سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم هذه الأمة بخير المرسلين ، أرسله رحمة للعالمين وجعله حجة على الخلق أجمعين .
جمله بأحسن الآداب وأجمل الصفات ، فله من الأخلاق أحسنها ، ومن الآداب أسناها ، ومن الفضائل أزكاها وأعلاها .
قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها : كان خلقه القرآن
أدبه ربه فأحسن تأديبه ، فوصل إلى أعلى الخصال وأسماها ، ثم بعثه ليتمم مكارم الأخلاق كما قال صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
هذا الرسول الكريم هو الذي علم هذه الأمة الآداب ، فحق على هذه الأمة أن تتأدب معه بأحسن الآداب
وقد أشار الله إلى ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى :
( يا أيها اللذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله )
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : هذه آيات أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين ، فيما يعاملون به الرسول من التوقير والاحترام ، والتبجيل والإعظام فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله )
أي لا تسارعوا في الأشياء بين يديه أي قبله ، بل كونوا تبعا له في كل الأمور
هذا وإن الآداب التي يجب على المؤمن معرفتها في حق النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة منها :
1- أن يطاع فيما أمر ، وأن يجتنب ما نهى عنه وزجر ، وان يعبد الله بما شرع لا بالأهواء والبدع قال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا )
2- أن يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم مكانته التي أنزلها الله إياها فيعتقد أنه عبد الله ورسوله كما قال تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ) فسماه عبدا
وسماه رسولا كما قال تعالى ( محمد رسول الله )
ومقتضى ذلك : أن يعتقد العبد أن الواجب في حقه شيئان "
1- أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد فلا يعطى شيئا من خصائص الألوهية ، فلا يدعى مع الله ولا يستغاث به ، ولا يستعان به لأنه عبد مربوب بلغ في العبادة أعلى مراتب العبودية كما قال عن نفسه ( إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا )
2- أن يعتقد أنه رسول أرسله ربه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأتم الله به النعمة وأقام به الملة
3- أن لا يقدم على حبه أحدا كائنا من كان لا ولدا ولا والدا ولا زوجة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما )
ولازم هذه المحبة ان يوقر وأن يطاع وأن يبجل وأن يحفظ حقه وأن يكرم وأن يعظم أمره ونهيه
كما قال تعالى ( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون )
4- موالاة من والاه رسول الله ، وبغض من أبغضه رسول الله ، والرضا بما كان يرضاه رسول الله ، والغضب لما كان يغضب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنحب الطاعات وأهلها ، ونبغض المعاصي وأهلها ، ونحب كل من وجدت فيه صفة أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
5- إجلال اسمه وتوقيره عند ذكره والصلاة والسلام عليه عند ذكره
قال تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
أخرج الترمذي عن أبي بن كعب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل ، قام فقال : يا أيها الناس اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه قال أبي : يا رسول الله : إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ما شئت قلت : الربع ؟ قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ، قلت : فالنصف ؟ قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك . قلت : فالثلثين ؟ قال : ماشئت ، فإن زدت فهو خير لك . قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : إذن تكفى همك ، ويغفر لك ذنبك )
6- خفض الصوت عند قبره وفي مسجده
قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )
وهذا الأدب في حياته صلى الله عليه وسلم كما حصل ذلك مع ثابت بن قيس
أن النبي افتقده فقال رجل : يا رسول الله : أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له الرجل : ما شانك ؟ فقال : شر . كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار
فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا ، قال : اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة )
وقد قتل هذا الصحابي في يوم اليمامة عندما رأى بعض الانكشاف في صفوف الصحابة فجاء وقد تحنط ولبس كفنه وقال : بئسما تعودون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه .
7- تصديقه في كل ما أخبر به من الحوادث التي وقعت والتي لم تقع ، وأن يعلم العبد أنهه صدق وحق وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا بوحي كما قال تعالى ( إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى )
8- أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في أقواله وأفعاله وفي سمته وهديه ولباسه وفي شأنه كله لأن النبي صلى الله عليه وسلم مدحه ربه بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم )