ماذا خسر الأردن باستبعاد النخَب؟!!..د.ابراهيم المنسي

ماذا خسر الأردن باستبعاد النخَب؟!!..د.ابراهيم المنسي


منظومة القيم هي اول ما يُبنى لارتقاء الأمم وهي آخر ما يُهدم لانهيار الأمم، وهي رأس المال الحقيقي الذي لابد ان يصان، لانها الهدف الأول للعدو حتى يسهل عليه اختراق المجتمعات التي يخشاها، واننا نلمس في العقد الأخير حملة شرسة على قيم مجتمعنا الراقية وابعاده عن اكبر مصدر للقيم الا وهو الدين.

ان انهيار منظومة القيم ادى الى ظهور الفساد بشتى انواعه، وبروز الشلليات السلطوية والسيطرة الكاملة للسلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وارتفاع وتيرة العنف الفردي والجماعي الذي وصل الى اعلى مراتب النخب كاساتذة الجامعات، والتفتت الأسري على مستوى العشيرة الواحدة، وبروز ظواهر اجتماعية فاسدة كعبدة الشيطان والمثليين من اولاد الذوات، وكثرة المواليد اللقطاء في حاويات القمامة، وتزايد عدد المدمنين على المخدرات وكذلك عدد المصابين بالإيدز وبوتيرة ملحوظة، وغير ذلك الكثير مما يندى له الجبين.

السبب الأكبر لحدوث هذه الظواهر هو استبعاد النخب الدينية والفكرية والإجتماعية والأكاديمية والإقتصادية والسياسية، وتغول نخب الفساد بشتى انواعها ومستوياتها، والسؤال الذي يجب ان يساله كل من يحب هذا الوطن، ماذا خسر الأردن باستبعاد النخب؟!، لأن الوطن هو الخاسر الاكبر جراء بروز هذه الظواهر الخطيرة.

في المدارس استُبعِدت النخب التربوية والإدارية عن ادارة اكبر معاقل غرس القيم في الوطن، فظهرت الافات التربوية والقيمية على طلابنا كالتدخين وانتشار الرذيلة الأخلاقية المخيفة، مما ادى الى بروز واستشراء ظاهرة المدارس الخاصة الباهضة الثمن التي تثقل كاهل الأسرة الأردنية القلقة على مستقبل ابناءها، والخوف كل الخوف على مستقبل الوطن القائم على هذه الفئة من ابناءه اذا كانو مسلوبي القيم.

في الجامعات استُبعِدت النخب الأكاديمية الرسالية الموجِهة لاسباب وتدخلات امنية تضر اكثر مما تنفع، مما دفع هذه النخب الى البحث عن لقمة العيش خارج الوطن، واستبعدت النخب الطلابية من الإسلاميين عن الإتحادات الطلابية الذين ينادون دوما بالفضيلة ومحاربة الرذيلة، وتطالعنا الموقع الإلكترونية بالأمس عن اعتقال مسؤول كتلة الإتحاد الإسلامي في جامعة التكنولوجيا وذلك لإفشال كتلته الحفل الموسيقي في الروك لفرقة فوول الأمريكية داخل الجامعة والتي تم تنسيقها بين السفارة الأمريكية ورئاسة الجامعة من خلال صلاة استسقاء لاستمطار رحمات الله، وبالمقابل اطلاق سراح المثليين من ابناء الذوات الذين قبض عليهم وهم يمارسون الرذيلة في شارع مكة. ان استبعاد تلك النخب جعل الجامعات اكبر معاقل تعاطي المخدرات والزواج العرفي الذي ينتج اللقطاء في الحاويات، وظهور العنف الجامعي بين الطلبة والطلبة وبين الطلبة والأساتذة وبين الأساتذة والأساتذة احيانا وآخرها اطلاق احد اساتذة الجامعات النار على عميدة كليته.

في المساجد استُبعِدت النخب الدينية المنبرية المؤثرة، واستخدمت المنابر لتعزيز شعارات ظاهرها الوطنية، مما ادى ذلك الى بعد الناس عن الدين وعزل المساجد عن الحياة العامة، ويقول احد الشوعيين مشيرا الى اهمية وخطورة خطبة الجمعة لدى المسلمين ودورها في معالجة الآفات الخطيرة: " لو اعطاني المسلمين خطبة الجمعة لجعلت العالم شيوعيا في اسبوع".

في المؤسسات الحكومية المختلفة تستبعد النخب الكفؤة بسبب الشلليات واللوبيات الإدارية التي تستند على صلتها بمسؤول متجذر او جهاز من اجهزة الدولة الحساسة، مما ادى الى غياب العدالة والشفافية وغياب مبدا الجدارة والإستحقاق بالتالي استشراء الفساد المالي والإداري المدمرين للوطن.

في البرلمان استبُعِدت النخب السياسية والوطنية المؤثرة من خلال قانون ابتر معاق انتج التفتت وغيب الوحدة الحقيقية بين ابناء الوطن ناهيك عن غياب الوحدة بين ابناء العشيرة الواحدة، ومانتج هذا التشوه في مجلس النواب الا بزواج متعدد خاطيء، القوَّام فيه السلطة التنفيذية على سلطتين الأصل فيهما الإستقلال التام والفصل المرن.

كل ذلك واكثر حقق خسارة فادحة للوطن، ولابد من وقفة وطنية جادة تضع سدا امام شلال الخسارة المنهمر، الكل شركاء في بناء ذاك السد، والحكومة تتحمل العبيء الأكبر في كل ماحصل، وعلى المخطيء ان يعترف بخطأه أولا، وهي الخطوة الأولى تجاه الإصلاح الحقيقي، ثم العمل على ستعادة كنز النخب في كافة المؤسسات الإجتماعية والأكاديمية والإقتصادية والسياسية والعسكرية والدينية على اساس شراكة حقيقية ينخرط بها الجميع تحقيقا لرفعة القيم والوطن، علنا نكتب بعد ذلك ماذا كسب الأردن باستبعاد المفسدين؟!!!.