نشأ علي بن زريق البغدادي في مدينة بغداد، حاضرة الدنيا وقبلة العلماء، وموئل الشعراء
والأدباء ، وترعرع في ربوعها، وتقلب على ضفتي دجلة ، متنقلاً بين الكرخ والرصافة، يقرض الشعر ويبثه بين الناس، وفي المنتديات الخاصة والعامة، حتى ذاع صيته وانتشر شعره . إلا أن معظم ذلك الشعر لم يدون في سفر أو يحفظ في ديوان، لسبب لم يذكره أحد، لذا لم يصلنا منه إلا القليل، الذي لايعبر التعبير الكافي عن عبقرية هذا الشاعر وتمزيه في مجال النظم وقول القريض. ولعل جل ماعرف عنه أنه صاحب العينية الشهيرة، التي أبدع الشاعر في نظمها وحبك نسيجها، بمفردات مشرقة سارت على الألسنة مسرى الأمثال، ومطلعها: لاتعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه عاش الشاعر في أواخر القرن الرابع الهجري ، حياة الغريب الضائع، لكثرة ماعانى من خداع الناس ومكرهم، ملأ الأسى نفسه وضاق ببغداد، وأزمع الهجرة الى الأندلس، تلك الأرض القصية الحلوة، والأمل يحدوه بحياة صافية لاحقد فيها ولامكيدة، ومضى الى غربته تحف بركابه الأحلام، وفوجىء في الأندلس بما لم يكن يتوقع، وفتح عينيه على فساد أدهى وأمر، فشل في اصلاحه في بلاده، فكيف إليه السبيل هنا، وهو الوحيد الغريب، فشط به الخيال الى بغداد وتاقت نفسه الى تلك الربوع، حيث استودع هناك ، أحبته فأنشد: استودع الله في بغداد لي قمراً بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وإني لاأودعه وكم تشفع بي أن لاأفارقه وللضرورات حال لاتشفعه وكم من تشبث بي يوم الرحيل ضحى ، وأدمعي مستهلات وأدمعه وقد وفق الشاعر في التعبير عن هذه الحالة الانسانية ،وكذلك أجاد في قوله: أعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته كذاك من لايسوس الملك يخلعه ومن غدا لابساً ثوب النعيم شكر الإله فعنه الله ينزعه وامضى ابن زريق حياته في الأندلس مغبوناً، يعمل في خان أندلسي يجتر أحزانه،، ويندب غربته حتى لقي وجه ربه، وفي مقتبل العمر وزهوة الشباب، غريباً تائهاً، لم يشيعه لمثواه الأخير قريب ولارفيق، ولم تدمع لموته عين خل أو نسيب