السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تدمر والآثارمازالت تدمر عروسة البادية ، ومازالت آثارها من أكثر المواقع الأثرية شهرة في العالم، ولقد وصلت إلى أوج ازدهارها في عصر زنوبيا، وكانت محطة أساسية لقوافل الشرق والغرب، ونالت من روما مكانة رفيعة. فلقد اعترف هادريان باستقلالها المحدود وأطلق عليها اسم هادريانا ثم حصلت على تسمية المستعمرة في عصر الآسرة السيفيرية السورية التي حكمت روما 211-235م.
إن ما تبقى من آثار هذه الحاضرة المتكاملة معمارياً، قد تمت دراسته والكشف عن معالمه وترميمه.
وتتوزع الأطلال فيها على مساحة تتجاوز الـ10كم2 يحيط بها سور دفاعي من الحجر المنحوت، وسور للجمارك من الحجر واللبن، وتتوزع بيوتها حسب المخطط الشطرنجي.
وأهم معالمها المعابد، منها معبد الإله بل وبعلشمين ونبو واللات وارصو ومناة بعل معناه الرب أو السيد ثم الشارع الطويل وقوس النصر والحمامات ومجلس الشيوخ والمصلبة، والسوق العامة، ووادي القبور
وبيوتها الشرقية الطراز ذات الحدائق والأروقة ومئات المدافن ؛ مدافن الأبراج ومدافن البيوت الأرضية والأقبية. سكنها الكنعانيون والعموريون والآراميون منذ 30 قرناً قبل الميلاد، وهم الذين أعطوها اسمها تدمر ، ومعناها الجميلة أو الأعجوبة وتتألف أبجديتها من 22 حرفاً تكتب وتقرأ من اليمين إلى اليسار.
زنوبيا ملكة تدمرزنوبيا ملكة تدمر
اسم زنوبيا الحقيقي "بت زباي"، واسمها الأول أطلقه الرومان ويعني قوة المشتري، وكانت أمها ترجع بنسب إلى كليوباترا في مصر(4)، ولدت زنوبيا في تدمر وتأدبت في الإسكندرية فدرست تاريخ الإغريق والرومان وتخلقت بأخلاق كليوباترا وبطموحها، وكانت امرأة هاجسها المجد والسلطان.
ورأت في أذينة فرصتها لتحقيق هذا الطموح. وكانت تشهد معه مجالس القوم وجلسات مجلس الشيوخ، وهكذا نشأت معه على أهداف واحدة وكان تاج الملك يرفرف فوق رأسيهما في أحلام اليقظة، حتى إذا وصلت إلى المُلك اختطفت يد الغدر زوجها، وبعد أن قُضي على غريمه، اعتلت العرش نيابة عن ولدها "وهب اللات" وقادت الحكم والشيوخ والحروب، كما قادت أعمال الإعمار والبناء، وأكثر الآثار القائمة حتى اليوم في تدمر، يعود الفضل في تشييدها إلى هذه الملكة التي حكمت تدمر منذ اللحظة الأولى التي اعتلى فيها زوجها العرش على تدمر. فلقد كانت بذكائها وقوة شخصيتها قادرة على توجيه الحكم إلى حيث ما ترسم من مجد لتدمر ولسلطتها. وعندما اعتلت العرش كانت لا تخفي رغبتها أن تصبح يوماً إمبراطورة على روما ذاتها، ولم يكن الأمر صعباً، إذ أن أكثر أباطرة روما كانوا قد وصلوا إلى العرش عن طريق نفوذهم العسكري أو السياسي في مناطقهم النائية. وكانت زنوبيا تعد أولادها وهب اللات وتيم الله وحيران لاعتلاء العرش، وذلك بتعليمهم لغة روما وآدابها وتاريخها. واتخذت مظاهر القياصرة فكانت تركب مركبة ملكية تضاهي مركبة القياصرة، رصعتها بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.
كان قيصر روما قد اعترف بوهب اللات ملكاً وبزنوبيا وصية عليه، فقامت أولاً بتوطيد حكمها في تدمر والبادية، وبإقامة الثغور،
مثل حلبية وزلبية، وما زالت آثار الثغرين قائمة حتى اليوم على ضفتي الفرات. وتمت لها السيادة على آسيا الصغرى ومصر.
ولقد عثر على آثار لها في الشاطئ السوري وفي الإسكندرية وبعلبك وقرب دمشق. وكانت زنوبيا تشرف بنفسها على عمليات التوسع والإنشاء. وتنتقل على ظهر فرسها تلبس لباس الرجال، تسوس دولتها بعين لا تنام ولا تغفل، وبعزيمة ترهب الرجال، وعلى الرغم من حجم إنجازاتها الحضارية ومن تحركاتها المجهدة، فإنها لم تنس يوماً حلمها بالتوسع في آسيا ومصر وروما، فلقد وصلت جيوشها إلى بيزنطة في العصر الروماني وقتلت هيراكليون قائد القصر. ثم فتحت الإسكندرية، وكانت روما قلقة جداً من توسعاتها الظافرة، حتى إذا اعتلى العرش في روما "أورليان" سنة 270، وكان قاسياً بطاشاً، مارس أولاً ليناً إزاء زنوبيا فاعترف لها بالنفوذ على الإسكندرية، ثم لم يلبث أن نقض اعترافه واسترجع نفوذه على الإسكندرية بعد عام واحد، في وقت كانت فيه زنوبيا مسلوبة القوى حزناً على وفاة ابنها وهب اللات.
وكان "أورليان" يتابع انتصاراته في آسيا، حتى هدد تدمر، فكان عليه أن يقضي على تلك المرأة المناوئة لعرشه في روما، وقبل أن يغادر أنطاكية، كانت جيوش زنوبيا تجابه زحفه إلى تدمر، لقد كانت الحرب سجالاً، ولكن خصومها القابعين في حمص خذلوا جيوشها، فعادت إلى تدمر لكي يلاحقها "أورليان" ويحاصرها.
فحاولت الاستنجاد بالفرس، وذهبت متخفية لملاقاة "هرمز" ملك الفرس. وقبل أن تعبر الفرات، كانت جيوش الرومان ترصدها، فقبضوا عليها وأعادوها إلى خيمة "أورليان" الذي عاد بها إلى روما أسيرة مكبلة بأصفاد من الذهب، ولعلها أكملت حياتها في ضاحية روما تيفولي هذه قصة العصر الذهبي الذي وصلت إليه تدمر في عصر زنوبيا. وما زالت آثار هذا العصر ماثلة في شوارع تدمر وأبوابها، وفي معابدها وفي مسرحها والأغورا.
مازالت حياة زنوبيا ملكة تدمر ، صفحة هامة من تاريخ سورية. فلقد كاد الطموح أن يصل بهذه المرأة العربية إلى سدة الحكم إمبراطورة على روما كلها هي زوجة أذينة الذي خلف والده وجعل من واحة تدمر أمارة عربية ذات حكم ذاتي موالية مبدئياً للرومان. وكانت أسرة اذينة تسمى حيران تحكم العشائر في البادية وتدمر. وتنتقل الإمارة إلى اذينة بعد أبيه ليصبح في عام 258م حاكماً لولاية سورية الفينيقية واتخذ لقب ملك الملوك واقترب من لقب الإمبراطور. وبعد مقتله في حمص 268م يصبح ولده من زنوبيا وهب اللات ملكاً وكان دون سن الرشد، فاستلمت أمه الحكم وصية أولاً، ثم ملكة واستطاعت أن تقود قومها إلى نهضة شاملة وقوة عسكرية طامحة، لقد كانت شجاعة بعيدة المطامح. لعبت دوراً كبيرا في الشرق وفي روما ذاتها، وكانت عالية الثقافة تتكلم اللغة التدمرية وهي لغة آرامية، كما تتكلم اليونانية والمصرية ، وقربت منها الفلاسفة من أمثال لونجين وكانت مولعة بالتاريخ.
ونستطيع رسم صورتها من خلال نقد نقش على رأسها جانبياً وهي ترتدي خوذة معدنية. ويصفها مؤرخو الرومان أنها كانت في ذروة الجمال سمراء سوداء العينين أسنانها كاللآلئ صوتها رنان. وكانت تساير الجنود وتركب العربة الحربية أو الجواد كأحسن الفرسان. لقد كانت أنبل النساء وأكثرهن جمالاً، بل كان جمالها يضاهي جمال كليوباترا التي ترتبط معها برباط القرابة وتنتهي قصة هذه الملكة الأسطورة على يد الإمبراطور أورليان وذكر هومو أحد المؤرخين في عصر أورليان، إن الإمبراطور عندما جرح في حربه مع زنوبيا قال: إن الشعب الروماني يتحدث بسخرية عن حرب أشنها ضد امرأة، ولكنه لا يعرف مدى قوة شخصية هذه الامرأة ومدى بسالتها.
الفورومهو مكان لعقد الاجتماعات العامة والمبادلات التجارية محاط بأروقة داخلية لها أعمدة على الطراز الأيوني. ولقد عثر على كتابة محاطة بأعمدة ذات قواعد تشير إلى السماح بإقامة تماثيل لمشاهير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]على الأعمدة.
وأما أعمدة الشارع المستقيم : فما مازالت قواعد التماثيل قائمة عليها ولقد كتب على بعضها أسماء أصحاب هذه التماثيل، ومنها عمود مكتوب عليه هذا تمثال سبتيما زنوبيا ملكة تدمر ذات الجلالة والمجد والمبجلة أقامه المبجل سبتيم زبدا القائد الأعلى وزباي قائد حامية تدمر لسيدتهما في عام 582 أي 271م. وعمود آخر يحمل اسم زوجها ملك الملوك المبجل اذينة.
وفي هذا المكان عثر على ألواح القانون التدمري التجاري التي تعود إلى عام 137م، مقياس اللوحة 480×175سم مكتوبة باليونانية والتدمرية وتتضمن قوانين التجارة والمكوس المفروضة. ومازالت هذه الألواح محفوظة في متحف الايرميتاج في سان بطرسبورغ منذ عام 1881.
المسرح في تدمر
بني المسرح بشكل نصف دائرة مؤلف من المنصة والمدرج المحيط. وأبعاد المنصة 8م×10.5م وخلفه واجهة مؤلفة من ثلاث حنيات معمدة. أما المدرج فلم يبق منه إلا 13 صفاً. وبين المنصة والمدرج صحن مبلط بألواح حجرية ينفتح من الجانبين يفصله عن المدرج حاجز حجري، وخلف المدرج مجلس الشيوخ والفوروم.
المدافن التدمرية لعل أبرز خصائص فن العمارة التدمري يكمن في عمارة المدافن التي تميزت بفخامتها وجمال تصميمها وبمحتواها الغني بالتحف والتصوير، مما يبعدها عن رهبة المقابر ويقربها من أماكن الاستقبال، سكانها من التماثيل الحجرية يغطون جدرانها أو يتربعون فوق أسرة جنازيه. أما مدخلها فهو مغلق بباب حجري سهل الحركة. والمدافن التدمرية على أشكال، فهي إما برجية خاصة بالعمارة التدمرية وليس لها نظير في العمارة الرومانية.
ومن هذه المقابر البرجية نعرف حتى الآن أربعاً فقط. وهي مؤلفة من عدة طوابق تتسع لمئات القبور الجدارية كولومباريوم مغطاة بلوح عليه نقش المتوفى بشكل بارز. ومن أهم النماذج البرجية مدفن ايلابل ومدفن يمليكو. والنموذج الثاني هو المدفن-البيت ، لأنه شبيه بالبيت مؤلف من طابق واحد. وهناك مدافن كثيرة من هذا النموذج. والنموذج الثالث هو المدافن الأرضية، ولعل مئات من هذا النوع مازالت خافية تحت الأرض يتم الكشف عن بعضها تباعاً. ومن أهم أمثلة هذه القبور مدفن الأخوان الثلاثة الذي يتميز بالصور الجدارية الملونة فريسك التي تملأ جدرانه وعضائده ملونة بالأحمر والبني والأزرق والأسود.
وتمثل هذه الصور مواضيع أسطورية رومانية مؤطرة بزخارف متنوعة، ومن أمثله هذه المدافن الأرضية مدفن يرحاي الذي نقل إلى المتحف الوطني بدمشق.
تتألف مدينة تدمر، من شارع طويل دوكومانوس وشارع معترض الكاردو وعند تقاطعهما تقام آبدة تسمى التترابيل مؤلفة من أربع مجموعات من الأعمدة تحمل طنفاً.
والشارع الطويل يمتد من المدخل الرئيسي لمعبد بل حتى بوابة دمشق وهو محاط باروقة وفي قسمه الأول يميل حتى بوابة النصر، وإلى الجنوب يقع معبد نبو ثم المسرح. وإلى الشمال معبد بعلشمين، وإلى أقصى الجنوب الأغورا تم الشارع العرضاني وخلفه معسكرات ديوكلسيان والمدافن.
وفي أعلى الهضبة الغربية تقوم قلعة فخر الدين المعنى أو قلعة تدمر وتعود إلى بداية القرن السابع عشر وتعلو القلعة 50م عن سطح المدينة، وهي تشرف على أجمل مشهد يضم أبعاد هذه المدينة الساحرة.
مجلس الشيوخوهو بناء مستطيل مؤلف من مدخل وباحة ذات أروقة مرفوعة على أعمدة وفي صدر البناء إيوان كان له مدرج لجلوس الشيوخ.
متحف تدمر الأثرييضم بناء حديث متحفاً لآثار تدمر ويتألف من طابقين، الطابق الأرضي يحوي منحوتات وفسيفساء ومصوغات ذهبية وأدوات فخارية وزجاجية وجصية.
وفي الطابق الأول، بيت ريفي ونماذج من الصناعات الشعبية في البادية مع وسائل الحياة والتنقل والإقامة في البادية، وبعض الحلي الشعبية. مع بعض المجسمات التي تعبر عن البيئة البدوية.
وليس بعيداً عن المتحف بقع الخان العثماني الذي رمم، وأصبح مقراً لمتحف التقاليد الشعبية التدمرية والبدوية نقلت إليه من المتحف الأثري.
نبع أفقافي تدمر نبع صحي هو نبع أفقا يتدفق من مغائر قديمة تفيض بالبخار الكبريتي وتشعّه دافئا. وتبلغ درجة حرارة المياه 33ْ في الصيف والشتاء. وهذه المياه المعدنية، كانت منذ عصر زنوبيا وقبلها موئلاً لسكان تدمر الذين وجدوا فيها وسيلة للاستشفاء من كثير من الأمراض الجلدية والمعدية والمفصيلة .
ولقد عثر على كتابة مؤرخة في عام 162م تتضمن عبارة التقدمة النذرية للإله العظيم زفس سيد الكون من يولدوا ابن زبيدة المتولي المسؤول عن نبع افقا.
ولقد أثبتت التحاليل التي أجريت في باريس أن هذه المياه تحتوي على كمية جيدة من الكبريت والكلورور، وأنها غنية بالصوديوم والكالسيوم وبكميات أقل من المغنزيوم والبوتاسيوم والنيكل.
وعند إنشاء فندق ميريديان في تدمر والذي أصبح أسمه تدمر الشام، تم تحسين موقع النبع لاستقبال زبائن الفندق، كما تم جر مياه النبع إلى أجنحة الفندق المستقلة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]