الطلاق مشكلة لها طابع الخصوصية، وفي الوقت نفسه يتعدى تأثيرها الفرد ليشمل المجتمع ككل، فأطراف العلاقة المتضررون من الطلاق يلحقهم الأذى النفسي والمعنوي لفترات طويلة، مما يترتب عليه خلل في التركيبة الشخصية لبعض أفراد المجتمع، فقد أضحت ظاهرة الطلاق مشكلة واضحة في مجتمعاتنا حتى وصلت نسبة الطلاق في بعض دولنا إلى 30%، فهل الطلاق سلاح يبرزه الرجل لبسط نفوذه ولإثبات رجولته؟ وهل يطلق الرجل متى أراد لمجرد الطلاق؟ وما هي دوافع الطلاق في مجتمعنا؟
من هنا كان من الضروري التصدي لهذه المشكلة ومحاولة وضعها في إطارها العملي الصحيح تمهيداً لطرح حلول تخفف نوعاً ما من نسبة الطلاق التي زادت في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة.
زوجة أم سيارة ؟
تأسف د. آمال عبد الرحيم من كلية الآداب قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق لانتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع السوري حتى بين المثقفين "فنجد الرجل لأتفه الأسباب يقسم بالطلاق على زوجته وكأن الرجولة في تطليق هذه المسكينة وهدم حياتها الأسرية، فمثلاً زميل لنا أستاذ جامعي ذهب في رحلة عمل لإحدى دول أوروبا وهناك تعرف على فتاة أوروبية وتزوجها وجلبها معه لبلده ومن ثم طلق زوجته ذات الثلاثة أولاد لماذا؟ فقط لمجرد التغيير، لأنه أراد استبدال أخرى بها، وكأن المرأة أصبحت كالسيارة أو الأثاث تستبدل من فترة لأخرى، فظاهرة الطلاق أصبحت منتشرة لمجرد الطلاق ولا تنحصر في فئة معينة بل هي موجودة في كل الطبقات بل ربما هي بين المثقفين أكثر منها بين عوام الناس".
استقلالية المرأة والطلاق !
وتقول د. آمال لوحظ أنه كلما زادت استقلالية المرأة ونعني بها الاستقلال المادي زاد طلبها للطلاق؟ ولو رجعنا إلى وضع المرأة قديماً نلاحظ أن نسبة الطلاق كانت قليلة لا تعني استقراراً أو سعادة في أغلب الأحوال، ولكن المرأة كانت تفكر إذا طلبت الطلاق فإلى أين تذهب؟ ومن ينفق عليها، وكانت نظرة المجتمع لها قاسية لذلك تراجع نفسها وتروضها على حياة قد لا تكون سعيدة فيها خوفاً من مستقبل لا تبدو ملامحه واضحة، أما مع مواكبة الحضارة وتحقيق استقلاليتها أصبحت أكثر جرأة في طلب الطلاق إذا ساءت الحياة بين الطرفين، دون الحاجة إلى رجل لا تستطيع أن تحقق معه سعادتها.
الأطفال أولاً
وللأسف يوجد الآن الكثير من الرجال والنساء حالياً يلجؤون إلى الطلاق لأسباب تافهة لا معنى لتضخيمها لتصل إلى حد الطلاق، وأثبت مركز للإحصاءات القضائية أن أكبر نسبة للطلاق تكثر في السنوات الأولى وخاصة السنة الأولى من الزواج حيث يحاول كل من الزوجين إثبات ذاته ويرفض أي تنازلات، على اعتبار أن أي تنازل يترجم على أنه نوع من الضعف الذي يرفضه كلاهما في البداية، وبتتالي الحياة ومجيء الأطفال تنخفض النسبة فكلما زاد عدد الأطفال كلما انخفض عدد الطلاق فتشير الإحصاءات عند وجود طفل واحد وتكون النسبة 25 % ومع وجود طفلين تكون النسبة 17 % وهذا مؤشر على تخفيض نسبة عدد الطلاق.
مراهقة الأربعين
هل للمرحلة الثانية من عمر الزواج (مراهقة الأربعين) دور في الطلاق؟
لم تلاحظ أي دراسة تشير إلى هذه العلاقة بزيادة نسبة الطلاق، ولكن بالتأكيد يوجد بعض الأزواج ومع ارتفاع مستواهم المادي يلجؤون إما إلى الطلاق أو إلى التعدد الذي لا داعي له سوى أن المال وفير، فليجأ للزواج بأخرى لتتناسب مع مكانته ووضعه الاجتماعي، ففي سوريا مثلاُ يقبل على الزواج 45 % من المطلقين و 30 % من المطلقات، وفي مصر يقبل على الزواج 50.3 % من المطلقين مقابل 56.4 % من المطلقات وفي الخليج يقبل على الزواج الثاني 79 % من المطلقين و 29 % من المطلقات، وتكثر في مجتمعاتنا العربية ظاهرة زواج صغار السن من الفتيات من رجال كبار السن حتى لتصل أحياناً إلى 9 % في بعض الدول.
المطلقة معاناة وتنازلات
هل ما زالت المرأة الشرقية تعاني من إطلاق لقب مطلقة عليها ؟
نعم إلى حد كبير أعتقد أن المرأة العربية تخاف من كلمة مطلقة ولا يمر عليها حدث الطلاق بشكل عادي بل جرت العادات على أن تساند نساء الحي المطلقة ويقفن إلى جانبها بعد طلاقها لتخفيف هذه المصيبة التي لحقت بها، وتشعر المطلقة إلى الآن في مجتمعنا بالوحدة وبأن الجميع لم يعد يرغب بها، ومازالت تعامل بشيء من الدونية وكأنها مخلوق ناقص أو به عيب، حتى عندما يتقدم لها رجل خاطباً إياها فلا بد أن يكون أرملاً أو مطلقاً أو مرفوضاً من قبل من هي بكر، كأن يكون مريضاً أو به عاهة ما، وتعامل على أساس القبول به فقط وليس من حقها الرفض أو الاختيار فطلاقها نقطة ضعف يقلل من شأنها في المجتمع فيكون لها رد فعل عكسي تحت ظروف نفسية بيولوجية وعضوية إلى أن تقبل البديل ولو على حسابها.
آثار خطيرة
وعن آثار الطلاق الخطيرة على بنيان الأسرة والمجتمع تقول د. آمال : لا شك أن للطلاق أثاراً سيئة ومدمرة على المطلقة من النواحي النفسية والاجتماعية وبخاصة إذا كانت غير متعلمة ولا تستطيع الاعتماد على ذاتها من الناحية الاقتصادية، ولو كانت مستقلة يعطيها راحة نفسية تحسب معها بأنها ليست عالة على أهلها إلا أنها تظل متشائمة ومحبطة لا حيلة لها. أما على الأطفال: فهم أكثر تضرراً وخاصة أنهم في طور التكوين، فتنعكس على نفسياتهم، فقد يترتب على ذلك أن ينشأ الطفل وهو كاره للعلاقة الزوجية، ويذهب الأطفال في كثير من الأحيان ضحية الزواج الفاشل فينشؤون موزعين جسمياً ونفسياً وعقلياً بين الأب والأم مما يسبب لهم صدمات نفسية حادة، مثل كره الأبوين والحسد تجاه من يعيشون حياة الاستقرار وحب السيطرة والتملك والسادية، ويصبحون في العادة مجموعة من العقد النفسية.
نصائح لراغبي الزواج
ولتفادي ارتفاع نسب الطلاق، ومن أجل الاستمرار والنجاح في العلاقة الزوجية تنصح الدكتورة آمال عبد الرحيم بضرورة معرفة كيفية اختيار القرين المناسب والمقارب في الميول والصفات الشخصية والقيم والمبادئ والدين، فكلما تقاربت وجهات النظر أعطى هذا مؤشراً على نجاح العلاقة الزوجية إذ لا بد من توافقات في اختيار الطرف الآخر والتوافق في العمر بين الزوجين والتوافق في المستوى الثقافي فلا يكون أحدهما جاهلاً والآخر متعلماً ، كذلك التوافق في المستوى الاجتماعي، وبذلك نبني زواجاً ناجحاً على أسس علمية صحيحة.
الطلاق والزواج المبكر
وعن إمكانية تقليص نسب الطلاق في المجتمعات تقول د. آمال: معالجة وتقليل نسب الطلاق تكمن في تفادي أسباب الخلل بين الطرفين والتفاوت فيما بينهما، ومن خلال بحث اجتماعي قمت به عام 1999م على عينة في العاصمة السورية وريفها، أستطيع القول: إن من أهم أساب الطلاق كان الزواج المبكر ما بين 17-21 بالنسبة للشاب و 12-18 للفتاة نسبتهم 56.7 % في دمشق وريفها، أما سوء الاختيار حيث دلت الدراسات أن معظم الأفراد للعينة ونسبتهم 77 % منهم اختاروا بطريقة تقليدية أي أن الأهل هم من اختار لهم الشريك الآخر، مقابل 23 % منهم اختاروا بطريقة معاصرة، وكأن الأهل هم يزوجون وهم يطلقون، وكذلك تدخل الأهل والسكن معهم كان له دور في الطلاق. وأما العوامل النفسية كالغيرة وسوء الانسجام العاطفي (الجنسي) وقلة التعليم وكلها أسباب ساهمت في فشل بعض الزيجات، فلا بد من تضافر الأيدي من مستلزمات سكنية للشباب ومساعدتهم وانتشار الوعي والتعليم كلها تسهم في رفع سوية الفرد وجعله عضواً فعالاً في المجتمع ككل.
رأي قانوني
القاضي محمود ونوس تناول موضوع الطلاق من وجهة نظر قانونية حيث أكد أن عقد الزواج من أخطر وأهم العقود لأن له صفة الاستمرارية، والطلاق شرعه الله لحكمة فهو علاج وهو حق للرجل وهو أبغض الحلال إلى الله، وكذلك تستطيع المرأة إذا أحست باستحالة العشرة أن تطلب الطلاق، فالطلاق آخر العلاج وليس أوله، ولا بد أن تسبقه محاولات للتوفيق والإصلاح، وإذا استحكم النفور بين الزوجين ولم تصلح كل الوسائل ولم تنجح فإن الطلاق في مثل هذه الحالة الدواء المر، وللأسف المتضرر دائماً وأبداً من الطلاق هم الأطفال، فيذهبون ضحية لزواج فاشل فيتشردون في دور الرعاية يصارعون ظلمات المجهول، ثم يأتي الضرر على الزوج الذي فقد ماله مع زوجة مستهترة بددت ثروته وأهانت كرامته فليست المرأة الضحية دائماً، وقد تكون المتضررة هي الزوجة التي افترى عليها زوجها وأذاقها ويلات الحياة وخاصة إذا كانت غير متعلمة ونحن نشهد في المحاكم مآسي كثيرة. من هنا يظهر جلياً ما للطلاق من آثار سلبية على جميع أفراد الأسرة ولا يوجد في الطلاق طرف رابح فالكل خاسر فيه.
حكم شرعي
يقول د.مصطفى البغا وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية بدمشق: لا يتنافى الطلاق مع شرع الإسلام، ولكن في نظر الإسلام شر بلاء في هذه الحياة معاشرة من لا يوافقه ولا يفارقه، فأمر الإسلام أن يعالج الزوج إذا كانت الزوجة نابية عاصية بالحكمة والتدرج مع اللين في غير ضعف والشدة في غير عنف وأمر الإصلاح بوضع الحكم للحيلولة دون الطلاق، وهو مكروه فهو أبغض الحلال إلى الله، وقد يكون واجباً في حالة عدم تأدية الزوج للصلاة ويجوز طلبه عند وجود سبب مقنع -عضوي أو نفسي- يستوجب الطلاق وفسخ عقد الزواج، وعن الحل الناجع لمنع انتشار الطلاق يقول د. البغا:
أولاً اختيار ذات الدين بالنسبة للزوج واختيار ذي الدين والخلق بالنسبة للزوجة.
ثانياً: مراعاة شروط اختيار الشريك باختيار سليم وصحيح تتحقق فيه جملة الشروط الموضوعية والذاتية.
ثالثاً: تأهيل المرأة منذ البداية من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية تنشئة صالحة وتعليمها لتتكيف مع الحياة الأسرية ومع العادات والتقاليد وكيفية حل مشاكلها مع الزوج بمنطق العقلانية والمناقشة بالحوار مع الشريك وليست بالتوبيخ ابتداء من الفرد وانتهاء بالمجتمع ككل، وهذا الكلام بالنسبة للجنسين.
رابعاً: لا بد من مشاركة وزارات الإعلام والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية لدراسة هذا الموضوع والخروج بحلول له، ولا بد من مشاركة وزارة العدل في إعادة النظر بالقوانين المرتبطة بالطلاق للحد منه قانونياً حسب الإمكان