قد يكون الحديث عن شخصية سياسية بحجم رئيس الوزراء المهندس نادر الذهبي عملية عقيمة لا تفضي الى تشخيص حقيقى حال افتقارها الى رصد حراك الرجل في مدونة الاداء الحكومي بدءا من بداية ظهورة على الخارطة الرسمية المحلية كمسؤول رفيع، وحتى مرحلة الجذب والطرد التي تشهدها حكومته في معرض الجدل الدائم حولها.
وبما يحظى به الذهبي من إرث خبراتي في المنظومة الاقتصادية وهو قد تسلم مفوضية العقبة كمنطقة اقتصادية خاصة تندر البعض حيالها بأن رمالها استحالت الى ذهب في عهد الذهبي، فإن علاقاته كرجل منصب وعلاقاته شخصيا كانت بمثابة مفاتيح لصفقات كبيرة خدمت الاقتصاد الاردني، بالاضافة الى ما افرزته تلك العلاقات من عقد اتفاقيات إستراتيجية لتطوير العقبة وبحجم استثمارات بلغ 8 مليارات دينار خلال ست سنوات حينها، استطاع خلالها نقل منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة من تصنيف سياحي الى اقتصادي في صورة ناجحة لمواجهة التحدي الاقتصادي والاجتماعي الذي تعانيه البلاد، الامر الذي حط به الى واجهة الحكومة ليكلف بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة الدكتور معروف البخيت وذلك في 22 تشرين ثاني 2007.
ولعل مرحلة الجذب والطرد التي داهمت حكومة الذهبي قد بدأت بوادرها - كما يتفق متابعون - خلال الاشهر الاخيرة التي أعقبت إقالة/استقالة مدير المخابرات السابق الفريق محمد الذهبي شقيق الرئيس الذهبي، والتي أسهمت في خلق مناخ لم يخدم بالمطلق الذهبي الرئيس في الدوار الرابع وقبلا في الشارع الاردني.
فبعد أن قرر جلالة الملك تعيين مدير المخابرات الحالي اللواء محمد الرقاد، اعتبر المتابعون تلك المرحلة بأنها إيذانا برفع المظلة الامنية عن الجهاز الحكومي فريقا ورئيسا، سيما وأن قرار إقالة الاخير جاء في ظروف متوترة للاردن والمنطقة بفعل تزامنها مع العدوان الصهيوني آنذاك على شعب غزة، بيد أن جلالته باليوم ذاته كانت قد رصدته عدسات الفضائيات المحلية والعربية والعالمية وهو يتبرع بالدم لصالح الشعب الغزي الجريح، ليتوجه جلالته عقبها الى اصدار قراره بتعيين الرقاد مديرا للمخابرات خلفا للفريق الذهبي ، وهو الامر الذي كان مفاجئا للأوساط السياسية والنيابية والشعبية كذلك، لتظل التقولات والتحليلات قائمة بقيام حكومته والتي غذاها الجسم الاعلامي بمفترقات طرق زادت في تخبط الفريق الحكومي بفكرة بقائهم من عدمها في ضوء إطروحات تناولت تغيير الرئيس الذهبي خلال الفترة القادمة، وهذا ما فندته مؤشرات ذات علاقة بتنفيذ مهام مناطة بالرئيس الذهبي لفترات متباعدة قادمة.
رفع المظلة الامنية عن حكومة الذهبي جاهر بها احد النواب خلال اجتماع نيابي تحت القبة، حينما خاطب زميله النائب احمد الصفدي الذي يمت بصلة مصاهرة للاخوين الذهبي بتلميحه له بأن المظلة التي استظل بها سابقا بعهد الفريق محمد الذهبي لم تعد موجودة، الا ان الرئيس الذهبي لم يكن رهانه تحت المظلة الامنية بقدر ما نجح به من تنفيذ مهام سجلها الراصد الاعلامي الاردني لصالح حكومة الذهبي التي وصفها بأنها من الحكومات الجيدة في تاريخ الأردن ولا مجال لتفنيد بعض الانجازات المهمة التي قامت بها بمنأى عن مظلة الفريق الذهبي السابق إن وجدت !!
الرئيس الذهبي حظي ببداية ذهبية أهلّت بقاءه في الدوار الرابع حتى الان، (ابتداء من ثقة ذهبية في البرلمان وموازنة مرت بسهولة و ثقة شعبية لم تنخفض بعد 200 يوم من تشكيل الحكومة كما هو معتاد، لكن سرعان ما بدأت هذه التوقعات بالتراجع بعد إقالة شقيقه محمد الذهبي من منصبه كمدير للمخابرات العامة، ليطرح البعض سؤالا هل سيلقى الذهبي الرئيس ما لقيه شقيقه الفريق الذهبي؟).
وبصرف النظر عن التكهنات المستقبلية لبقاء حكومة الذهبي، الا ان مهاما جليلة كانت ولا زالت تتسيد أجندة حكومته أهمها التعامل مع الأزمة الاقتصادية الداخلية التي أعقبت رفع الدعم عن بعض السلع بالاضافة الى مشهد الجدل الحاصل حول تعديلات اسعار المحروقات وتماسها مع قضية الفاتورة النفطية وما يحيط بالمشهد الاقتصادي باتجاه تحفيز قنوات جلب المنح والمساعدات بحراك "خجول" إذا ما نظرنا الى حجم الدعم الأمريكي الذي تخطى نصف المليار دولار هذا العام!!
وليس بعيدا عما يدين (برقرطة) القوام والاداء الحكومي الذهبي، الا ان البعض لا يسعه الا التعاطف مع الرئيس بفعل ممارسات غير مسؤولة من قبل اعضاء فريقه، حيث شكلت تلك الممارسات بداية لأجواء غير مستقرة تنذر بعاصفة هوجاء اذا ما تطلعنا الى هشاشة المنجز النيابي بوصفه شريكا للمنظومة الحكومية في انجازاتها وقراراتها، فان صلح صلحت الحكومة، وإن أخفق - كما هو عليه واقع الحال - أخفقت الحكومة في ثنائية متماوجة تهدد بعضها غالب الاحيان، بيد ما شهده الشارع الاردني من مآزق ومطبات حكومية ونيابية كان أهمها حكوميا ما أثير حول السياسات غير الموفقة - ولا نقول الخاطئة - في معرض تعاطيها مع قضية اللاجئين الفلسطينيين في الاردن بما يتعلق بمسألة سحب الجنسيات وموقف الاردن حكوميا ونيابيا وقبلا قياديا تجاه رفض ما تمليه سياسات أمريكصهيونية تقترح الاردن كوطن بديل، مرورا بقضايا حساسة تشير بوصلتها لفساد حكومي سافر نجزم آسفين بفشل الرئيس الذهبي في إحتوائه على الرغم من قيام مؤسسات رسمية رقابية بعملها من هيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة، وجهات اخرى، الا ان الفساد ظل ماثلا في اكثر من مكان، ولا انتهاء باخفاق اللجنة الوزارية في قضية تلوّث مياه نهر الاردن بمياه المجاري الصهيونية ، وعلى الصعيد النيابي مآزق عدة كان أبرزها ما أثارته قضية استخدام سيارة النائب فرحان الغويري في تهريب مخدرات وعملات مزيفة من قبل شقيقه، بالاضافة الى مطبات صنعها نواب لا مجال لذكرها هنا.
ولأننا هنا لسنا في معرض رصد المطبات المشار اليها، الا ان (الكوارث) المسجلة على اداء الفريق الحكومي وضعت الرئيس الذهبي في موقف لا يحسد عليه، وأسهمت كذلك في النظر اليه بعين الترقب المشوبة بالحذر من قبل القيادة، وليس أدق على ذلك من محاولة الأخير من تكثيف جهده في تلافي احتمالية انتقاد جلالته (المعلن) له ولفريقه الحكومي، فقد وجد رجل الشارع نفسه أمام أعتصامات وأحداث شغب وانتقاد سافر لأجهزة أمنية كما حدث في قضية اعتصام عمال الموانئ وتأرجح المسؤولية بين الامن العام وقوات الدرك وف تحول الى مشهد يقول بأزمة في السياسات العامة، وفي إدارة شؤون البلاد، حيث لم يكن مفاجئا حراك الذهبي في الآونة الاخيرة وقد رأيناه لا يتوانى عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة من المشكلات التي تحدث بين الحين والآخر، في اختراق للعرف البروتوكولي السائد بحراك رئيس الوزراء تجاه قضايا بعينها دون الاخر، فقد رأيناه قد تدخل بمشكلة انقطاع المياه، وفي قضية المصادمات التي شهدتها البلاد خلال الشهرين الماضيين بين ابناء العشائر، ولا انتهاء من تدخلات متواترة في بوتقة الاخطاء المتكررة لفريقه الحكومي ذي التشكيلة القزحية غير المتجانسة دفعت باتجاه تداخل صلاحيات مؤسسات الدولة وأجهزتها ليتحول منصب رئيس الوزراء إثرها بحسب وصف مراقبون "من سياسي-تنفيذي-حيوي إلى كبير موظفين وتحوّل دور الوزير إلى موظف حكومي مطواع فاقد للمبادرة تجنبا للانتقاد" ليكتمل المشهد عبر ثلة من وزراء برغماتيين لا يتوانون عن خرق القانون بقصد مزيد من المكتسبات والتكسب، وآخرين نصبوا أنفسهم رؤساء وزراء بحد ذاتهم لا يلتفتون لتوصياته أو انتقاداته، في حين البعض الاخر يكتفي بأن يرسخ مفهوم حكومة الظل على حساب الحكومة والشارع في معادلة تشوبها علامات استفهام كبرى تقول أهمها بإملاءات غريبة دخيلة لا ناقة لنا بها أو جمل بوصفنا أردنيين !!!
الى ذلك، يتضح بما لا يرقى للشك بأن الرئيس الذهبي يرأس حكومة لا ولم تصل لمرحلة الرضى المطلوب سواء على صعيد المؤسسات القريبة من القصر، او على صعيد الشارع الشعبي، مع استثناء رضى مجلس النواب المرهون بصفة دائمة بما يحققه أعضاؤه من منافع تصب في قنواتهم الشخصية كنواب ليس إلا، الا اننا نعترف بأن تقولات (الانفصام السياسي) الموجهة ضده لا تلغي حقيقة تمتعه بالحنكة السياسية في تعاطيه كرئيس للحكومة في الشأن الداخلي إصلاحيا وأمنيا، بالموازاة مع حرفيته في التعامل مع الظرف السياسي الاقليمي التي ترجمها حراكه المتواتر في لقاءات وزيارات مكوكية لدول الجوار. ولا يخفى كذلك من أنه وعلى الرغم من حالة القلق البادية على الهيكل الحكومي وعلى رئيسها بما يتعلق بالمهلة المحتملة لبقائها، فإن ثمة صورة في الشارع الاردني تعكس بصورة ما ارتياحا شعبيا لشخص الرئيس وعدم قناعة بعدد من أعضاء فريقه الوزاري قبل وبعد التعديل، سيما مع استمرار صور عديدة من البيروقراطية المتجذرة والتي طغت على المشهد الحكومي في مجمل ادائه وانجازاته الضئيلة في ظل تحكّم فئة بعينها بصنع القرار الحكومي لما يخدم منافعها إزاء "سخط" واضح من الرئيس الذهبي الذي يجابه بـ"التطنيش" من قبل نخبة سياسية ترتبط مصالحها ونفوذها بمن يمارس السلطة ويمسك بأدواتها في الطاقم الحكومي، بالموازاة كذلك مع جهد موصول من قبل الذهبي في مسار الإصلاح السياسي بهدف صون سياسات وأدوات ممارسة السلطة، وتدارك / إستعادة هيبة الدولة التي يصر بعض فريقه الحكومي على تهميش خطورتها بفعل انعدام الرؤية الحكومية لديه .
وعلى ما يبدو فإن السجال تحول من منبر المعارضة والعارفين ببواطن الامور ضد الذهبي وفريقه الحكومي الى سجال مكشوف بين الرئيس الذهبي وبعض وزراء حكومته ممن يغردون خارج السرب الحكومي، ولا زال الذهبي في موقفه كرئيس للوزراء مع العمل الجاد باتجاه أولويات الأردن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وضد سياسات ترحيل الأزمات التي تهدد أداء وشكل حكومته، وتمس كذلك مصداقية الخطاب الرسمي حيال التحديث والاصلاح الذي بدأه الرئيس الذهبي منذ نحو العامين من عمر حكومته وحتى الان .
السيرة الذاتية للرئيس الذهبي :
بدأ حياته المهنية في سلاح الجو الملكي الأردني، ثم أصبح قائد سلاح الجو الملكي الأردني ثم ترأس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية في الفترة الممتدة من 1994 إلى 2001 قبل تعيينه وزيرا للنقل (2001 - 2003)، وكان قد ترأس في العام 2004 منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، لحين تكليفه بتشكيل الحكومة الحالية في تشرين الثاني 2007.
تخرج من كلية الحسين بعمان في عام 1969، وأتبعها بـ بكالوريوس هندسة الطيران من اكاديمية السلاح الجوي اليونانية 1982عام، ليحصل بعدها على شهادة الماجستير الهندسة الجوية من معهد كرانفيلد للتكنولوجيا ، بريطانيا عام 1987،وماجستير إدارة الاعمال من جامعة اوبورن بالولايات المتحدة.
خالد الرواضيه
موضوع: رد: الذهبي الرقم الاصعب في الواجهة الحكومية ! 5/5/2011, 11:16
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
theredrose
موضوع: رد: الذهبي الرقم الاصعب في الواجهة الحكومية ! 5/5/2011, 14:56