امتصاص الدواء
Pharmacokinetic الحركة الدوائية
يعني مصطلح الحركة الدوائية Pharmacokinetic حركة الدواء في الجسم، والتي
تتضمن كل من عمليات الامتصاص، والتوزيع، والتمثل الغذائي، والإخراج، وكل
هذه التغيرات تتحدد بالخصائص الفيزيائية والكيميائية للدواء، والتي تسمح له
بالمرور عبر جدران الخلايا لإعطاء التأثير المطلوب. وفيما يلي عرض هذه
المراحل.
أولاً: امتصاص الدواء Drug Absorption:-
للحصول على التأثيرات الفعالة للدواء يجب أن يصل العقار إلى أنسجة الجسم
سواء كانت هذه الأنسجة سطحية أو عميقة. وأبسط الطرق التي تؤدي بالعقار إلى
التلامس مع أنسجة الجسم هي الاستعمال الموضعي، ومع ذلك فهناك العديد من
أنسجة الجسم لا تصل إليها الأدوية بهذه السهولة، ولذلك وكما سبق وشرحنا قد
يكون تأثير الدواء موضعياً، أو عاماً، وهذا التأثير العام لا يمكن أن يحدث
إلا بعد أن يتم امتصاص الدواء، فكيف تتم هذه العملية؟
تتم عملية الامتصاص بمرور الدواء عبر غشاء أو جدار الخلية الذي يتكون كما
هو معروف من مجموعة من الجزيئات العضوية الدهنية التي تحتوي على الفوسفور
ومن ثم تسمى بالفوسفوليبديات Phospholipids بالإضافة إلى جزيئات البروتين،
وهذا الجدار يتميز بخاصية هامة هي خاصية شبه النفاذية Semi permeability
التي تسمح لبعض المواد بالنفاذ من خلاله سواء إلى داخل الخلية أو إلى
خارجها. وينتقل الدواء عبر أغشية الخلايا بعدة طرق: منها الانتقال السلبي
أي الانتقال من المناطق الأكثر تركيزاً إلى المناطق الأقل تركيزا. أو
الانتقال الفعال أو النشط حيث تدخل الأدوية إلى الخلية أو تخرج منها عن
طريق وجود حاملات خاصة موجودة في غشاء الخلية.
وكما ذكرنا من قبل فإن الأدوية التي يتم تناولها عن طريق الفم يتم امتصاصها
جزئياً في المعدة عبر بطانتها، وتتوقف درجة امتصاص الدواء في هذه الحالة
على مجموعة من العوامل نوجزها فيما يلي:-
1- الخواص الفيزيائية والكيميائية للدواء، فالأدوية التي تذوب في الدهون تختلف في سرعة امتصاصها عن تلك التي تذوب في الماء.
2- كمية الطعام الموجود في المعدة ونوعيته، ويعمل الطعام على تخفيف الدواء
من ناحية، كما يعتبر حاجزاً يحول بين العقار وسطح المعدة مما يقلل عملية
الامتصاص. كما أن الطعام عادة ما يستمر في المعدة لقرابة الساعتين قبل أن
ينتقل إلى الأمعاء، وبالتالي يتأخر استكمال عملية الامتصاص في الأمعاء.
3- صورة العقار (شراباً أو أقراصاً)، فالشراب أسرع امتصاصاً من المواد
الصلبة التي يتطلب امتصاصها تكسيرها أولاً وذوبانها لتصبح في صورة سائلة.
4- درجة حمضية المعدة أو ما يسمى بالـ (PH)، فالأدوية الحمضية الضعيفة
تمتص بشكل جيد من المعدة، بينما تمتص الأدوية القلوية الضعيفة من الأمعاء.
وتعتمد درجة حمضية المعدة على كمية العصارة المعدية (حمض الهيدروكلوريك)
وعلى الخصائص الكيميائية للدواء.
5- وجود أدوية أخرى في المعدة، إذ قد يمنع أحد الأدوية امتصاص دواء آخر، أو تتكون ترسبات من الأدوية نتيجة تفاعلها.
وعادة ما يتم امتصاص معظم الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم –باستثناء
الكحوليات- في الأمعاء الرفيعة، وبعدها يدخل الدواء إلى الدورة البابية
الكبدية Portal circulation عن طريق الوريد الكبدي البابي حتى تصل إلى
الكبد، حيث تتم عمليات التمثيل الغذائي، ومن ثم إلى الدورة الدموية العامة.
أما المواد التي يتم تناولها تحت اللسان فيتم امتصاصها عبر الغشاء المخاطي
المبطن للفم وتدخل إلى الدورة الدموية العامة دون المرور على الدورة
الكبدية البابية، وهو ما يحدث أيضاً للأدوية التي يتم تناولها عن طريق
الحقن الوريدي أو العضلي. وهناك بعض الأدوية التي يتم التخلص منها في
المرحلة الكبدية، ومن ثم لا تتوفر بشكل كبير في باقي أجزاء الجسم، ومن
أمثلة ذلك عقار الكلوروبرومازين، الأمر الذي يتطلب تناول جرعة كبيرة منها
إذا ما أخذت عن طريق الفم مقارنة بالجرعة المستخدمة منها عن طريق الحقن.
ولبعض الأسباب العلاجية قد يكون من الضروري تأخير عملية الامتصاص بهدف
إحداث مفعول واحد منتظم في زمن محدد من ناحية، ولتفادي التغير في تركيز
الدواء في الدم من ناحية أخرى، كما هو الحال في تناول الأدوية الزيتية
(المختزنة) التي يتم تناولها بالحقن العضلي.
وما بين عملية الامتصاص وظهور تأثيرات العلاج الفارماكولوجية تمر فترة
زمنية تسمى بفترة التأخر أو التباطؤ البيولوجي Biological lag وهذا التأخر
يعبر عن الفترة الزمنية التي يتغير فيها الدواء داخل الجسم من مادة غير
فعالة إلى مادة فعالة. وتختلف العقاقير في فترة التباطؤ هذه، فقد تستغرق
بعض الدقائق أو بعض الساعات أو حتى أياماً حتى تعطينا التأثيرات المطلوبة.
ثالثاًً: توزيع الدواء في الجسم Drug distribution
بعد عملية الامتصاص يصل الدواء إلى مجرى الدم سواء بشكل مباشر أو عن طريق
الدورة الكبدية بعد أن تكون عمليات التحولات البيولوجية للعقار قد تمت كما
سبق وأشرنا. وفي هذه المرحلة يتوزع العقار بين السوائل الموجودة داخل
الخلية Intracellular أو الموجودة خارجها Extracellular، ويكون مروره من
الدم إلى الأنسجة مروراً سريعاً. ويتوزع الدواء على أعضاء الجسم ليصل في
النهاية إلى مستقبلاته التي يمارس تأثيره الفارماكولوجي من خلالها. ومعظم
الأدوية تعتمد في تأثيرها على المستقبلات على تركيز السائل المحيط
بالمستقبل. ويصل العقار إلى أماكنه عن بواحد من ثلاثة طرق: انتقال سلبي
Passive diffusion حيث تنتقل جزيئات الدواء من التركيز الأعلى إلى التركيز
الأدنى، وهذه الحالة لا تتطلب أي نوع من الطاقة. أو عن طريق الانتشار
الميسر Facilitated diffusion حيث يرتبط جزيء الدواء بجزيء من البروتين
يعمل على مروره خلال غشاء الخلية حتى يدخلها، ولا يحتاج الأمر إلى أي نوع
من الطاقة، ومن الأدوية التي تمر بهذه الطريقة الدوبامين والمورفين. أما
الانتشار الثالث فيتم بالانتقال النشط Active transport حيث تنتقل جزيئات
الدواء من التركيز الأدنى إلى التركيز الأعلى، وبالتالي فهو انتقال يتطلب
طاقة ليعمل عكس هذا التركيز، كما لو كان يسبح ضد التيار.
ويتحدد توزيع الأدوية عبر أنسجة وأعضاء الجسم المختلفة على التغذية الدموية
الموجود في هذه المناطق، فالأعضاء ذات التغذية الدموية الكثيرة يكون توزيع
العقار فيها أكبر من تلك ذات التغذية القليلة، ويصل تركيز العقار فيها إلى
الحد المطلوب خلال دقائق معدودة. وبعض المناطق توجد بها حواجز تمنع وصول
الأدوية إليها، بما في ذلك المخ أو المشيمة. كذلك يتأثر توزيع الدواء في
الجسم على الخصائص الفيزيائية والكيميائية للدواء.
كما يتأثر توزيع الدواء على مدي قابليته للذوبان في الدهون التي تحدد قدرة
العقار على الارتباط ببروتينات البلازما. كما تؤثر الحمضية (PH) على عملية
التوزيع، فالعقاقير الحمضية تميل دوماً للتراكم في الأماكن التي يكون فيها
معدل الـ (PH) عالياً (أي الأماكن القلوية) بينما تتراكم الأدوية القلوية
في المناطق التي ينخفض فيها الـ (PH) (أي الأماكن الحمضية).
مفهوم حاجز الدم-المخ:
يتحدد وصول العقار إلى المخ بالحاجز المعروف باسم حاجز الدم-المخ Blood-
Brain Barrier الذي يتكون من الشعيرات الدموية للمخ والغشاء العنكبوتي
Arachnoid matter وما تحته، ويعمل هذا التكوين كحاجز بين الدم والسائل
الشوكي CSF الذي يجري بين كل من الأم الجافية Dura matter التي تغطي عظام
الجمجمة من الداخل، والأم الحنون Pia matter التي تغطي سطح المخ. وخلايا
هذا الحاجز مترابطة فيما بينها بدرجة كبيرة، ويغطيها خلايا بينية تسمى
بخلايا جلايل Glial cells ويكاد لا يكون بينها أي مسام للانتشار أو النفاذ،
خاصة بالنسبة للمواد التي تذوب في الماء. وتعمل هذه الخلايا كما لو كانت
نسيجاً واحداً متصلاً لا تمر من خلاله إلا الجزيئات الصغيرة جداً. ومن ثم
يمكن اعتبار هذا الحاجز وسيلة حماية داخلية للمخ تمنع تسرب أي شيء من شأنه
أن يتسبب في ضرر لخلاياه، إضافة لعظام الجمجمة التي تعمل كوسيلة حماية
خارجية.
والعامل الذي يحدد مرور الدواء من هذا الحاجز (أي من الدم إلى السائل
الشوكي) هو مدى ذوبانه في الماء أو في الدهون. فالمواد القابلة للذوبان في
الدهون تمر عبر هذا الحاجز وتصل إلى المخ، بينما المواد الأخرى لا تمر.
وتختلف بالطبع الأوعية الدموية المخية في درجة نفاذيتها من مكان إلى آخر،
فهي أكثر نفاذية في المادة الرمادية التي تتكون من أجسام الخلايا العصبية،
بينما تكون النفاذية أقل في المادة البيضاء التي تتكون من محاور الخلايا
العصبية.
ولحاجز الدم – المخ أهمية خاصة في تأثير العقاقير على المخ وأنسجته،
فالخلايا العصبية خلايا فائقة الحساسية ويتأثر عملها بالمواد التي تصل
إليها، وربما تكون هذه الحساسية الفائقة هي السبب في أن المخ معزول عن
الدورة الدموية العامة عن طريق ذلك الحاجز، الذي يعمل كنظام ترشيح اختياري
يسمح لمواد معينة بالنفاذ ولا يسمح لمواد أخرى، حماية للخلايا العصبية.
ويضع صانعوا الأدوية أهمية خاصة لحاجز الدم – المخ عند تصنيع الأدوية التي
يتطلب عملها التأثير على المخ، إذ يجب أن يوضع في الاعتبار أن تكون
جزيئاتها صغيرة للغاية حتى يمكن اختراقها لهذا الحاجز، أو تكون من النوع
الذي يذوب في الأغشية الدهنية المكونة لجدران خلايا المخ أو خلايا جلايل
التي تحيط بالأوعية الدموية المخية. وفي السنوات الأخيرة تم التغلب على هذه
المشكلة بتصنيع بعض البروتينات المخلقة بالهندسة الوراثية في المختبر،
ونصف هذه البروتينات يتكون من العقار الذي لا يمكنه اختراق حاجز الدم-المخ،
بينما يعمل النصف الآخر كحصان طروادة الذي يقوم بحمل المادة والمرور بها
عبر هذا الحاجز.
- قابلية أنسجة الجسم للارتباط بالعقاقير:-
تجدر الإشارة إلى أن بعض أنسجة الجسم تكون لها قابلية عالية للارتباط بعقار
ما أكثر من غيره، وهذه الأنسجة يكون تركيز الدواء فيها عالياً، بينما
تتوزع بعض العقاقير على أنسجة الجسم بشكل متساو مثل الكحوليات. كما قد
تتراكم بعض الأدوية في العضلات أو العظام أو مناطق الدهون. والعقاقير
القابلة للذوبان في الدهون عادة ما تُختزن في المناطق التي تحتوي على دهون
الجسم، حيث تلعب هذه المناطق كمخازن للعقاقير في الأفراد البدناء. وهذه
المناطق ليست هي مناطق التأثير التي يؤثر فيها العقار أصلاً، ولكنها تساعد
في تحقيق تأثير مستمر للأدوية قصيرة المفعول. ومن أمثلة ذلك اختزان عقار
الثيوبنتال (أحد الأدوية المخدرة) في الدهون.
ويلتحم أو يرتبط العقار عادة ببروتينات البلازما Plasma proteins الموجودة
في الأوعية الدموية والتي تعتبر أيضاً مخازن للعقاقير، وخاصة بروتين
الألبومين Albumin، وهذا الارتباط لا يكون اختيارياً بل حتمياً، ولذلك
تتنافس العقاقير في الوصول إلى أماكن الارتباط هذه. وعندما يرتبط الدواء
بالبروتين لا يكون في حالة نشطة حتى يصل إلى مكان عمله، وبالتالي تعمل هذه
البروتينات عمل المستقبلات الثانوية التي تحمل العقار في صورة غير نشطة،
لتصل به إلى المستقبل الأساسي الذي ستعمل من خلاله. وغالباً ما يبقى من
الدواء ما نسبته 10-20 % غير مرتبط بالبروتين، وهذه النسبة من العقار تكون
حرة وفعالة ونشطة. وإذا ما تشبعت هذه البروتينات بالعقار إلى درجة كبيرة
فإن أي جرعة إضافية من الدواء تؤدي إلى تأثيرات سامة في الجسم.
وتتأثر عملية الارتباط بعدة عوامل منها: عدد الأماكن المتاحة للارتباط على
البروتين، ومدى تركيزه، والقابلية للذوبان في الدهون، وحمضية العقار حيث
ترتبط العقاقير الحمضية بالبروتين أكثر من العقاقير القلوية.
ثانياً: عمليات التمثيل الغذائي للدواء Drug metabolism :-
عمليات التمثيل الغذائي للدواء أو عمليات الأيض هي العمليات التي يتعرض لها
الدواء داخل الجسم وتحدث فيه بعض التغيرات، حيث يتحول بها الدواء من
الصورة الفعالة إلى الصورة غير الفعالة أو الأقل فعالية، وهو ما يسمى
بالتحولات البيوكيميائية Biotransformations. ويعني هذا أن الدواء يتحول
داخل الجسم إلى مواد أخرى -ذائبة في الماء غالباً- يسهل خروجها من الجسم.
وتحدث معظم عمليات التمثيل الغذائي بشكل عام في الكبد عن طريق مجموعة من
الإنزيمات التي تُحدث عمليات الأكسدة Oxidation والاختزال Reduction، وخاصة
الأدوية القابلة للذوبان في الدهون Lipid soluble وهناك بعض الأدوية يتم
تمثيلها في مناطق أخرى كالرئة أو الكلى أو القناة الهضمية، وخاصة الأمعاء.
وتتأثر عملية التمثيل الغذائي للأدوية بالعديد من العوامل، بعضها يرجع إلى
الدواء ذاته، وبعضها يرجع إلى الأفراد، مما يتسبب في وجود اختلافات بين
الأفراد فيما يتعلق بالتحولات البيولوجية للدواء، وتشمل هذه العوامل ما يخص
الأفراد أو ما يخص الدواء ذاته، ويمكن تلخيصها فيما يلي:-
1- العوامل الوراثية التي تحدد مدى ما يتوفر للفرد من إنزيمات، وبالتالي
قد نجد بعض الأدوية فعالة عند مريض ولكنها تفقد فعاليتها عند مريض آخر
تنقصه بعض الإنزيمات اللازمة لعمليات التحول البيوكيميائي.
2- عمر المريض الذي يؤثر فيما لديه من إنزيمات فعالة، فما هو متوفر من
إنزيمات لدى الأطفال يختلف عما هو متوفر لدى كبار السن، بالإضافة إلى كفاءة
الكبد في إفراز أنزيماته، تلك الكفاءة التي تختلف باختلاف السن.
3- وجود عقاقير أخرى يستخدمها المريض قد تتداخل في فعاليتها مع العقار الحالي مما يزيد أو يقلل من كفاءة العقار.
4- وجود بعض البكتريا في الأمعاء قد يؤدي إلى تكسير العقار كما يحدث مع
دواء البنسلين، أو تتسبب الإنزيمات الهاضمة في تكسير الدواء كما في
الإنسولين (الذي يؤخذ عن طريق الحقن).
5- تؤثر أمراض الكبد في عملية التمثيل الغذائي مما يؤثر على معدل التخلص من الدواء، ومن ثم وجوده في الجسم لفترة أطول من اللازم.
6- الخواص الكيميائية للدواء، من حيث قابلية العلاج للذوبان في الماء أو في الدهون.
7- شكل الدواء (شراباً أو كبسولات) وطريقة تناوله.
8- جرعة الدواء.
وتأثيرات الدواء تختلف بين الأفراد بعضهم البعض، ولدى نفس الفرد باختلاف
المرحلة العمرية التي يمر بها، حيث تتغير معدلات التمثيل الغذائي، ويتغير
وزن الجسم، وتتغير المواد الكيميائية بالمخ، وكلها عوامل تغير في تأثيرات
العلاج. فكثير من العقاقير يختلف تأثيرها عند الذكور عن الإناث لاختلاف
التركيب الهرموني، والإنزيمات لدى كل منهما، بل إن التغيرات الثقافية
والمناخية يمكنها أن تغير من تأثير الدواء. كذلك تتأثر المسألة بالتاريخ
الدوائي للفرد حيث يؤثر هذا التاريخ في عمليات التمثيل الغذائي لديه، أو
تُحدث بعض ظواهر التحمل أو الحساسية.
إن أثر الدواء ليس مسألة سحر، أو أنه كبسولة سحرية يتناولها المريض، فدواء
معين قد يؤثر على العديد من أنظمة الموصلات العصبية التي تستخدم نفس
الموصل. ونمط التأثير هذا يمكن أن يتغير بجرعة الدواء، ولذلك فإن معظم
الأدوية لها تأثيرات وأعراض جانبية Side effects ولكن هذه الأعراض يمكن أن
تقل مع الوقت أو مع تعديل جرعة الدواء. وفي بعض الحالات قد تتشابه الأعراض
الجانبية لدواء ما مع أعراض مرض بعينه. والأمثلة على ذلك كثيرة، فبعض
الأدوية المضادة للاكتئاب تُحدث أعراضاً شبيهة بأعراض القلق. ووجود هذه
الأعراض الجانبية يعني ببساطة أن تأثيرات الدواء على المخ ليست تأثيرات
نوعية وإنما تؤثر في مسارات أخرى لا تدخل في العملية المرضية.
رابعاً: إخراج الدواء Drug Excretion
بعد وصول العقار إلى الدورة الدموية العامة وإلى أماكن عمله (مستقبلاته)
تبدأ في نفس الوقت رحلة خروج الدواء من الجسم عن طريق العديد من أعضاء
الإخراج التي تشمل الكليتين اللتين تعتبران الوسيلة الأساسية في التخلص من
معظم الأدوية. وهناك مسالك أخرى تخرج عن طريقها الأدوية تشمل القناة
الصفراوية، والجهاز التنفسي أو اللعاب أو العرق والدموع أو الحليب،
والقولون.
ويعتمد نقص العقار في أماكن تأثيره على العمليات البيوكيميائية التي يتعرض
لها، وعلى معدل خروجه من الجسم. ويعد معدل إخراج العقار من الجسم ذا أهمية
خاصة لتحديد عدد مرات تناوله، فبعض العقاقير يظل في الجسم لفترة طويلة،
ومثل هذه الأنواع لا يحتاج إلى تناوله مرات عديدة، بل إنها قد تؤخذ مرة
واحدة أو مرتين على مدار اليوم. كما أن بعض العقاقير يوجد في صورة مختزنة
لا يتطلب تناولها أكثر من مرة كل أسبوع أو أكثر, أما العقاقير سريعة الخروج
من الجسم فإنها تتطلب أن يتناولها المريض عدة مرات في اليوم للحفاظ على
نسبة تركيز فعالة، ومن ثم الحصول على التأثيرات العلاجية المطلوبة على مدار
اليوم.
وتلعب كفاءة عضو الإخراج دوراً في مدى معدل خروج الدواء من الجسم، فإذا
كانت هذه الأعضاء تالفة (كما في حالات الفشل الكبدي أو الكلوي) قد يتسبب
ذلك في استمرار وجود الدواء في الجسم لفترات طويلة غير مرغوب فيها، ومن ثم
يضع المعالج في اعتباره مدى كفاءة هذه الأعضاء عند وصف العلاج من حيث
الكمية وعدد مرات التناول. ومن ناحية أخرى فقد تتسبب بعض العقاقير في تلف
عضو الإخراج مما يؤدي إلى انخفاض عملية الإخراج بالمعدلات المطلوبة. ونتيجة
لهاتين الحالتين (عدم كفاءة أو تلف عضو الإخراج) تتزايد فرصة حدوث أعراض
سمية من العقار نتيجة تراكمه في الجسم، وهو الأمر الذي يجب وضعه في
الاعتبار عند وصف الأدوية لمرضى الفشل الكبدي أو أمراض الرئة المزمنة.
التفاعل بين الأدوية Drug-Drug Interaction
يحدث في كثير من الأحيان أن تتفاعل الأدوية فيما بينها بما يؤثر على
التأثيرات المرغوبة لكل منها سواء بالزيادة أو النقصان. وينبغي على المعالج
أن يتعرف على طبيعة هذا التفاعل عند وصفه لعقار ما، وأن يتعرف على التاريخ
الدوائي الذي يستخدمه المريض في الوقت الحالي، أو السابق. وتأتي هذه
التفاعلات على هيئة تغيير في الحركة الدوائية لكل دواء، وقد تأخذ التفاعلات
العديد من الصور نوجزها فيما يلي:-
1- زيادة عمل وتأثير الدواء.
2- نقص التأثيرات المرغوبة للدواء.
3- التسبب في مجموعة من الأعراض غير المرغوبة نتيجة استخدام الدوائين.
4- تقليل امتصاص دواء للآخر.
5- تقليل مستوى تركيز الدواء في الدم.
6- سرعة إخراج الدواء من الجسم.
وتحدث عمليات التفاعل بين العقاقير على أربعة مستويات هي: التفاعل عند
مرحلة الامتصاص، والتفاعل في الكيفية التي يعمل بها العقار، والتفاعل على
مستوى مكان التأثير (تفاعل عند المستقبلات)، التفاعل على مستوى التمثيل
الغذائي أو الإخراج.
وعلى مستوى الامتصاص نجد أن مضادات الحموضة مثلاً تقلل من امتصاص مضادات
الذهان. بينما على مستوى التمثيل الغذائي نجد أن مضادات الاكتئاب ثلاثية
الحلقات تزيد من مستوى مضادات الذهان، بينما تزيد مشتقات البنزوديازيبين من
مستوى مضادات الصرع في الدم. كما قد يزيد التأثير المهديء للمهدئات عند
استخدامها مع الكحول.
وعلى مستوى التوزيع وارتباط العقار بمستقبلاته قد تكون هناك قابلية لعقارين
أو أكثر للارتباط بنفس الموقع على بروتينات البلازما، ومن ثم فإن تناول
عقار ما يؤثر بشكل دال على ارتباط عقار آخر بنفس الموقع. وتؤثر نسبة ارتباط
عقار ما بالبروتينات على الكمية الحرة (التي بدون ارتباط) منه. ولذلك
فكلما قلت القابلية للارتباط كلما زادت فرصة وجود العقار بصورة حرة،
وبالتالي يعطي تأثيراً علاجياً أفضل.
وتعتمد استجابة المريض لجرعات مختلفة من الدواء على التفاعل الذي يتم بين
الدواء والمستقبل. وكلما تشبعت كل المستقبلات بالدواء كلما حصلنا على أقصى
تأثير ممكن، وبالتالي فإن تشبع نصف المستقبلات بالدواء يعني الحصول على نصف
التأثير الفارماكولوجي له. ويعني هذا أن الاستجابة تعتمد على مدى قابلية
الدواء للارتباط بالمستقبلات Affinity. وهو ما يتفق ومفاهيم المادة المنشطة
Agonist التي تترك المستقبل من حين لآخر وبسرعة لتسمح بكمية جديدة من
العقار بالارتباط بالمستقبل ومن ثم تنشيطه. أما المادة المضادة Antagonist
والتي ترتبط بالمستقبلات ولا تعطي أي تأثير على الإطلاق، فإنها عادة ما
تترك المستقبل ببطء لمنع عملية التنبيه.