اهى المراحل التى مر بها القرءان حتى وصل بين أيدينا
لقد انعقد الإجماع على أن جميع آيات القرءان فى سورها قد كتبت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان ينزل بها
الوحى مباشره وأنها كتبت فى صحف وقد توفى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مطمئن على القرءان معجزته الكبرى
والتى قامت حجه على العرب وعلى العالم فقد روى عن عبد العزيز بن رفيع قال دخلت أنا وشداد بن معقل على ا بن عباس
رضى الله عنهما فقال له شداد بن معقل ( أترك النبى صلى الله عليه من شئ ؟) قال (ما ترك إلاما بين الدفتين ) قال ودخلت
على محمدبن الحنفيه فسألنا فقال( ماترك إلا مابين الدفتين ) ولم يكن يخشى عليه الصلاه والسلام على آيات القرءان من
الضياع لأن الله حفظ القرءان بنص صريح فقال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )وقد ثبتت هذه الآيات كتابه بين
يديه وحفظا فى صدور الصحابه وأذن للمسلمين أن يكتبوا القرءان ولذلك لم يشعر الصحابه بعد وفاه الرسول أنهم بحاجه لجمع
القرءان فى كتاب واحد أو فى حاجه إلى كتابته حتى كثر القتل فى الحفاظ أثناء حروب الرده فخشى عمر من ذلك على ضياع
بعض الصحف وموت القراء فتضيع بعض الآيات ففكر فى جمع الصحف المكتوبه وعرض الفكره على أبى بكرالذى اعترض
فى بادئ الأمر وقال لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟فقال هووالله خير وظل يراجع أبا بكر حتى شرح الله صدر أبا
بكر والذى بدوره عرض الأمر على زيد بن ثابت الذى اعترض أيضا فى بادئ الأمر وظل أبا بكر يراجعه حتى شرح الله
صدره فأخذ يتتبع القرءان كما يقول هو من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجد آخر سوره التوبه مع أبى خزيمه
الأنصارى ولم يجدها مع غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم )حتى خاتمه براءه وظلت الصحف عند أبى
بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر طيله حياته ثم عند حفصه بنت عمر رضى الله عنهم جميعا ولم يكن جمع زيد للقرءان كتابه له
من الحفاظ وإنما كان جمعه له هو جمعا لما كتب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لايضع صحيفه مع صحيفه
أخرى ليجمعها إلا بعد أن يشهد لهذه الصحيفه التى تعرض عليه شاهدان يشهدان أن هذه الصحيفه كتبت بين يدى رسول الله
وفوق ذلك لايأخذ الصحيفه إلا إذا توفر فيها أمران أحدهما أن توجد مكتوبه مع أحد الصحابه والثانى أن تكون محفوظه من
قبل أحد الصحابه فإذا طابق المكتوب و المحفوظ الصحيفه التى يراد جمعها أخذها وإلا فلا ولذلك توقف عن أخذ آخر سوره
براءه حتى وجدها مكتوبه عند أبى خزيمه مع أن زيدا كان يستحضرها هو ومن ذكر معه ومن هذا يتبين أن جمع أبى بكر إنما
كان جمعا للصحف التى كتبت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس جمعا للقرءان وأن الحفظ إنما كان لهذه الصحف
أى الرقاع التى كتبت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس حفظا للقرءان وهذا ماحدث فى عهد أبى بكر الصديق.
ثم فى عهد عثمان ففى السنه الثانيه أو الثالثه من خلافه عثمان قدم على عثمان فى المدينه حذيفه بن اليمان لأنه أثناءغزو
أهل الشام مع أهل العراق لأرمينيه وأذربيجان أفزع حذيفه إختلافهم فى قراءه القرءان فقد كان أهل الشام يقرءون بقراءه أبى
بن كعب وكان أهل العراق يقرءون بقراءه عبد الله بن مسعود فيأتى أهل العراق بما لم يسمع أهل الشام ويأتى أهل الشام بما لم
يسمع أهل العراق فيكفر بعضهم بعضا فغضب حذيفه وواحمرت عيناه وقال والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرنه أن
يجعلها قراءه واحده فركب إلى عثمان وقد حدث بن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفه بن اليمان قدم على عثمان وكان
يغازى أهل الشام فى فتح أرمينيه وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفه اختلافهم فى القراءه فقال حذيفه ياأمير المؤمنين أدرك
هذه الأمه قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصه أن أرسلى إلينا الصحف ننسخها فى
المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصه إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن
بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثه إذااختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ مامن
القرءان فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف ردها عثمان إلى حفصه وأرسل
إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرءان فى كل صحيفه أو مصحف أن يحرق وقد كان عدد النسخ الفى
نسخت سبع نسخ فقد كتبت سبع مصاحف ألى مكه وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وألى البصره وإلى الكوفه وحبس
واحد بالمدينه .
ولذلك فإن عمل عثمان لم يكن جمعا للقرءان وإنما هو نسخ ونقل لعين مانقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو فلم
يفعل إلا أنه نسخ سبع نسخ من النسخه الموجوده عند أم المؤمنين حفصه واستقر الأمر على هذه النسخه خطا وإملاءا وهى
عين الخط والإملاء الذى كتبت به الصحف التى كتبت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل بها الوحى وهى
عينها النسخه التى كان قد جمعها أبو بكر ثم أخذ المسلمون ينسخون عن هذه النسخ ليس غير ولم يبق ألا مصحف عثمان
برسمه ولما وجدت المطابع صار يطبع المصحف عن هذه النسخه بنفس الخط والإملاء .