ادعت الزوجة أنه طلقها وأنكر الزوج
السؤال:
زوجتي طلبت الطلاق وهي مصممه عليه عن طريق المحكمة ، لأني تزوجت عليها زوجة ثانية ، ولكنها لا تذكر هذا في المحاكم (أعني سبب طلب الطلاق) ، وتدعي بأنني تلفظت بالطلاق عدة مرات ، وهذا لم يحصل أبدا.
علما بأننا متزوجان منذ أكثر من ثلاثين عاما ولدينا ستة أبناء وبنات .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
طلب الزوجة الطلاق عند نكاح زوجها من ثانية ، فيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم 165543
ثانيا :
إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها ، وأنكر الزوج ، فالقول قوله إلا أن تأتي الزوجة ببينة ، وهي شاهدان عدلان .
قال ابن قدامة رحمه الله : " إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله ; لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق ، إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ، ولا يقبل فيه إلا عدلان . ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل : أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق ؟ قال : لا والله . وإنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال , ولا المقصود منه المال ، ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال ، فلم يقبل فيه إلا عدلان ، كالحدود والقصاص .
فإن لم تكن بينة : فهل يستحلف ؟ فيه روايتان ; نقل أبو الخطاب أنه يستحلف ، وهو الصحيح ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ولكن اليمين على المدعى عليه ، وقوله : اليمين على من أنكر . ولأنه يصح من الزوج بذله ، فيستحلف فيه ، كالمهر . ونقل أبو طالب عنه : لا يستحلف في الطلاق والنكاح ; لأنه لا يقضى فيه بالنكول ، فلا يستحلف فيه ، كالنكاح : إذا ادعى زوجيتها فأنكرته .
وإن اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله ; لما ذكرناه ، فإذا طلق ثلاثا وسمعت ذلك ، وأنكر . أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين : لم يحل لها تمكينه من نفسها ، وعليها أن تفر منه ما استطاعت ، وتمتنع منه إذا أرادها ، وتفتدي منه إن قدرت . قال أحمد : لا يسعها أن تقيم معه . وقال أيضا : تفتدي منه بما تقدر عليه , فإن أجبرت على ذلك فلا تزين له ، ولا تقربه ، وتهرب إن قدرت . وإن شهد عندها عدلان غير متهمين : فلا تقيم معه ، وهذا قول أكثر أهل العلم . قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين : تفر منه ما استطاعت ، وتفتدي منه بكل ما يمكن . وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو عبيد : تفر منه . وقال مالك : لا تتزين له ولا تبدي له شيئا من شعرها ولا عريتها ، ولا يصيبها إلا وهي مكرهة . وروي عن الحسن والزهري والنخعي : يُستحلف ، ثم يكون الإثم عليه. والصحيح ما قاله الأولون ؛ لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه ، فوجب عليها الامتناع والفرار منه كسائر الأجنبيات " انتهى من "المغني" (7/ 387).
وذهب بعض الفقهاء إلى أن المرأة لو جاءت بشاهد واحد ، حلّف الزوج ، فإن نكل عن اليمين ، حلفت هي ، وقضي لها بالطلاق ، وهذا موجود في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن المرأة إذا أقامت شاهدا واحدا على الطلاق فإن حلف الزوج لم يقض عليه , وإن لم يحلف حلفت المرأة ويقضى عليه .
قال ابن القيم رحمه الله : " قد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها , وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه والفتوى كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما ; وفي هذه الحكومة أنه يقضي في الطلاق بشاهد وما يقوم مقام شاهد آخر من النكول ويمين المرأة , بخلاف ما إذا أقامت شاهدا واحدا وحلف الزوج أنه لم يطلق فيمين الزوج عارضت شهادة الشاهد , وترجح جانبه بكون الأصل معه ; وأما إذا نكل الزوج فإنه يجعل نكوله مع يمين المرأة كشاهد آخر , ولكن هنا لم يقض بالشاهد ويمين المرأة ابتداء ; لأن الرجل أعلم بنفسه هل طلق أم لا , وهو أحفظ لما وقع منه , فإذا نكل ، وقام الشاهد الواحد وحلفت المرأة كان ذلك دليلا ظاهرا جدا على صدق المرأة " انتهى من إعلام الموقعين (1/ 78).
وفي المدونة (2/ 97) : " قلت : أرأيت المرأة تدعي طلاق زوجها ، فتقيم عليه امرأتين ، أيحلف لها أم لا ؟ قال : قال مالك : إن كانتا ممن تجوز شهادتهما عليه ، أي في الحقوق ، رأيت أن يحلف الزوج ، وإلا لم يحلف . قلت : أرأيت إن أقامت شاهدا واحدا على الطلاق ؟ قال : قال مالك : يحال بينه وبينها حتى يحلف " انتهى .
وهذه المسألة مرجعها إلى المحكمة ، فقد تطالب المرأة بشاهدين ، وقد تكتفي منها بشاهد ، ثم توجه اليمين للزوج ، والمهم أن يعلم الزوجان عظم جناية الكذب في هذا الباب ، لأن كذب الزوج يعني استمتاعه بالفرج الحرام ، وكذب الزوجة فيه استحلال مال زوجها بغير حق ، مع أن لها أن تطلب الخلع إذا لم تحتمل العيش في وجود الزوجة الثانية .
والله أعلم .