سوق المتعة .. الفلم .. والنفس المغلولة
الفن السابع كغيره من الفنون فعل فاضح وكاشف عن الخلل الذي تعنيه الذات و المجتمع .
والسينما العربية في تاريخها الطويل للاسف لم تخرج ماله طابع الكشف والفضح الا فيما ندر.
ويأتي هذا الفلم( سوق المتعة ) والذي اخرجه سمير سيف وكتبه وحيد حامد ليتطرق الى مسأله من اشد المسائل خطورة في الشخصية العربية الا وهي مساله الذات المقهورة والمسلوبة الحقوق والذي بدره جعلها في حاله مسخ ترتضي العبودية بل وتسعى اليها !!
محمود عبد العزيز يمثل هذا الدور وباقتدار واضح، مواطن يخرج من السجن/الوطن
بعد ان قضى فيه فترة طويلة قضاها في التعذيب والمهانه وبعد خروجه يفتح له باب الثراء والحرية
هل سوف تكون الشخصيه هي كما عليه بعد خروجه من السجن؟
شاهدوه انه فلم اكثر من رائع حقيقة ،وعندما شاهدته منذ فترة طويله لم اصدق ان السينما العربية اخرجت اخير ما يرتضية العقل والذوق .
ادعكم الان مع مقالة الناقد محمد المنسي قنديل حوله مقالته الضافية حول الفلم .
____________________________________________________________
سوق المتعة
منذ عدة سنوات جلست بجوار الكاتب السينمائي المعروف وحيد حامد في أحد العروض الخاصة, فمال نحوي مبتسما وقال: (لقد كتبت فيلما يحمل اسمك..المنسي), قلت ضاحكا : (هذه هي المرة الأولى التي اكتشف أن لهذا الاسم فائدة), وبعد ذلك بأسابيع قلائل ظهر ذلك الفيلم الجميل الذي قام ببطولته عادل إمام. لقد أضاء وحيد حامد قاعة العرض المظلمة من حولي في هذه الليلة, ولم أعد أشاهد هذا الفيلم دون أن أتذكر هذه الكلمات, وهاهو وحيد حامد يعيد إضاءة الوضع العربي المستعصي أمامي مرة أخرى وأنا أشاهد فيلم (سوق المتعة) على الشاشة الصغيرة, فالفضائيات العربية لم تعد تكف عن عرضه بعد أن اقتطعت منه ما تيسر, دون أن تنتبه لخطورته, وكيف أنه يعرينا أمام أنفسنا ويكشف عن مرضنا العربي الدفين, يتحدث هذا الفيلم عن سجين قضى في السجن عشرين عاما هي سنوات عمره الحقيقية, كان بريئا, وكان السجن قاسيا, تعرض هو خلال هذه السنوات إلى كل أنواع المهانة والتنكيل البدني والنفسي حتى تحول إلى عجينة طرية تتشكل وفق رغبات الآخرين, وبعد أن يخرج من السجن تواتيه الفرصة ليعيش حياة رخية يستطيع فيها أن يحقق كل ما حرم منه, ولكنه يعجز عن ذلك, كأن جسده قد ألف الأسوار الشائكة وافتراش الأرض الخشنة ورائحة العفن والإهانات اليومية, لذا فهو يقوم بأغرب شيء, يستغل الأموال التي أتيحت له لينشئ سجنه الخاص, ويحضر إليه المسجونين الذين كانوا برفقته, والذين كانوا ينتهكون كرامته في ظلمة العنبر, ويولي إمرة السجن للسجانين أنفسهم الذين كانوا ينكلون به ويصادرون حريته, لقد وقع في غرام جلاديه, وتأقلمت روحه المهشمة على الانتهاكات الدائمة, وبطل الفيلم هنا يجسد حالة خاصة يطلق عليها أطباء الأمراض النفسية (أعراض ستوكهلم) Stockholm syndrome وهي نتيجة للدراسات التي أجريت في السويد بعد الحرب العالمية الثانية على العديد من الضحايا الناجين من معسكرات التجميع النازية, فقد تعرض المعتقلون في هذه المعسكرات إلى أبشع أنواع التنكيل البدني والنفسي, ومع ذلك كان منهم من تعاطف مع جلاديه والتمس لهم العذر, ومنهم من لم يعد يستطيع مواصلة حياته أو إشباع رغباته إلا تحت وطأة جرعة من الامتهان والألم, وهي أيضا حالة باتريشيا هيرست التي كانت ابنة واحد من أشهر وأغنى الناشرين في أمريكا, واختطفتها عصابة من السود حتى يطالبوا أباها بفدية ضخمة, ولكن الفتاة فضلت البقاء مع خاطفيها, بل وأصبحت شريكة لهم في عمليات السطو التي قاموا بها, وقيل إن السبب في ذلك هو سطوة المخدرات والجنس, ولكن الحقيقة أنها وقعت في عشق خاطفيها, النظرية نفسها التي اعتمد عليها الكاتب المبدع وحيد حامد في (سوق المتعة), وهو قد وضع يده بقصد وبنية متعمدة على أعراض المرض العربي الذي نعانيه, وهو إعجابنا المفرط بجلادينا, ولعل المثال المتوافر لنا في هذا المجال هو صدام حسين ونظامه, فبالرغم من اكتشاف هذا الجحيم من جرائم امتهان الإنسان, والمقابر الجماعية والحروب التي شنها على الأهل والجيران والأطفال الذين أعدمهم بغازاته الكيميائية, والأصدقاء الذين غدر بهم, والناس الذين حكمهم بأكثر الطرق قسوة وإذلالا, فإن هناك من يتعاطف معه ويبرر له كل هذه القسوة المفرطة, بل إن هناك من يدافع عنه في حماس مرضي, والمشكلة أننا كعرب نتعامل مع كل الأنظمة التي على هذه الشاكلة بالأسلوب نفسه, كأننا نعاني استعذابا (ماسوشيًا) للألم, وتعوداً مخزياً على تقبل الإهانة, ولعل واقعة صدام حسين وأمثاله تجعلنا نفطن إلى أن أعراض ستوكهلم ما هي إلا أعراض عربية علينا أن نواجهها, وقبل ذلك علينا أن نشكر وحيد حامد وفيلمه القاسي لأن حالنا أكثر قسوة.