على الرغم من التقدم الذي حصل في شتى مجالات الحياة، وبالرغم من وجود أحكام الشريعة الإسلامية، ووجود القوانين الوضعية إلا أنه لا يزال للعرف العشائري دور بارز في حل القضايا وخاصة ما يتعلق بقضايا القتل، والعرض، والوجه، وذلك يعود للعاداة المتأصلة في مجتمعنا الأردني.
يقول أحد الكتاب في ندوة العرف العشائري:من الأسباب التي أدت إلى نشوء القضاء العشائري ( الضعف الذي حل بالخلافة في أواخر عهدها (1)جعل القبائل البدوية تطمع فيما جاورها وتشن الغارات على المناطق التي تقع على حدود باديتها، وقوي أمر المتنفذين وقطاع الطرق واستأسد من لم يعرف الرجولة ما دام عدد من الأعوان يلتف حوله، ولا يفرقون بين الحلال والحرام كما أوجد هذا الضعف الفوضى في الإدارة حيث دخلت الرشوة إلى الدوائر واصبح للمحسوبيات دور وللمتنفذين سلطان، واختلفت المفاهيم حتى ضاع الحق في ثنايا الباطل، مما جعل بعض الرجال الذين يريدون الإصلاح يرغبون في التخلص من الحكم لما آل إليه).(2)وغني عن القول أن القبائل البدوية في ظل ظروف كهذه وأهمها غياب سلطة عليا تحكمهم ستحكم لعاداتها وأعرافها التي ورثتها عن الأباء والأجداد وأصبحت لها قوة القانون في نفوسها. (3) وأرى إن إرجاع إنشاء قانون العشائر لهذه الفترة بعيد عن الدقة، فمتى كانت القبائل البدوية تخضع لقانون دولة، ولا سيما بعد ضعف سلطان الدولة منذ سقوط بغداد بيد التتار، واستمر هذا الحال إلى العصر الحديث، إذ بقيت هذه القبائل مهملة من قبل الدول المتعاقبة، وليس لها من ضابط إلا أعرافها وقوانينها العشائرية ذات الأصول الشرعية، وما هدتهم إليه عقولهم، ولا غرابة في وجود هذه القوانين لأن أي تجمع إنساني لن تستقيم أموره إلا بوجود قوانين تنظم علاقاته ومصالحه. ومن المعروف أن العرف العشائري في معظمه غير مكتوب، ولا مدون كنصوص يرجع إليها القضاة، وإنما هي أعراف متوارثة عن الآباء والأجداد، وهي ترتبط بالقيم العليا التي يؤمنون بها من أجل حفظ التوازن بين أفراد العشيرة، وتوفير الأمن والاستقرار في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، فقد وجدت عندهم أعراف عشائرية تضبط تفاعلاتهم الاجتماعية من جنايات وجرائم أخرى. والأصل عندهم هو العمل بهذه الأعراف المتوارثة، ومن هذه الأعراف ما تكون رادعة بحيث لا يتكرر مثلها، ولاسيما في قضايا القتل، والعرض، والوجه، والتي يتشددون فيها ولا يتهاونون في ردع مرتكبيها. وبعد نشوء إمارة شرق الأردن بزعامة المرحوم الأمير عبد الله الأول بن الحسين في بداية القرن العشرين تم إصدار قوانين تتعلق بالبدو ومن أبرز هذه القوانين : 1- قانون محاكم العشائر لسنة 1924 م 2- قانون الإشراف على البدو لسنة 1929(1) 3- قانون الإشراف على البدو لسنة 1936م(2) 4- قانون محاكم العشائر لسنة 1936م. 5- قانون تأسيس محكمة الاستئناف لسنة 1936 م.(3)
وقد ظل العمل في هذه القوانين ساري المفعول ترجع إليه العشائر في حل قضاياها إلى سنة 1976 حيث تم إلغاء جميع هذه القوانين بقانون رسمي سمي قانون إلغاء القوانين العشائرية (قانون مؤقت رقم (34) لسنة 1976).
وقد ذكر في المادة رقم (1) منه( يسمى هذا القانون قانون إلغاء القوانين العشائرية لسنة 1976) ويعمل به من تاريخ 16 /6 /1976 (4) وبعد أن تم إلغاء هذه القوانين أصبح اللجوء إلى القضاء العشائري غير ممكن حيث حلت القوانين، والمحاكم النظامية محل الأعراف العشائرية، ومحاكم العشائر (1) وعلى الرغم من إلغاء القانون العشائري، ومحاولة حل جميع القضايا عن طريق المحاكم النظامية، إلا أن العمل به لم يتوقف فعلياً، وذلك لقصور القانون المدني عن حل المشكلات التي تحدث عند العشائر ولا سيما ما يتعلق بالجنايات الكبرى كالقتل، والعرض، والوجه، فإن هذه الأمور تحل عشائرياً أكثر من حلها عن طريق المحاكم المدنية، وما يقال من أن القانون أبقى على القضايا التي تتعلق بالقتل، والوجه، والعرض، واستثناها من قانون إلغاء قوانين العشائر، فإنه لم يصدر قانون يفيد بذلك. يقول العبادي: وتعتبر الدية ذات أهمية اقتصادية، وقرابية، وضبطية، فمن ناحية أنها اقتصادية لأنها تعيد توزيع الثروة بين الجاني والمجني عليه بحيث تقلل من إمكانيات المعتدي، وترفع الآخر، ومن ناحية القرابة لأن كل أبناء الدرجة الخامسة يدفعون ما يترتب عليهم، كما أن كل واحد يأخذ نصيبه من الدية لو كانت على العكس، أما كونها عقابية، لأنها تؤدي إلى إذلال الجاني وخاصة إذا كانت دية مغلظة، أما كونها ضبطية لأن هذه المسؤولية المشتركة تجعل الفرد ينضبط ليكون جزءا من الجماعة حيث يشاركونه فيما لو حصل جريمة تستحق الدية، ويأخذ نصيبه إذا تم دفع شيء إليهم من مال، فالمسؤولية جماعية فلا خيار لهم في التصرف على هواه فهو يضطر للانضباط مع جماعته (2). وفي الحقيقة أن أبناء الدرجة الخامسة لا يتحملون من الدية أي شيء مطلقاً ولا يأخذون منها كذلك، فالذين يتحملونهم فقط الأقارب حتى الدرجة الرابعة، ومقدار ما يتحمله أقارب الدرجة الرابعة قليل إذا قورن مع ما يدفعه من هم بدرجة أقرب إلى الجاني. ويختلف مقدار الدية حسب طبيعة الجناية فقد تصل إلى أضعاف الدية في حالات معينة كقتل المرأة وكذلك القتل في الحالات البشِعة التي يحصل فيها تشنيع بالمقتول وإخفاء للجثة. إن أهم اعتبار يسيطر على عقلية المشرع العشائري في الأمور الجنائية هو المحافظة على كرامة وشرف المعتدى عليه، وعاقلته، وعشيرته، لئلا يستهين الناس بالجنايات، ولئلا تتفاقم المشكلات، مما يؤكد أن العقلية العشائرية تجمع بين الموروث العربي القديم، والتأثر بالأحكام الشرعية، إلا أن موروثها القديم هو الطاغي على عقليتها مما يجعلها أحيانا تتجاوز العقوبة الشرعية وأحياناً تقل عنها.
العرف العشائري عند عرب فلسطين
نجد أن العرف العشائري في بلاد الشام متقارب ومتأثر بعضه بالآخر وأكثر ما يظهر ذلك في جنوب فلسطين، والأردن، وغر ب العراق، وبادية سورية(1). أما الأعراف العشائرية لعرب فلسطين فقد كانت العادة والعرف العشائري مسيطرة في حل القضايا والمشاكل التي تجري في العشيرة علما بأن السلطة القائمة لم يكن لها صله بذلك، وقد كان لشيوخ العشائر الأمر الكبير في تذليل الأمور الصعبة حسب ما هو متبع عندهم من أعراف عشائرية ولا تزال بعض هذه الأعراف حية حتى الآن بالرغم من الاحتلال الصهيوني الغاشم(2). وقد عرف القضاء عند عرب بئر السبع وغيرهم من قبائل بلاد الشام منذ القدم، من أجل حل مشاكلهم، ففي عهد الأتراك شكل مجلس إدارة مؤلف من فريق من موظفي الحكومة، وفريق من شيوخ العشائر، وأعطت الحكومة التركية صلاحية كاملة لهذا المجلس لحل جميع مشاكل البدو في جنوب فلسطين، وفي عهد الانتداب البريطاني شكلت محاكم عشائرية تحل محل مجلس الإدارة بصلاحيات أوسع. ونظراً لقرب قبائل بئر السبع من مراكز الحكم جعل الإدارة العثمانية تتدخل في شؤون القضاء العشائري بخلاف القبائل بعيدة النجعة مثل قبيلة بني صخر(3) الذي لم يخضع قضاؤها وأعرافها لأي مصدر خارجي، وكذلك الحويطات،(4) ولذا فإننا نجد أنه وفي عام 1920 أنبثق عن محاكم العشائر مجلس الدموم(1) لحل المشاكل المتعلقة بالدم والقتل وقد تكون المجلس من أثنين من كل قبيلة من شيوخها المعروفين بحسن السيرة والاستقامة، وهذه القبائل هي "الجبارات، والتياها، والترابين، والعزازمة "حيث اتفق هذا المجلس على أن تكون الدية(333جنيهاً فلسطينيا) ويدفع الدية أهل المدمي- الجاني- إلى أهل القتيل على ثلاثة أقساط(2). ومن الجرائم والقضايا التي تحل عن طريق قضاة محاكم العشائر جرائم الدم، القتل، الزنى، العرض، الخطف،(3) الدية، السرقات، الوساقة،(4) التحقير(5)، التسويد(6)، العداية(7)، تغيير الوسم (8)، تقطيع الوجه(9)،وغيرها من القضايا الصغيرة والكبيرة (10) وقد أخذ العرف العشائري الفلسطيني وخاصة عرب بئر السبع بنظام الدية على اختلاف في المقادير والكيفية بينه وبين العرف العشائري الأردني وسوف نتناول ذلك في بحث مقدار الدية.
(1) الضعف الذي حل بالخلافة الإسلامية في أواخر عهدها بسبب الاستعمار الذي غذى التفرقة بين القوميتين العربية والتركية عن طريقيهودالدونمةوغيرهم، علما بأن الدولة العثمانية حكمت بالشريعة الإسلامية زمنا طويلا، وفتحت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية ونشرت الإسلام في معظم دول اوروبا الشرقية.
(2) بنو صخر: إحدى قبائل الأردن الكبرى، يعود نسبها إلى قبيلة طي، وهاجرت من الحجاز إلى الأردن على فترات متباعدة امتدت من عام 1350م تقريباً، وآخر موجة من هجراتهم عام 1650م، وعاشت منذ القرن الثامن عشر بحالة صراع مع القبائل المهاجرة من الجزيرة، وهي الآن توجد في عدة محافظات من الأردن، إلا أن تواجدها الرئيسي في لوائي الجيزة والموقر، وبلغ تعدادها حوالي 200 ألف نسمة.
(3) الحويطات: قبيلة عربية كبيرة تمتد أراضيها من شمال غرب الحجاز وداخل الأردن، إلى ما وراء معان،
(1) مجلس الدموم: وهو مجلس انبثق عن محاكم العشائر التي شكلت وقت الانتداب البريطاني لحل المشاكل المتعلقة بالدم والقتل . (2) الخطف: وهو قيام شخص ما باختطاف إحدى النساء من أجل الزواج بها والهروب بها عند إحدى القبائل والاستجارة بهم.
(3) الوساقة: حجز مال الغير عنوة من أجل الحصول على حق يدعيه الواسق. (4) التحقير: الاستخفاف وتحقير الآخرين وسبهم .
(5) التسويد: ويقصد به تسويد الوجه، وهو نوع من التعزير والتشهير بصاحب الوجه الذي قصر في تنفيذ ما التزم به، ويقوم بعملية التسويد الطرف المتضرر من هذا القصور. (6) العداية: أخذ ماشية الغير من أجل إقراء الضيف.
(7) تغيير الوسم: الوسم هو علامة توضع على الإبل والمواشي عن طريق الكي بالنار، ولكل عشيرة أو قبيلة وسم خاص يختلف عن غيره، وعند الاستيلاء على شيء من الإبل أو المواشي من الغير يتم تغيير الوسم بوسم آخر حتى لا تعرف ويتم المطالبة بها.
(8) تقطيع الوجه: إخلال الطرف الملتزم تجاه صاحب الوجه بتنفيذ التزامه وبذلك يكون قد ارتكب جريمة تقطيع الوجه .
jistcoirbid
موضوع: رد: الديه في العرف العشائري 21/12/2010, 18:57
على الرغم من التقدم الذي حصل في شتى مجالات الحياة، وبالرغم من وجود أحكام الشريعة الإسلامية، ووجود القوانين الوضعية إلا أنه لا يزال للعرف العشائري دور بارز في حل القضايا وخاصة ما يتعلق بقضايا القتل، والعرض، والوجه، وذلك يعود للعاداة المتأصلة في مجتمعنا الأردني.
شكرا يا وعد جزاكي الله كل خير
Jasmine collar
موضوع: رد: الديه في العرف العشائري 21/12/2010, 20:09
الدية ليست عرفا عشائريا فحسب بل حض عليها رب العزة : ( فديةٌ مسلَّمة الى اهله) و الرسول الكريم وضحها : ( وفيها مائة بعير)
theredrose
موضوع: رد: الديه في العرف العشائري 22/12/2010, 04:27
يسلمو على مروركم المميز بس عندي موضوع شاغلني ولازم الاقيه بهالخصوص
Jasmine collar
موضوع: رد: الديه في العرف العشائري 22/12/2010, 21:20
بانتظار ابداعك عزيزتي
jistcoirbid
موضوع: رد: الديه في العرف العشائري 23/12/2010, 00:14
موضوع: الديه في العرف العشائري 
21/12/2010, 18:00
