إستخدامات الأنابيب النانوية هي أشد قساوة من الفولاذ، لكن الاستخدامات الأكثر أهمية لهذه الجزيئات الماكروية الشبيهة بالخيوط قد تكون في الأدوات (النبائط) الإلكترونية الأسرع والأكثر كفاءة وتحملاً. منذ نحو عشر سنوات، لاحظ S. إيجيما حين كان جالسًا أمام المجهر الإلكتروني في مختبر الأبحاث الأساسية التابع للشركة NEC في تسوكوبا باليابان، للمرة الأولى، خيوطًا غريبة نانوية الأبعاد(1) متمددة في لطخة من السناج (السخام). وسرعان ما صارت هذه الجزيئات الماكروية، الرفيعة البديعة والطويلة بشكل يثير الإعجاب، تعرف بالأنابيب النانوية nanotubes، وصارت هدفًا للدراسة العلمية المكثفة.
ربما تستفيد التطبيقات الأكثر أهمية، على المدى البعيد، من مزايا أخرى من الخواص الإلكترونية الفريدة للأنابيب النانوية. فأنابيب الكربون النانوية تستطيع، من حيث المبدأ، أن تقوم بالدور نفسه الذي يقوم به السيليكون في الدارات الإلكترونية ، إنما على مقياس جزيئي حيث يتوقف السيليكون و أشباه الموصلات الأخرى عن العمل. وعلى الرغم من أن الصناعة الإلكترونية تدفع نحو تقليل أبعاد الترانزستورات في الشيپات التجارية إلى ما دون 200 نانومتر - أي ما يعادل عرض نحو 400 ذرة - فإن المهندسين يواجهون عقبات كبيرة في الاستمرار بهذه النمنمة(التصغير). وخلال هذا العقد، ستبدأ المواد والسيرورات التي أقيمت عليها ثورة الحواسيب في مواجهة الحدود الفيزيائية الأساسية. ولا تزال هناك حوافز اقتصادية كبيرة لتقليص حجم الأدوات (النبائط) أكثر فأكثر، لأن سرعة أدوات الإلكترونيات الميكروية وكثافتها وكفاءتها ترتفع كلها بسرعة بتناقص حجم شكلها الأصغري minimum feature size. لقد أعطت التجارب في السنوات العديدة الماضية الباحثين أملاً بأنه يمكن صنع الأسلاك والأدوات الفعالة التي لا تتجاوز أبعادها عشرات النانومترات أو أقل من ذلك من الأنابيب النانوية ، وبدمجها في الدارات الإلكترونية التي تعمل عندئذ بسرعة أكبر كثيرًا وتستهلك طاقة أقل بكثير من تلك الأدوات الموجودة حاليًا. إن أنابيب الكربون النانوية الأولى التي شاهدها إيجيما في أواخر عام 1991 سميت الأنابيب المتعددة الجدران multiwalled tubes ، فقد احتوى كل منها على عدد من الأسطوانات الجوفاء من ذرات الكربون بعضها متداخل ضمن بعض مثل الدمى الروسية. وبعد سنتين صنع كل من إيجيما وDبيثيون [من الشركة IBM وبصورة مستقلة، أنابيب نانوية وحيدة الجدار single-walled nanotubes كانت مصنوعة من طبقة واحدة فقط من ذرات الكربون . إن كلا النوعين من الأنابيب مصنوع بطرائق متماثلة، كما أن لهما خواص متماثلة عديدة - أكثرها وضوحًا هي كونها ضيقة جدًّا وطويلة. فالتشكيلة الوحيدة الجدار، مثلاً، يبلغ قطرها نانومترًا واحدًا لكنها قد تبلغ مئات النانومترات في الطول.
إن ما يجعل هذه الأنابيب بهذا الاستقرار هو القوة التي ترتبط بها ذرات الكربون بعضها ببعض، وهي أيضًا ما يجعل الألماس بالقساوة التي هو عليها. ففي الألماس تتصل ذرات الكربون لتشكل رباعيات وجوه، أما في الأنابيب النانوية فترتب الذرات نفسها في حلقات سداسية الشكل مثل شبك بيوت الدجاج. ويرى المرء النمط نفسه في الگرافيت ، وفي الحقيقة فإن الأنبوب النانوي يشبه صفيحة (أو عدة صفائح مكدسة) من الگرافيت ملفوفة على هيئة أسطوانة بلا درزات seamlessوليس معروفًا على وجه اليقين الكيفية التي تتكثف بها الذرات لتشكل الأنابيب ، لكن يبدو أنها قد تنمو بإضافة ذرات إلى نهاياتها، تمامًا كما تفعل من تحبِكُ الصوف بالإبرة knitter عندما تضيف غرزًا stitches جديدة إلى كُمِّ القطعة التي تحبكها .
وكيفما كان تشكلها، فإن تركيب أنابيب الكربون النانوية وهندستها يولدان تعقيدًا إلكترونيًّا فريدًا. وذلك ببساطة نتيجة للحجم إلى حد ما، لأن الفيزياء الكمومية أو فيزياء الكم تسود عند المقياس النانومتري . لكن الگرافيت نفسه هو مادة غير عادية إلى حد بعيد. وفي الوقت الذي يمكن أن تصنف فيه معظم الموصلات الكهربائية إما معادن أو أشباه موصلات ، فإن الگرافيت هو أحد المواد النادرة المعروفة باسم أشباه المعادن semimetals، وهو متوازن توازنًا مرهفًا في المنطقة الانتقالية بين الاثنين. فإذا جمعنا الخواص شبه المعدنية للگرافيت مع القواعد الكمومية لمستويات الطاقة والموجات الإلكترونية، فإن أنابيب الكربون النانوية تبرز كموصلات غريبة حقًّا. تشبه الأنابيب النانوية المستقيمة قطعة مستوية مقطوعة من صفيحة من الگرافيت وملفوفة على هيئة أنبوب .إن هندسة الأنابيب النانوية تحصر الإلكترونات في عدد قليل من الشرائح المختارة للحالات الطاقية للگرافيت . واعتمادًا على قطر الأنبوب، يمكن لإحدى هذه الشرائح أن تحوي المسار الضيق الذي يصل الإلكترونات بحالات الموصلية. وتدعى هذه النقطة الخاصة نقطة فرمي Fermi point ، وهي تجعل ثلثي الأنبوب النانوي معدنيًّا. أما إذا كان الوضع غير ذلك وأخطأت الشرائح نقطة فرمي فإن الأنابيب النانوية تصبح شبه موصلة.
أنابيب نانوية مفتولة، مقطوعة بزاوية من الگرافيت (في اليمين). وتكون شرائح حالات الطاقة المسموح بها للإلكترونات مقطوعة بالمثل بزاوية، والنتيجة هي أن نحو ثلثي الأنابيب المفتولة تخطيء نقطة فرمي، فهي أشباه موصلات .
وعلى سبيل المثال، فإن إحدى قواعد العالم الكمومي هي أن الإلكترونات تسلك سلوك الموجات ، كما تسلك سلوك الجسيمات ، وتستطيع الموجات الإلكترونية أن تقوي بعضها بعضًا أو أن تلغي بعضها بعضًا، ونتيجة لذلك، فإن إلكترونًا يمتد حول محيط أنبوب نانوي يستطيع أن يفني نفسه تمامًا؛ وعليه فإن الإلكترونات ذات الطول الموجي الصحيح فقط هي التي تبقى. فمن بين جميع الأطوال الموجية الإلكترونية الممكنة، أو الحالات الكمومية quantum states المتوفرة في صفيحة مسطحة من الگرافيت ، لا تبقى إلا مجموعة فرعية صغيرة subset عندما نلف تلك الصفيحة لنصنع منها أنبوبًا نانويًّا. وتعتمد تلك المجموعة الفرعية على محيط الأنبوب النانوي، كما تعتمد على ما إذا كان الأنبوب النانوي مفتولاً.