البعد الإنساني والمواصفات القياسية
لاشك أن من طبيعة المعايير criteria s الهندسية والإقتصادية السهولة في تطبيقها . ولهذا السبب فإنها تعزز وتدعم تطبيق الحلول القياسية , والمواصفات الموحدة Uniform Standards. ومعلوم أن المواصفات القياسية تمثل مستوى معين أو درجة من الجودة العالية والمناسبة لغرض معين .وبما أن االتقييسStandardization في التصنيع (كالإنشاءات بإنتاج وحدات جاهزة ) يعني تطوير وتطبيق للمواصفات التي تساعد في إنتاج حجم كبير يتكون من أجزاء يمكن أن توصل أوتربط في الحال مع أخرى بدون تعديل ، فإن بناء مشاريع سكنية Appartments حسب مواصفات معينة عادة هو الشكل الإقتصادي للمؤسسات التطويرية الكبيرة وشركات المباني. ولهذا أيضاً تحرص الجهات المنشئة للمشاريع السكنية غالباً أن ينتج عن إختيار الهيكل الإنشائي إنشاءات أكثر إقتصادية. وهذا ما يدفع منفذي كثير من المشاريع لإستخدام الإنتاج بالجملة Mass Production . فإستخدام الإنتاج بالجملة يمَـكِن من التحكم في المنتج النهائي ليأتي وفق المعايير الفنية المرسومة فيحقق طموحات الجهة المخططة الفنية والإقتصادية بسهولة ويسر وأقصر مدة زمنية وأقل تكلفة وأعلى جودة . ولا تقتصرآثار تطبيق المعايير والمواصفات القياسية على السهولة والقدرة على التحكم الدقيق على الجودة الفنية والجدوى الإقتصادية فحسب ، بل وحتى القيمة الجمالية ، إذ يمكن رسم اللوحة المقترحة لشكل المجمع السكني أو الحي جميعه ، بالملامح والأبعاد المختارة والإيقاع المطلوب ، بدقة متناهية أيضاً ،على اعتبارأن مفهوم الجمال صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس إحساساً بالإنتظام والتناغم[] ولهذا يرىMacasai في مؤلفه Housing أنه و بغض النظر عن الشكل الخارجي الذي ينتهي إليه المعماري فإن مبنى الشقق لابد وأن يشكل خارجه إيقاعاً Rhythm . بل أحد رواد الجمال المعماري ( وإن كان ينتقد أعمال العمارة الحديثة ) يرى أن التقييس يمكن أن يكون طريقة أخرى للتعبير عن النظام القوي .فيرى أن الأفكار الخاصة بالأنظمة والطرز والظروف والتقاليد والبيئات المحيطة - ومن خلال توظيفها للتقييس بطريقة غير قياسية - تنطبق على معضلتنا الأزلية الخاصة بالعلاقة بين التقييس والتنويع...إنه الإستغلال الذكي لكل ماهو ظرفي ومحيطي إضافة إلى إدراك التحديات الحتمية التي يفرضها نظام التقييس فالمواصفات والمعايير الفنية تدفع الى صناعة النموذج الواحد والحس الجمالي الواحد أو التابع لجهة تخطيطية أو تصميمية معينة تقريباً. بينما الناس أجناس وجماعات وأفراد تحكمهم قوانين وعادات وثقافات وقيم مختلفة هائلة تناسب كل فئة عن الأخرى المختلفة وتناسب اسلوب حياتهم ومتطلباتهم وراحتهم ،البعيدة عن أحادية الحل . و قد رأينا سلفاً آثار إغفال الجانب الإنساني في القرارات كيف أنه أحدث التغيرالحاد في الأحياء والذي كلف عشرات الملايين وأوجد طابع مختلف كلياً عن الأصل بالرغم من ابداع المعماريين في بعض الوحدات السكنية . فما الحل ؟ أموس رابابورت يرى أننا بفرض الاعتبارات الفنية والاقتصادية فان هذه الاعتبارات تصبح المحدد الرئيسي للتنظيم الحضري وبالتاليل لن يمكن الاستجابة للنواحي الثقافية والاجتماعية. لأن النتيجة المتوقعة من تطبيق الاعتبارات الفنية الاقتصادية هي مخططات –لأحياء – مكررة متشابهة. و بسبب أن المعايير الفنية الاقتصادية سهلة التطبيق فانه يرى أن استخدامها يدفع الى تطبيق الحلول ذات المواصفات القياسية والمواصفات الموحدة Uniform Standards . وفي نفس الوقت توجب البعد عن الحلول المعقدة الملائمة ذات الصبغة الثقافية الاجنماعية المتعددة المتنوعة . أي المتعددة المواصفات . وبالتالي يرى أنه سيكون لدينا ليس الآن مسكن قياسي فقط بل وحي قياسي يمكن انتاجه بالجملة. وهذا لايتناسب مع الحلول التقليدية للمجتمعات المختلفة والتي لا تبرز التنوع في الحلول فقط وعلاقتها باسلوب حياة كل مجتمع بل و تحدد أي عنصر يمكن الغاءه بسهولة وأي عنصر أو تنظيم يمكن أن يبقى. (Rapoport 1980) . وهذه الاعتبارا لثقافية الاجتماعية هي سر روح الحي والمدينة حيث تترك لمستها الانسانية . جميل أكبر يرى أنه "بدون هذه اللمسة الإنسانية فلن تثرى المدينة ولن تحيا، فالمدينة الحية هي التي يشارك جميع السكان في إتخاذ قراراتها مع مرور الزمن" . والتعددية الانتقائية الإنسانية لتحقيق التنوع المطلوب قي النظام الإسكاني والمحافظة على استقراريته ، تؤكدها نظرية Ashby :إن تحقيق الإستمرارية في نظام (مثل الإسكان ) مرهون بأن يكون تنوع نظام التحكم (متخذي القرار) بقدر تنوع النظام المطلوب التحكم فيه (الوحدات السكنية). ولهذا فإن Turner ينبه أن هناك مشاريع (إفتقرت لمثل هذه اللمسة ) لم تنجح مثل Pruitt-Igoeو Fergusleigh Park. حتى ازيلت من الوجودفلم تغير الحي بل أزالته كلياً .وهذه مكلفة جداً تتعارض والأهداف الاقتصادية للمواصفات القياسية . وحينما وضع ترنر حلوله اقترح أنه أياً كان الإسكان فليس المهم ماهو ولكن ماذا يصنع للناس وهذا يقود الى التحكم الذاتي فيه.كما أن الاقتصاد في الاسكان عبارة عن استثمار ذاتي وليس ذو تحكم مركزي وانتاج مصنعي صرف. وهذا يقود الى استخدام التقنية المناسبة للإسكان . كما أن السكان لهم مقدرات مالية محددة .وهذا يقود الى اعطاء مجال مختلف ومتنوع كثيراً لهم ، ينتقوا منه . أو بمعنى آخر تخطيط الاسكان عبر قواعد أو مبادئ وليس قوانين قاطعة محددة لا ثاني لها. ضع القوانين والمواصفات- فقد تكون لا بد منها و ضرورة- لكن إعط فيها مجالاً للانتقاء والاختيار للسكان. الاقتراح هو: إضفاء اللمسة ألإنسانية -أوالمشاركة الانسانية واعطاء السكان على الأقل فرصة في الاختيار والانتقاء من مجموعة متعددة من الطرق أو المواد أو الأبعاد أو....... أو بصيغة أخرى من المواصفات. بمعنى محاولة الاتجاه نحو صناعة قواعد ومبادئ يحلق فيها السكان والمستخدمون ويختاروا ما يناسبهم ويلبى احتياجاتهم وفي نفس الوقت يحافظ على سلامتهم والآخرين وطابع المدينة في أجمل واجهات . فمثلاً نحتاج عزلاً حرارياً للجدار . فلا تفرض نوعاً محددا أو مادة معينة أو بعداً واحدا. بل افتح مجالاً أكبر من مستوى المواد الى الطريقة التي يمكن تحقيق نفس الغرض وفي نفس الوقت توظف الإبداع .دعهم ينفذوا الطريقة التي تناسبهم بشرط أن تحقق الأداء الحراري المطلوب . مثلاً بالتربة أو بفراغ هوائي بين جدارين أو بجدار ستائري مزدوج أو بالبناء تحت الأرض أو- كما هو الدارج والغالب - بمادة عازلة غير ملوثة . أي أعط مجالاً رحباً للناس في الاختيار. نريد عزلا حرارياً هو القاعدة . وطالما عندنا قاعدة فإن لدينا إذا ولا شك ، طرقا عديدة. المقصود أننا نحاول ايجاد مساحة واسعة للمسة الإنسانية عن طريق المشاركة السكانية في القرارات البيئية التي تهمهم . والسبب أن لها دورها الكبير في تحسين البيئة العمرانية . إذ ستحافظ بإذنه تعالى على ثبات طابع المدينة مدة أطول وستساهم في تحقيق أهداف الجهات التخطيطية بشكل دقيق وستعزز النواحي الاقتصادية للمشاريع الإسكانية .وستوفر متطلبات السلامة والأمان للساكن مع إدراكه لأهميتها وضرورتها. وستشجعه للاستثمار في مجتمعه برضا واقتناع . وستثري المدينة بالجمال الفطري. بــقــلـم م.علي عثمان الناجم