بين شعب غزة وشعب تونس!!.. د.ابراهيم المنسي

بسم الله الرحمن الرحيم

بين شعب غزة وشعب تونس!!.. د.ابراهيم المنسي







اكاد اجزم ان ثورة الشعب التونسي وإطاحة النظام المريبة من اعجب أحداث نهاية عام 2010 وبداية 2011، وبحسب المعطيات والمنطق الذي دفع الشعب التونسي الى هذا الحراك السريع وتحقيق النتائج الإستراتيجية المذهلة كان الأجدر ان يحدث ذلك في غزة منذ زمن بعيد!! غزة الجائعة، غزة المحاصرة، غزة المصادرة، غزة التي فيها اكثر من 300 الف فلسطيني ليس لهم مسكن، واكثر من 800 الف محرومين من الكهرباء والماء، واكثر من 240 ألف طالب بلا قرطاسية و280 مدرسة مدمرة، ناهيك عن انعدام المقومات الأساسية للحياة، وكذلك القصف اليومي وتقديم الشهداء بالجملة.

ربما كانت حكومة غزة هى الحكومة الوحيدة فى التاريخ الإنساني التى يعانى شعبها الجوع و الفقر الشديد و الأزمات الخانقة التى لا تتحملها طاقة البشر، و رغم هذا لم يثر الشعب عليها، و لم يسقطها، بل لا زال يحملها على الأعناق!! وما كان ذلك الا لأن هذه الحكومة مرتبطة ارتباطا وثيقا مع شعبها، فهي لاتسمح لنفسها ان يدفع الشعب وحده ضريبة الأزمات بل تجدها في مقدمته، تعاني مما يعاني، وتدفع برفاهيتها قبل ان يدفع ذلك شعبها، هي ورموزها فى مقدمة الدافعين لضريبة الصمود، وفي مقدمة المبادرين بالقوت والدم والأبناء،وأزعم ان الحكومة العربية الوحيدة التي لم يهتز لها جفن خائف مما حدث للنظام التونسي هي حكومة غزة.

ان الشعوب العربية اليوم لاترى بان حكوماتها تستحق التضحية والصبر والمصابرة، لأن الحكومات في واد وهم في واد آخر، ولأن الحكومات تتآمر على شعوبها، ولأن الحكومات كذلك اصبحت تتاجر بقوتهم ومستقبل ابنائهم ، فاجتمعت التجارة والإدارة في السلطة، وحل الفساد المستشري كالشلال المنهمر، بحيث افقد قدرة الحكام على صده والوقوف في طريقه الجارف، فهو من صنيع ايديهم، وصدق المثل العربي إذ يقول " جاجة حفرت على راسها عفرت".

في اليونان عندما دعت الحكومة الى التقشف ثارت ثائرة شعبها وكاد ذلك يسقط الحكومة فيها، وفي لبنان عندما انقطعت الكهرباء لعدة ايام في الصيف الفائت قامت انتفاضة نتج عنها سبعة قتلى في اصطدام بين الشعب والجيش، وفي الجزائر يقوم الشبان بحرق انفسهم تعبيرا منهم عن سخطهم على حكوماتهم وحكامهم، وهانحن اليوم نرى تونس بثورتها الطاهرة تطيح بطاغية بسرعة فائقة مبهرة.

إن من أهم مقوِّمات قيام الدولة وقوتها واستمرارها لمدةطويلة، توفُّرُ العدل فيها، وحِرْصُ حكامها على إرساء مبادئه بين الشعوب التيحكموها، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانتمسلمة، وقيل ايضا: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لَيْسَ ذَنْبٌ أَسْرَعُ عُقُوبَةً مِنَ البَغْي وَقَطِيعَةِالرَّحِمِ".

دروس من تونس ودروس من غزة ودروس من هنا وهناك.. تونس تعبر عن قصة نظام فشل فشلا ذريعا مع شعبه، وغزة تعبر عن قصة نجاح جماهيري منقطع النظير، وإننا لم نر من الأنظمة العربية اليوم الا ممارسات الذين فشلوا مع شعوبهم، فسيكون حالهم كحال الأمم التي سبقتهم.

الذكي من يأخذ العبر من قصص الفشل، وياخذ افضل الممارسات من قصص النجاح، ليس باجراءات سريعة كتاجيل قرارات رفع الأسعار، أو تسريع قرارات تنزيل الأسعار، او زيادة الرواتب، أوتقليل عبيء الضرائب، بل بمصالحةٍ وانخراطٍ حقيقيين مع الشعوب، واحترامٍ لإرادة تلك الشعوب وعدم اللهو واللعب بها، والبعد عن استعبادها ، والمحافظة على انسانيتها وكينونتها.