة الدستورية، ويعُدّونها الوثيقة المرجعية الأساسيّة لأيّ إصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، حيث تؤكد هذه الوثيقة استقلالية السلطات والفصل بينها، ولا تجزئ وحدة الحقوق والواجبات، ولا تمس بل تقوي مؤسسات الحكم.
ومع ذلك، فإنّ مسيرة الإصلاح واجهت العديد من العثرات نتيجة ظروف داخلية وخارجية. ففي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، فُرضت الأحكام العرفية، وصدر قانون حظر الأحزاب. وبعد الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1967، تراجعت الحياة السياسية، وتعطلت الحياة البرلمانية، وغاب مجلس النواب لسنوات عديدة حتى العام 1973. وتطلب ذلك دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد لإجراء تعديلات دستورية مست بشكل أساسي بسلطات المجلس واستقلالية قراراته. وبعد فترة وجيزة، وعلى إثر قرار مؤتمر الرباط العام 1974، استبدلت المجالس النيابية بمجالس استشارية. وبقي الأمر على هذا النحو إلى أن أجريت الانتخابات التكميلية العام 1984، ثم انتخابات العام 1989 التي نتج عنها أيضا إلغاء القوانين العرفية، ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية، وبدء مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي، بيد أن التعديلات الدستورية التي سلف ذكرها سمحت للحكومات بتأجيل الانتخابات لفترات مختلفة، ما أدى إلى غياب مجلس النواب لعدة سنوات، تم خلالها استئثار السلطة التنفيذية بالسلطة، وتغولها على السلطة التشريعية، من خلال إصدار أعداد كبيرة من القوانين المؤقتة التي كان لها أثر مباشر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة الأردنية.
وخلال فترات تعثر مسيرة الإصلاح، شعر كثيرٌ من المواطنين بأنه تمّ إقصاؤهم من ممارسة أعمال بعينها أو الحصول على وظائف في مؤسسات الدولة المختلفة بسبب ميولهم السياسية أو انتماءاتهم الحزبية.
وجعل كل ذلك من الإصلاح هدفاً ومصلحة وطنية عليا تلاقت عليها إرادة القيادة والشعب الأردني بأطيافه الاجتماعية والسياسية كافّة، ما يضفي على عمل لجنة الحوار الوطني أهمية خاصة، وهذا ما أكده جلالة الملك، عندما أعلن احترامه لمخرجات عمل اللجنة والتزام دولة رئيس الوزراء بتنفيذ هذه المخرجات.
الهدف من الإصلاح:
انطلقت لجنة الحوار الوطني من إدراك للحقائق الوطنية التاريخية والأُطر الدستورية للدولة الأردنية. ووضعت نصب عينها تحقيق الهدف من الإصلاح، وهو التطوير والتحديث وزيادة الفاعلية، في إطار شرعية الدولة من دون المساس بمبادئ الدولة أو الهوية الوطنية وثوابتها وقيمها.
ويعني هذا الإدراك بأن الإصلاح المطلوب يتمثل في تطوير أداء المؤسسات الدستورية لزيادة فاعليتها، وقيامها بدورها كاملاً غير منقوص، وتعزيز الفصل بين سلطاتها، ومنع تغوّل إحداها على الأخرى، وتهيئة المناخ التشريعي والسياسي لإطلاق الحريات العامة وصون حقوق الإنسان، وتعزيز دور الأحزاب والمجتمع المدني في الحياة العامة، والتأكيد على مبدأ المواطنة وتعزيزه، واحترام كرامة الإنسان كقاعدة رئيسية تحكم العلاقة بين الدولة والمواطنين جميعاً، وتجنب أخطاء الماضي.
الإصلاح ضرورة وطنية:
ولما كان تحقيق المزيد من الإصلاح هو الأداة الكفيلة لمجابهة التحديات، فإن مواجهة الأوضاع الراهنة والأزمة المركبة بأبعادها الداخلية والإقليمية، تحتاج اليوم، أكثر من أيّ وقت سابق، إلى إرادة إصلاحية عميقة وجادة، حيث تشهد البلاد أزمة اقتصادية معقدة وأزمة مالية متفاقمة عنوانها العجز الكبير المستمر والمطّرد في الموازنة العامة، والذي نتج عن سياسات اقتصادية ومالية لم تكن دائماً تحظى بتوافق وطني، ما أدى إلى معاناة الفئات الشعبية والوسطى، التي شيدت بجهدها ومثابرتها، عبر العقود السابقة، المشروع الوطني الأردني، نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فيما تراجعت كفاءة الحكومات في أداء بعض المهمات والوظائف الأساسية، خصوصاً في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
وظهرت وتعمقت في الآونة الأخيرة ظواهر مقلقة للغاية، منها الفساد المالي والإداري، وانتشار البطالة والفقر، وتزايد العنف الاجتماعي، وبروز الهويات الفرعية، وضعف المؤسسات التمثيلية، وتعثر نمو المجتمع المدني. وقاد كل ذلك إلى حراك شعبي سلمي يدعو إلى مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربية الوطنية والخدمات الصحية والاجتماعية، وإلى محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين.
وتستمر التحديات الخارجية، وأبرزها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وحصارها، ووضع العوائق أمام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ورفض إسرائيل تطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى بلادهم. وهي كلها سياسات تصب في نهج تصفية القضية الفلسطينية، الأمر الذي يقاومه الأردنيون لأنهم على قناعة تامة بأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس، هو هدف ومصلحة وطنية أردنية بقدر ما هو هدف ومصلحة وطنية فلسطينية.
وتبقى القضية الفلسطينية، القضية المحورية في تفكير الأردنيين ووجدانهم والهم الوطني الأساس. ويبقى الإصرار على حق العودة والتعويض، وضرورة تعزيز الهوية الوطنية الأردنية وترسيخها. وفي جميع الأحوال فإن الإطار السياسي المعتمد يجب أن يؤكد على دعم الوحدة الوطنية واندماج جميع الأردنيين في العملية السياسية، وضرورة مشاركتهم الفاعلة في صنع القرار.
وانطلاقاً من هذا الإدراك، أخذت اللجنة عند بحثها هذا الموضوع المهم ما يلي:-
1.تاريخية التكوين الوطني الأردني والهوية الأردنية العربية الواحدة غير القابلة للتأويل.
2.الوحدة الأردنية الفلسطينية في العام 1950، وتعتبر الوحدة الأنموذج في تاريخ العرب الحديث، إذ نتج عنها حقوق وواجبات للمواطنين في الضفتين، كما أسهمت في الحفاظ على عروبة القدس وأجزاء مهمة من فلسطين، من دون المساس بالحقوق العربية في فلسطين، والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة، وبملء الحق وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضية فلسطين العادلة، إلا في نطاق الأماني القومية العربية والتعاون العربي والعدالة الدولية.
3.الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية لنهر الأردن العام 1967، وما تلا ذلك من أحداث سياسية أدت إلى قرار مؤتمر الرباط العام 1974، باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقرار فك الارتباط العام 1988. وقد فرض هذا كله واقعاً جديداً على أبناء الضفتين من حيث الحقوق والواجبات.
4. قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بحق اللاجئين بالعودة والتعويض .
5. قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بعودة النازحين .
وترتب على قرار فك الارتباط والتعليمات الصادرة بمقتضاه حين صدوره، فقدان فئة من المواطنين الأردنيين جنسيتها الأردنية، وأصبحوا مواطنين فلسطينيين، واعتبار حاملي البطاقات الصفراء مواطنين أردنيين، وحاملي البطاقات الخضراء غير أردنيين.
وترى اللجنة أنّه يتعين تشكيل لجنة على وجه السرعة لتبحث في أي ظلم لحق بحملة الجنسية الأردنية الذين تم سحب أرقامهم الوطنية، وفي الاعتراضات المقدمة لها وإعطاء كل ذي حق حقه، وجعل القضاء مرجعاً للنظر في الطعون.
وتؤكد اللجنة أن جميع الذين يحملون جوازات سفر أردنية وأرقاماً وطنية هم أردنيون، لهم كامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات، ويشمل ذلك حملة البطاقات الصفراء.
وتؤكد اللجنة على أنه لا يجوز منح الجنسية أو سحبها إلا بقرار من مجلس الوزراء سنداً للدستور. وترى ضرورة ضمان الحقوق المدنية والإنسانية للمقيمين الفلسطينيين في الأردن، وتمكينهم من ممارسة حقهم في الإقامة والحياة الكريمة.
كما توصي اللجنة بقيام الحكومة بتشكيل لجنة من المختصين والمعنيين لدراسة الأطر والأبعاد القانونية لقرار فك الارتباط وتعليماته من جوانبه كافّة، ورفع نتائجها إلى الجهات المختصة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها في ضوء ما ورد أعلاه.
إنّ مواجهة هذه التحديات والأزمات، تتطلب إدارة حكومية أكثر فعالية، ومشاركة شعبية أكثر عمقاً، ومجتمعا أكثر حيوية، وجهودا تنموية أكثر إنجازاً وعدالة، وحضوراً إقليمياً ودولياً أكثر قوة وديناميكية. وذلك كله يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالإطار السياسي للدولة، ما يجعل الإصلاح السياسي أولوية وطنية أساسية لمواجهة هذه التحديات.
وترى اللجنة أن إنجاز هذه المهمة والنجاح في مواجهة التحديات، يحتاجان إلى توافق وطني وجهد جماعي، يعززان وحدة الشعب الأردني ووحدة هويته الوطنية وصلابة الجبهة الداخلية في إطار حيوي من الاندماج السياسي والمساواة والعدالة الاجتماعية.
محاور عمل لجنة الحوار الوطني:
انطلاقاً من هذا الإدراك وتأسيساً عليه، فإنّ محاور عمل اللجنة تتمثل في الآتي: - ترسيم المبادئ العامة التي تحكم الإصلاح السياسي، والتوصية بالتشريعات اللازمة لتحقيق هذه المبادئ التي تشكل المنظومة الحامية والداعمة للعمل السياسي والعمل العام في المرحلة المقبلة.
- إعداد مشروع قانون انتخاب يعبّد الطريق أمام حكومة برلمانية، ما يسهم في نقل الحياة النيابية والسياسية والحزبية إلى مرحلة متقدمة، يكون للمشاركة السياسية الشعبية الدور الحاسم فيها.
- إعداد مشروع قانون أحزاب يسهم في تعزيز الحياة الحزبية وتشجيعها، وتعزيز حضور الأحزاب ودورها في المشهد السياسي.
-التوصية بالتعديلات الدستورية اللازمة لتطوير قانوني الانتخاب العام والأحزاب وأية تعديلات أخرى تُسْهِمُ في تعزيز الحياة النيابية واستقلالية السلطات الدستورية.
المبادئ العامة ومنظومة القيم الحاكمة:
يهدف تحديد المبادئ العامة للإصلاح السياسي والقيم التي تحكمه، إلى بناء صيغة توافقية وطنية تمثل إطاراً عاماً للحياة السياسية في إطار الدستور، وتعمل على تفعيله، نصاً وروحاً، وتنطلق مما يلي:-
أولاً: احترام حقوق الإنسان: وهو المبدأ الأول للدولة الديمقراطية الحديثة. وتشمل حقوق الإنسان الحق في الحياة والحرية والطبابة والتعليم والتأهيل ... الخ، وصيانة الحرمات والكرامات والحريات، وعلى رأسها حرية الاعتقاد والتعبير والتجمع وإنشاء الأحزاب والجمعيات وممارسة العمل السياسي والاجتماعي والنقابي والثقافي.
وتتكفل الدولة، وفقاً للدستور، بصون هذه الحقوق والحريات، وهو ما يتطلب:
(أ) مراجعة حزمة القوانين ذات الصلة، وخصوصا قوانين المطبوعات والنشر والجمعيات والاجتماعات العامة، وقوانين التوقيف بما يجعلها متطابقة مع روح الدستور الأردني، ومراجعة قانون العقوبات، لاستحداث وتغليظ العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان.
(ب) منح المركز الوطني لحقوق الإنسان، استقلالاً مالياً وإدارياً ودوراً رقابياً معززاً بالقانون وصلاحيات واسعة، وخصوصاً مراقبة مراكز الإصلاح والحجز الإداري ومراكز التوقيف لدى الأجهزة الأمنية، بما يضمن التزامها الدقيق بشرعة حقوق الإنسان وتغليظ العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان.
ثانياً: دولة المواطنة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص: حيث تكون المواطنة هي أساس العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة، ويكون الجميع تحت حكم القانون متساوين، ولا استثناءات غير قانونية لأحد، على أن تخضع التعيينات والوظائف والامتيازات في القطاعين العام والخاص معاً، لمبدأ تكافؤ الفرص.
وفي سبيل تحقيق ذلك، لا بد من:-
(أ) تعزيز القضاء واستقلاليته، ومنحه قدرات أكبر في إنصاف المواطنين.
(ب) التأكيد على أن منح الجنسية لغير الأردني أو سحبها من مواطن أردني لا يتم إلا بقرار من مجلس الوزراء وفق أحكام القانون.
(ج) إنشاء لجنة متخصصة مؤهلة وذات شفافية عالية، تنظر في شغل الوظائف الإدارية العليا في الدولة، من دون محاباة .
ثالثاً: العدالة الاجتماعية: إنّ تحقيق المواطنة وتعزيز سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص تقتضي تمكين المواطنين جميعاً من امتلاك الشروط الاقتصادية والاجتماعية والعلمية اللازمة للقدرة على الدخول في حقل التنافسية في المجال الاقتصادي والإداري. وهو ما يفرض الآتي:-
1. تمكين المحافظات من امتلاك شروط التنمية المستدامة، وتوجيه المزيد من المخصصات لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجيعها في الريف والبادية والمخيمات.
2. تحقيق العدالة في توزيع الثروة ، من خلال نظام ضريبي يتفق وروح الدستور.
3. توجيه موارد كافية لاستيعاب المتقاعدين العسكريين والمدنيين في العملية التنموية، وتحفيز قدراتهم الفردية والجماعية على تطوير فرص العمل والاستثمار وإتاحتها أمامهم.
4. تمكين العمال بأجر من تنظيم أنفسهم في منظمات نقابية حرة ومستقلة وقادرة على صون حقهم في أولوية التشغيل الوطني وتحسين أجورهم وشروط عملهم، والدفاع عن مصالحهم إزاء أرباب العمل والمستثمرين، وهو ما يتطلب مراجعة قانون العمل بالتوافق مع القيادات والتجمعات والنقابات العمالية.
رابعاً: تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وحماية المال العام من خلال:-
(أ) تأكيد التفويض المستقل للنائب العام .
(ب) تعزيز منظومة النزاهة الوطنية، بما في ذلك تطوير قوانين ديوان المظالم وديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد، والتوصية بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتحقيق ذلك .
(ج) وضع تعريف قانوني محدد ودقيق للفساد، وتعيين المؤشرات المختلفة على وجوده وقياسه ، وأدوات مكافحته.
(د) إصدار قانون "الكسب غير المشروع"، الذي يمنح القضاء الوسائل اللازمة والقدرة على مساءلة المسؤولين السابقين والحاليين عن فسادهم وعن ثرواتهم وأموالهم ومحاسبتهم عليها.
(هـ) تشجيع المؤسسات الأكاديمية المستقلة على إنشاء مرصد لمراقبة الفساد، والعمل على تطوير أدوات علمية ذات أبعاد قانونية ومحاسبية، لقياس الفساد وإصدار تقرير سنوي بهذا المعنى.
خامساً: اعتماد مبدأ الحوكمة الرشيدة والمساءلة والشفافية في الإدارة العامة، كما في الشركات والقطاع الخاص، بتعزيز الجودة الإدارية وترسيخ منظومة المساءلة والرقابة الداخلية، واتخاذ مبدأ الشفافية لتعزيز سيادة القانون والأنظمة داخل الإدارة العامة والشركات، وإتاحة المعلومات الخاصة بها.
سادساً: تأكيد استقلالية السلطات والفصل بينها، واحترام صلاحيات المؤسسات الدستورية ودعم استقلالها لضمان عدم تغوّل إحداها على الأخرى، والتأكيد على استقلالية القضاء، وضرورة تطوير أدائه ومؤسساته، وإعادة الولاية العامة إلى القضاء النظامي، وضمان التقاضي على درجتين كحدٍ أدنى.
سابعاً: تفعيل المبدأ الدستوري الخاص بالولاية العامة لمجلس الوزراء، بحيث تتحدد مهمات وصلاحيات أجهزة الدولة الأخرى جميعاً في إطار هذه الولاية، وعلى أساس الدستور والقانون .
ثامناً: بناء إطار تشريعي وسياسات تنموية لتشجيع الاستثمار الوطني في المحافظات، وتوزيع مكاسب التنمية بينها بصورة عادلة، وتوجيه الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، واعتماد تشريعات عمل وحدّ أدنى اجتماعي للأجور، بما يكفل تشغيل العاطلين عن العمل على نطاق واسع، وإحلال العمالة الأردنية محل العمالة الوافدة، وإعطاء الأولوية للمشاريع الإنمائية المولدة لفرص عمل جديدة .
تاسعاً: تفعيل المشاركة السياسية وتحويلها إلى ممارسة جادة وفعلية، من خلال أدوات المشاركة الانتخابية والحزبية، وفي أنشطة وفعاليات المجتمع المدني وفي أداء وسائل الإعلام .
إنّ تنمية المشاركة السياسية تحتاج إلى خطوات فعلية أهمها:-
أ) وضع خطط وطنية لتحفيز المشاركة في الانتخابات العامة والبلدية.
ب) انتخاب مجلس أمانة عمان .
ج) ربط تمويل الأحزاب بقدرتها على توسيع قاعدة المشاركة فيها.
د) تخصيص جانب من تمويل الأحزاب كأداة لتنمية المشاركة السياسية للشباب والنساء، من خلال وضع مخصصات إضافية لكل حزب يستقطب المزيد من النساء والشباب في صفوفه وقياداته.
هـ) تطوير حزمة تشريعية وتحفيزية لتنمية مشاركة المجتمع المدني في القرار، تضمن التمثيل العادل لمؤسسات المجتمع المدني في المجالس التنفيذية والاستشارية للمحافظات ومجالس المؤسسات العامة.
و) مراجعة أداء مؤسسات الرعاية الشبابية الرسمية وشبه الرسمية ومعالجة محدودية دورها في تنمية المشاركة الشبابية والنظر في إمكانية دمجها أو إيجاد مؤسسة جديدة بديلة لها.
عاشراً: إصلاح النظام التعليمي: إنّ الإصلاح السياسي يرتبط في جذوره بإصلاح مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وخصوصاً إصلاح مؤسسات التعليم، من أجل غرس قيم المواطنة واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان..
إن توفير الفرص التعليمية الملائمة والمتكافئة للجميع هو حق دستوري وضرورة حيوية من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وتمكين المواطنين من امتلاك الشروط اللازمة، والقدرة على التنافس العادل في المجالات الاقتصادية والإدارية والسياسية. وهو ما يفترض تصميم وتنفيذ برنامج جذري وفوري لإصلاح التعليم العام في المحافظات المختلفة، والتعليم العالي على مستوى الجامعات الحكومية، وذلك لمنح الأجيال القادمة فرصاً متساوية من مدخلات التعليم، الأمر الذي يشكل الأساس لتوزيع مكاسب التنمية والمناصب القيادية في القطاعين العام والخاص.
كما ينبغي توفير الظروف لتشجيع البحث العلمي ونقل التكنولوجيا في المؤسسات التعليمية، لتكون جزءاً أساسياً في المنهجية التعليمية.
وترى اللجنة أن العملية التعليمية لا تكتمل من دون تعزيز الثقافة الوطنية والانفتاح على ثقافة الآخر، ونشر قيم التسامح وقبول الآخر.
ويقتضي ذلك تشكيل لجنة متخصصة من كبار التربويين والأكاديميين في البلاد، تُعهد إليها مهمة وضع إستراتيجية وخطة عمل زمنية لإحداث نهضة تعليمية في التعليم العام، ولجنة أخرى لإصلاح أحوال الجامعات ووضع المبادئ الأساسية لتطوير الجامعات الأردنية وتحديثها وحوكمتها على مبادئ الشفافية والرشد والكفاءة والتنافسية وضمان الجودة.
حادي عشر: حماية إنجازات الأجهزة الأمنية الوطنية وتعزيز احترافها المهني، وهذا يقتضي تحديد عمل هذه الأجهزة وضبطها ضمن الواجبات الأمنية والمهنية فقط. وعدم تدخلها فيما يمس الحريات العامة والحياة السياسية، وإلغاء الموافقات الأمنية وشهادات حسن السلوك المرتبطة بالرأي والضمير والفكر، وصون استقلالية الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات من التدخلات الأمنية بصورة قطعية ونهائية.
ثاني عشر: حرية الإعلام ومهنيته، فالإعلام هو الذي يمنح مؤشرات جادة على مستوى الإصلاح واتجاهاته، كما أنه يقدم أداة فاعلة للتقدم والتحفيز نحو المزيد من الإصلاح، وذلك يقتضي عملياً:
(أ) تطوير التشريعات ذات الصلة، وإلغاء مختلف المواد التي تعيق الحريات الإعلامية، والتخلص من سياسة الهيمنة والوصاية والتدخل في وسائل الإعلام المختلفة.
(ب) إلغاء قانوني المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع وتضمينهما في قانون هيئة تنظيم الإعلام، بحيث تصبح هيئة تنظيم قطاع الإعلام هيئة عامة مستقلة تعمل على تنظيم قطاع الإعلام على أسس من المهنية وضبط الجودة من دون أن يكون لها أية صفة رقابية.
(ج) إنشاء هيئة تنظيم قطاع الإعلام، للجنة مستقلة من خبراء إعلاميين وقانونيين مشهود لهم بالنزاهة المهنية لتلقي شكاوى المواطنين على ممارسات وسائل الإعلام.
(د) العمل على توفير الشروط والإجراءات اللازمة لتحويل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى مؤسسة نفع عام مستقلة لا وصاية حكومية عليها.
ثالث عشر: من الضروري أن ينعكس الإصلاح السياسي على السياسة الخارجية والدبلوماسية الأردنية، فالدبلوماسية التي هي إحدى عناصر القوة الوطنية الرئيسية يجب أن تؤدي مهامها الفعلية بكفاية واقتدار في خدمة الأهداف الوطنية من خلال تقويم فعال، ورصد لأهداف الدول الأخرى والقوى الدولية وسياساتها تجاه الأردن وإمكانياتها في تنفيذ هذه الأهداف وتلك السياسات، بالإضافة إلى تمثيل الأردن وتوضيح أهداف الدولة الأردنية بشكل فعال ودقيق.
قانون الانتخاب العام وتطوير الحياة النيابية:
يحدد الدستور الأردني في مادته الأولى، أن نظام الحكم في الأردن هو نظامٌ نيابي ملكي وراثي. ومن هنا ، بدأت اللجنة في القيام بواجبها من بديهية أن منطلق عملها وواجبها هو إجماع الأردنيين على الالتزام بالدستور وبثوابته، وبأن الملك هو الضامن الأكيد لكيانهم ودستورهم ومؤسساتهم.
ولاحظت اللجنة أن الأردن يمر بمرحلة مكتظة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سبق ذكرها، وهي من الأهمية، بحيث تتطلب مواجهتها جهداً وطنياً جماعياً.
وترى اللجنة أن الحياة النيابية الفعالة تبدأ بطرح هذه التحديات والسبل البرامجية لمواجهتها في مرحلة الترشيح للانتخابات، بحيث تكون هذه التحديات وليست الشعارات أو النزعات الشخصية، هي محور البيانات الانتخابية والنقاشات والحوارات بين المرشحين وبين قواعدهم الجماهيرية، فيتعمق بذلك فهم المواطن لهذه التحديات، ويزداد وعي المرشحين بمتطلبات المواطنين، وتزداد قدرتهم على ترجمتها إلى برامج عملية تضع الحلول الواقعية والعملية لهذه التحديات.
ثم تأتي مرحلة عمل المجلس النيابي المنتخب، بحيث يكون مجلس النواب ممثلاً حقيقياً لمواقف الناخبين، ومخولاً، بالتالي بإجراء حوار وطني حول التحديات الوطنية على اختلاف أنواعها، وقادراً على أن ينتج توافقاً بين غالبية أعضائه على برامج وطنية تحقق طموحات أبناء الأردن في الحياة الأفضل للمواطن والمنعة والازدهار للوطن.
وبهذا، يكون مجلس النواب شريكاً حقيقياً في صنع الرأي العام والقرارات، ومبادراً في طرح سياسات مكملة أو بديلة للسياسات الحكومية في إطار مفهوم يؤمن بأن هدف السلطتين هو تحقيق النفع العام والمصلحة الوطنية العليا.
وانطلاقاً من كل ذلك، ترى اللجنة أن تكون أهداف قانون الانتخاب العام، على النحو التالي:-
1. إنتاج مجلس نواب يمثل الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية والاتجاهات الفكرية والسياسية كافة، تمثيلاً حقيقياً، ويكون قادراً على ممارسة دوره الدستوري في التشريع والمساءلة والمراقبة.
2. أن يكون مجلس النواب هو المكان الأساسي لإجراء النقاشات الوطنية التي تنتج عنها سياسات وقرارات تتحقق على أرض الواقع.
3. أن يكون المجلس قادراً، في آليات عمله الداخلي، على تحويل خلاصات النقاشات إلى سياسات وقوانين ناظمة للعمل.
ولكي تكتمل بنية الحياة النيابية، فلا بد لمجلس النواب من تطوير عمله، وفق خط سير استراتيجي يبدأ بمناقشة السياسات وإقرارها، ومن ثم الانتقال إلى مناقشة القوانين، ما يجعل المجلس النيابي شريكاً حقيقياً وفعالاً في صنع القرار، ومراقباً موضوعياً للأداء الحكومي، ومسؤولاً أمام الناخبين، سواء من خلال إسهامه في صنع السياسات أم من خلال عمله التشريعي والرقابي، ما يتطلب:-
أ) التوصية لمجلس النواب بإعادة النظر في نظامه الداخلي.
ب) قيام الحكومة بتقديم الأثر الاقتصادي والاجتماعي ضمن الأسباب الموجبة لإصدار القوانين.
وإذا ما تم وضع قانون انتخاب عام يحقق الأهداف الواردة أعلاه، ثم طوّر المجلس النيابي عمله على ما تم تحديده من أسس، فإن ذلك يفتح الباب أمام ظهور منابر فكرية داخل مجلس النواب وخارجه، حول مجمل القضايا التي تواجه الوطن والمواطن، تكوّن سياقا لبناء تيارات سياسية مجتمعية جماهيرية فعالة قادرة على تشكيل حكومات برلمانية.
وسوف تتشكل هذه المنابر من ممثلين عن الأحزاب المختلفة في مجلس النواب والمستقلين، الذين يؤيدون هذه التوجهات. وعندئذ تتشكل الحكومة والمعارضة، لا بصورة مسبقة مؤدلجة، وإنما حسب موقف كل طرف من مجمل القضايا المطروحة، فتكون الأغلبية هي تلك المؤيدة للسياسات المقرّة، والأقلية هي تلك المعارضة لها. ويصبح تداول الحكم بين مختلف القوى السياسية مرتبطاً بمواقف الأطراف داخل مجلس النواب من مجمل السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
قانون الأحزاب:
وترى اللجنة أن الأحزاب تشكل عنصراً مهماً في تطوير الحياة النيابية. فالأحزاب الوطنية الملتزمة بثوابت الدولة الأردنية ومبادئها وقيمها، تشكل محوراً مهماً في تأطير النقاش الوطني حول مجمل التحديات التي تواجه الوطن. وفي الوقت ذاته يجب أن تكون قادرة على وضع البرامج العملية لمعالجة هذه التحديات، معتمدة في ذلك على المعلومات الدقيقة والتحليل العلمي للوصول إلى برامج سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية تطرحها على الناخبين في مرحلة الترشيح والإعداد للانتخابات، وتتبناها إذا قُدر لها أن تتمثل في مجلس النواب، وتلتزم بها وتدافع عنها، وتظهر، في الوقت ذاته، المرونة اللازمة في الحوار بهدف التوافق حولها كلما كان ذلك ممكناً، من دون أن يمس ذلك بجوهر فكرها وأيديولوجيتها.
لذلك، قامت اللجنة بوضع مشروع قانون جديد للأحزاب يهدف إلى ما يلي:-
1. تبسيط إجراءات تسجيل الأحزاب، مع تأكيد التزامها الصارم، قانونياً وذاتياً، بالمرجعية الوطنية الخالصة.
2. إزالة العقبات الإدارية التي تواجه عملها.
3. توفير الدعم المالي لتمكينها من القيام بنشاطاتها ضمن أحكام القانون.
4. تبسيط الإجراءات الرقابية على أنشطتها المالية من دون المساس بفاعلية هذه الرقابة.
5. تسهيل قدرتها على الحصول على التمويل من قبل مؤيديها داخل الأردن، والتشديد على منع التمويل الخارجي بكل أشكاله.
6. تمويل جزء من تكاليف حملاتها الانتخابية.
7. تحديد صلاتها مع الجهات الرسمية وتبسيطها بما يضمن أقصى درجات الحرية لحركتها.