ما الفرق بين الروح والنفس؟!
وأين مركز وجودهما؟
وما وظيفة كل منهما؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الجواب:
النفس: هي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة، وهي نور إلهي مركزها في الصدر وأشعتها سارية بواسطة الأعصاب في سائر أنحاء الجسد، وهذه النفس المسجونة في الجسد إنما تتعرّف بما يحيط بها من الأشياء بواسطة الحواس، فمن طريق العين تُبصر، وعن طريق الأذن تسمع وبالأنف تشمّ وبواسطة الجلد تحس وتلمس، وباللسان تذوق طعوم الأشياء، كما تعبّر به عمّا يجول فيها من الخواطر والأفكار، وبشيء من التفصيل نقول:
إذا وقف أحدنا مثلاً أمام شاطئ البحر فلا شك أن رؤيته للبحر تجعله يخشع أمام هذا المنظر ويستعظمه وهذا الخشوع والاستعظام إنما هو خشوع النفس واستعظامها.
وإذا وقع نظرنا على شخص عزيز على قلوبنا جُرحت يده جرحاً بليغاً، وجعل الدم يتقاطر منها، فلا بد أننا نحزن لهذا المشهد ونتألم على صاحبه، فهذا الحزن والألم الذي نجده إنما هو حزن النفس وألمها. وإذا كان أحد أقاربنا الذين نحبُّهم مسافراً سفراً بعيداً وسمعنا بعودته سالماً فهناك نسرُّ ونفرح، وما ذاك إلاّ فرح النفس وسرورها، وهكذا فالنفس هي العنصر الأساسي في الإنسان فهي التي تستعظم وتخشع وهي التي تحزن وتتكدّر، وتسرُّ وتفرح وترضى وتغضب وتتلذذ وتتألم وعليها المعوّل.
والنفس هي المخاطبة دوماً في القرآن، وهي المكلَّفة بالسير في طريق الحق، وهي التي تتألم عندما تُعالج وتُداوى، وهي التي تتنعّم في الجنان فلا تبغي عنها حولا. وسمِّيت بالنفس لقيمتها النفيسة. وهذا غيض من فيض ممَّا تكلّم به عالمنا الجليل محمد أمين شيخو عن النفس، إذ أضاف ممهِّداً لأصل النفس قائلاً:
في حديث شريف: «كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخلقتُ الخلقَ وعرَّفتهم بي فبي عرفوني».
وتفصيلاً لمعنى هذا الحديث الشريف أقول:
الكنز: هو الشيء الثمين الجميل والمراد به في الحديث الشريف: ذلك الجمال الإلهي العظيم والكمال العالي الرفيع.
المخفي: الذي لا يعرفه أحد.
فأحببت أن أُعرف: تُشير إلى كرمه تعالى وكبير فضله لأن من شأن الكريم أن يظهر كرمه ويُفيض برَّه وإحسانه.
فخلقت الخلق: أي ليتنعَّموا بشهود ذلك الجمال الإلهي وليستغرقوا في رؤية ذلك الكمال الذي لا يتناهى، وهي تشير إلى إيجاده تعالى المخلوقات في ذلك العالم الذي يسمُّونه بعالم الأزل.
وعرَّفتهم بي: أي: أشهدتهم عظمتي وفضلي عليهم في خلقهم.
فبي عرفوني: أي عن طريق رؤيتهم لأنفسهم توصَّلوا لمعرفتي فتمتعوا برؤية ذلك الكنز العالي؛ إذ شاهدوا طرفاً من جمالي وكمالي.
وقد كانت المخلوقات أول ما خلقها الله تعالى في ذلك العالم (عالم الأزل) نفوساً مجردةً من الصور والأجساد، فالإنسان والحيوان والسماء والأرض، والملَك والجآنُّ، وإن شئت فقل:
كل المخلوقات كانت يومئذٍ من نوع واحد وذات صفة واحدة لا فرق ولا تفاوت بينها في شيء، وقد تمتَّعت هذه الأنفس كلها يومئذٍ برؤية ذلك الكنز وشغفت حبَّاً وهياماً بمشاهدة ذلك الجمال الإلهي العظيم.
على أن وقوف هذه المخلوقات عند درجة واحدة من الرؤية للجمال الإلهي الذي شهدته تجعلها فيما بعد تملُّ الحال الذي هي فيه، ولا بدّ لها حتى يكون النعيم والفضل تامّاً من أن تترقى في الرؤية من حال إلى حالٍ أعلى بصورة لا تتناهى وتقريباً لذلك من الأذهان نقول:
لو أن رجلاً يجلس في بستان جميل لم ترَ مثله العين وظلَّ مقيماً فيه أمداً طويلاً، فلا شك أنه يملُّه ولا يعود يرى بعد حين ما فيه من متعة وجمال، ولا بدّ له حتى يدوم له النعيم من أن ينتقل إلى بستان آخر أجمل مما هو فيه.
ولا يمكن للمخلوق أن يترقى في رؤية الجمال الإلهي من حال إلى حال أعلى إلاَّ إذا كانت له أعمال طيبة تجعله واثقاً من رضاء خالقه عنه وتكون له بمثابة مدارج يستطيع أن يتقرب بها إلى الله تعالى زلفى، لذلك عرض تعالى على هذه الأنفس جميعاً الخروج من ذلك العالم الذي لا عمل لها فيه إلى دار تكون لها فيها أعمال عالية تساعدها على الإقبال على خالقها، والسعي إلى ذلك الكنز العالي لِتَعبَّ من بحار الجمال والكمال عبّاً كثيراً متواصلاً لا متناهياً.
ولبيان أثر العمل في تسامي النفس وقربها من خالقها نضرب على ذلك مثلاً فنقول:
لنتصور قائداً خاض بجنوده معركة من المعارك، فيا ترى هل كل هؤلاء الجنود يعودون من المعركة في حالٍ نفسي واحد؟؟؟!
لا شك أنهم سيكونون على درجات، فالجندي الأكبر تضحية وإقداماً والأحسن عملاً يرجع وهو أقرب من قائده نفساً وأدناهم لديه منزلةً وأوفرهم بالسعادة النفسية حظاً.
وهذا المثل ينطبق على الأبناء تجاه والدهم، والطلاب تجاه معلِّمهم والمريدين مع مرشدهم، والعباد مع خالقهم.
إذ من قوانين النفس الثابتة أنها لا تستطيع أن تقبل على آخر إقبالاً معنوياً ما لم يكن لها عملٌ صالح تُقدِّمه بين يديها فتستند عليه في إقبالها. وكلّما كانت تضحياتها أكبر وعملها أعلى وأرفع كان إقبالها أعظم.
وهذا السبب الذي جعل فيه تعالى الدار الدنيا دار عمل وممراً وطريقاً للآخرة، حيث الجنات والنَّهَرُ في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
والشهوة هي الدافع والمحرِّك وبها يكون الذوق والنعيم وهي التي تضفي على العمل قيمته وبدونها لا يكون للعمل في نظر صاحبه شأن ولا تكون له قيمة، وكلما كان الشيء محبّباً للنفس ومرغوباً لديها كلما كانت التضحية به أكبر قيمة وأعظم في النفس تأثيراً، فلولا أن الإنسان كان لا يرغب بالمال ولا يشتهيه فعندئذٍ لا يكون للصدقة في نظره معنى ولا يجد في إنفاقه وصدقته رقيّاً نفسياً ولا إقبالاً، وكذلك الأمر في غضّ البصر والتعفُّف عن المحرَّمات.
ولقد منحنا تعالى حرية الاختيار تلك التي تجعل المخلوق يُباشر العمل مريداً مختاراً لا مرغماً مقهوراً، وبالحقيقة لا يستطيع المخلوق أن يتقرب بعمله إلى خالقه خطوة وليس يمكن أن يجد له قيمة إذا لم يكن لهذا المخلوق في عمله حرية واختياراً.
فإرادة المخلوقات في الأصل ملك لخالقها وموجدها، وهي مرهونة لأمره تعالى فلا تملك إرادة ولا اختياراً.
وقد أراد تعالى كما قدَّمنا أن يعطي الأنفس أكبر عطاء فبيَّن الوسيلة التي تصل بها إلى نيل هذا العطاء، وذلك بأن عرض عليها أن يجعل إرادتها التي هي ملكه تعالى أمانة بين يديها وأن يجعلها حرة في اختيارها السير إلى أعمالها المتولدة عن شهواتها.
إن إعطاء هذه الإرادة والحرية في الاختيار هي ما نقصده بكلمة (الأمانة). لقد عرض تعالى الأمانة في عالم الأزل على الأنفس جميعها بلا استثناء، ثم بيَّن لها أن حمل الأمانة وإن شئت فقل حرية الاختيار في السير إلى الأعمال أمر ذو خطر عظيم. فإذا كان المخلوق يستطيع بهذه الوسيلة أن يرقى بعمله ويصل إلى مرتبة دونها سائر المخلوقات فهو إلى جانب ذلك قد يهوي به عمله إلى درجة لا يمكن أن ينحط إليها أحد من العالمين.
ولذلك ورحمة من الله تعالى بمخلوقاته بيَّن لها أنها إذا هي رضيت بحمل الأمانة وخرجت إلى الدنيا فسيرسل لها كتاباً يكون نبراساً ومرجعاً لها في أعمالها، فإذا هي استنارت بنوره تعالى لدى مباشرتها العمل المتولِّد عن الشهوة واستهدت به سبحانه واستلهمته الرشد في سيرها فسيكون صراطها مستقيماً وسيرها مأموناً، وعملها متطابقاً مع طريق الحق الذي بيَّنه كتابه تعالى وبذلك تُعصم من الزلل وتُحفظ من الوقوع في الأذى والضرر ويكون عملها سبباً في رقيِّها وتساميها، فإذا هي جاءته تعالى بعد موتها كان لها من أعمالها العالية الإنسانية سند تعتمد عليه في وجهتها ومتكأ تتكئ عليه في إقبالها على ربها، وهناك تفوز بالقرب من جنابه الكريم وترقى رقياً أبدياً متتالياً في جنات النعيم.
وكلما زادت النفس تقديراً لخالقها زادت إقبالاً عليه سبحانه وبالتالي اكتسبت منه سمواً ورفعةً وكمالاً، وهي عنصر نوراني لا يصيبه البلى ولا تمتد إليه يد الفناء، وما الجسد إلاَّ ثوب النفس ولباسها، فهو الحامل لها وبواسطته تُباشر أعمالها، وعن طريق الحواس تتعرَّف إلى ما حولها، فإذا ما فارقت الروح الجسد ومات هذا الإنسان لبست النفس الحال الذي كانت قد وصلت إليه في الحياة الدنيا. وما القبر الذي يضم الجسد إلاَّ مركز لتلقيِّ شعاع النفس المستنيرة ومهبط لأشعةٍ من النفس الميمونة، وتكون النفس المؤمنة أو التقية والحالة هذه كالشمس جرمها في السماء وأشعتها سارية في كل ناحية من أنحاء الفضاء تملؤها بالنور والضياء، وما هذا إلاَّ مثالٌ يُقرِّب لك الحقيقة، والنفس المؤمنة أسمى بكثير وأرفع مما يمكن أن يتصوَّره إنسان، فحالها بعد الوفاة لا يختلف عن حالها في الدنيا من حيث الإقبال على الله، بل إنها ترقى في هذا الإقبال لحظةً فلحظة وآناً بعد آن، والنفس المؤمنة تسري مع نفس رسولها الكريم من الكعبة سارية بتجليات ربّها وإن كانت من حيث علاقتها بجسدها في حال برزخي إشرافي غير أنها تسمع وترى، إذ تصبح النفس التقية بعد الموت كلّها أعين وكلها آذان، فهي أسمع وأشدُّ شهوداً ورؤية مما كانت عليه في الدنيا،
وأما هي إذا حملت الأمانة ثم جاءت إلى الدنيا ولم تستنر بنوره تعالى ولم تستهد بهداه لدى سيرها إلى أعمالها فلا شك أنها ستخطئ طريق الحق الذي يصل بها إلى السعادة. وستكون أعمالها كلها أذىً وإضراراً بالخلق وبعد خروجها من الدنيا ستقف بين يدي خالقها خجلى من أعمالها ذليلةً بما تحمله بين يديها من لؤمها ودناءتها فلا تجد لها مأوى إلاّ جهنم فترتمي بها لتغيب بألم النار وعذاب الحريق عن ألمها وعذابها النفسي الشديد، وفي الحديث الشريف: «إنَّ الرجُلَ لَيُلْجمه العرقُ يومَ القيامة، فيقول: رب أرحْني ولو إلى النار» الجامع الصغير (1990) (طب) عن ابن مسعود.
وفي حديث آخر: «إنَّ العار ليلزمُ المرءَ يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالُكَ بي إلى النار أيسرُ عليَّ مما ألقى، وإنه ليعلمُ ما فيها من شدة العذاب» الجامع الصغير: (2059). (ك) عن جابر (ح).
هذا ومن كلمة (الناس) التي هي اسم جنس لبني آدم، إذ سُمُّوا (الناس) لأنهم بمجيئهم لهذه الدنيا وخروجهم لعالم الصور والأجساد نسوا ما كانت عليه نفوسهم في عالم الأزل من المعرفة بالله تعالى، فكان هذا الجسد المادي حجاباً حجب النفس عن معرفتها بذاتها من حيث ضعفها وحاجتها وافتقارها الكلِّي إلى خالقها ودوام سابق معرفتها.
قال تعالى مبيِّناً مركز النفس في آيات كُثر منها: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} سورة الناس (4-5).
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} سورة النمل (74).
{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} سورة آلِ عمران (29).
وبما أن النفس تسري في الأعصاب، فحين تخدير الأعصاب تنسحب النفس من مكان التخدير ولا يعود المريض يشعر بأي ألم ولو بُتِر عضو من أعضائه بسبب هروب النفس من المكان المخدَّر. فنفس المريض غادرت جسده بسبب البنج ونفس النائم غادرت أيضاً جسده بسبب النوم وتبقى الروح موجودة في الجسد وهو يتحرك والقلب ينبض غير أنه لا يسمع ولا يدرك ولا يرى شيئاً.
قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} سورة الزمر (42).
ونذهب إلى النسوة اللائي قطَّعن أيديهن في سورة سيدنا يوسف عليه السلام، قال تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} سورة يوسف (31).
لقد قطَّعت النسوة أيديهن لانصعاق نفوسهن لرؤية جماله صلى الله عليه وسلم، والنفس في هذه الحالة غادرت أجسادهنَّ متجهةً إلى سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم فقطَّعن أيديهن وهنَّ لا يشعرن.
أما بالنسبة للروح: فهي الإمداد بالنور الإلهي الساري في الدم ومركزها هذا القلب المادي، وهي القوة المحركة لكافة أجهزة وخلايا الجسم، وبواسطتها تتم تغذية وحركة وقيام وحياة هذا الجسد، وهي السلطة التنفيذية لأغراض ومتطلبات ولوازم ومشتهيات النفس، وهي تحت إمرة النفس السارية في الأعصاب الآمرة الناهية على كافة الأعضاء الإرادية واللاإرادية.
ولولا الروح لتوقَّف الجسد عن الحركة ولأصبح خامداً لا حراك فيه شأنه شأن سائر الجمادات.
والروح في الإنسان والحيوان وكافة المخلوقات الحيّة هي ذاتها، لكنها تكون في الأنبياء والرسل روحاً مقدّسة أي: منزَّهة عن الشوائب والأغراض الدنيئة لأن نفوسهم لم تتلوَّث بشوائب الدنيا وأدرانها الخبيثة فحُفظت الروح نقية طاهرة مقدَّسة، فهي لا تنطق إلا بالخير والحق والفضيلة والكمال، وحيثما حلّت حلّت الخيراتُ والأنس والنعيم والسعادة والغبطة الأبدية من الله بواسطتهم على كل من التفت إليهم.
وما دامت الروح سارية في الجسد سرت النفس بجوارها مرافقة لها، فإذا ما بدأت الروح تنسحب وتُفارق هذا الجسد لحقت بها النفس ثم تخرج الروح عند الموت وتخلد النفس وتتحلَّق بذرَّة من ذرَّات جسدها، فإما أن تكون مسرورة بما كسبت من علم بالله وإيمان به ومعرفة وعمل صالح يؤهِّلها للإقبال عليه، والسريان بالنعيم الإلهي والتحليق. ويُلقى بثوبها الجسدي بالتراب، أما هي فتعلو وتسمو في الجنَّات كالنائم الغارق في لذيذ المنام الغافل عن جسمه بالكلية لما يشاهد من جميل الأحلام لكنها بالنوم أحلام وبعد الموت حقائق سرمدية لا تبغي النفس عنها حِوَلاً ولا ترضى للحياة الدنيا رجوعاً لما تجده عند ربِّها من عظيم الإكرام.
وإما أن تكون متألمِّة مما تحمل من أوزار وخطيئة وآثام فتظل عمياء محبوسة في شقائها الناشئ عن عملها السيء، مرهونة في قبرها وبالأرض بعملها الخاطئ. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ...} سورة المدثر (38-40).
ولقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فشرح لهم صلى الله عليه وسلم الروح وسريانها في الجسد بواسطة الدم.
وفي الحديث الشريف: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من الجسد» متفق عليه مسند أحمد ج3 ص156.
وذلك ما تُشير إليه الآية الكريمة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} سورة الإسراء (85).
يسألونك يا محمد عن الروح، فقد سألوه عن الروح تعجيزاً له فأجابهم تعالى:
{قُلِ}: يا محمد: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وكلمة (ربي) تبيِّن ذلك الإمداد الإلهي الساري في الوجود وبه قيامك أيها الإنسان ومعاشك وقيام جميع المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات فلا تتحرك حركة إلا بإمداده وأمره تعالى.
ولو أنه تعالى يسحب إمداده، أي: الروح عن المخلوقات لما بقي لها حركة ولا حياة.
ومثل الروح في المخلوقات كمثل التيار الكهربائي الذي يحرِّك كل الآلات التي تعمل بواسطته فإذا ما انقطعت تلك الطاقة خمدت الآلات وسكنت حركتها وتوقَّف عملها، وهكذا تنصب الروح في الجسد على قلب الإنسان وتسري في الدم الذي يقوم بنقل الغذاء والأكسجين إلى كافة أنحاء الجسد والعودة بالفضلات والسموم ليتم طرحها خارج الجسد عن طريق التبوُّل والزفير.
{مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الواردة في الآية إنما تعني ذلك الإمداد على القلب والدم لتتم الحياة، وإذا ما انقطع ذلك الإمداد عن المخلوقات الحية بقيت جثةً هامدة لا حراك فيها، وما يؤكِّد ما قلناه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} سورة النساء (171).
وما هذه الروح إلا ذلك الإمداد الإلهي الذي أمدَّه الله تعالى لسيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم بواسطة سيدنا جبريل وبعد أن بيّن لهم ما بيّن ردَّ عليهم:
{ومَا أُوتِيتُمْ منَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً} وكلمة (وما أوتيتم من العلم) لا تعود على رسول الله، بل على السائلين ولو كانت تعود على رسول الله لجاءت بصيغة (وما أوتيت)، بل جاءت وهو المتكلم قل لهم يا محمد وما أوتيتم أنتم أيها المعرضون من العلم إلاَّ قليلاً.
ونوجز القول: إذا نظر الإنسان نظرات المفكِّر المستبصر في هذا الكون فإنّ نظراته هذه تقوده إلى أن هناك خالقاً عظيماً ومدبِّراً حكيماً، فيستقيم على أمره وهذه الاستقامة تولِّد العمل الصالح والثقة برضاء الله عليه فتكون له بمثابة وسائل يتقرب بها إلى الله ويكتسب منه تعالى كمالاً فيُحب أهل الكمال ويُحب سيد الكاملين صلى الله عليه وسلم، فتصاحب نفسه نفس رسول الله المقبلة دوماً على الله فيرى إمداده تعالى النوراني سارياً في هذا الوجود في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ وذلك ما نعنيه بالروح.
يتبيَّن لنا مما سبق أن هناك فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً بين النفس والروح.
والحمد لله رب العالمين