مساكن شعبية!!!
بقلم الدكتور محسن الصفار
عندما دخل سعيد كلية الهندسة ليتخرج منها مهندساً معمارياً متفوقا ملماً بكل أساليب البناء الحديثة كان كل حلمه أن يساهم ولو بشكل بسيط في حل أزمة السكن في وطنه بعدما راى كيف ان حلم المسكن هو الشغل الشاغل لكل مواطن من اصحاب الدخل المحدود شيبة وشبابا وهو العائق الرئيسي في الزواج والسعادة العائلية للمواطن , وعندما تم تعيينه في وزارة الاسكان كاد قلبه أن يتوقف من الفرحة لتحقق حلمه .
بدأ سعيد عمله بإنجاز مهمة اوكلت إليه لتصميم مساكن شعبية لمحدودي الدخل ، عمل سعيد على المشروع ليلاً ونهاراً حتى إنتهى منه وذهب وقدّمه إلى رئيسه بكل فخر وإعتزاز نظر الرئيس مطولاً إلى التصاميم وسأل سعيد أخيراً:
- ما هذا يا سعيد؟ لمَ الغرف كبيرة هكذا؟
- هذا هو القياس العالمي للغرف يا سيدي وأصغر من هذا فستكون غير صحية ولن تتناسب مع اي اثاث موجود في السوق .
- غير صحية؟ أنت تعمل في وزارة الإسكان أم الصحة؟ أريدك أن تصغر مساحة الغرف.
إمتعظ سعيد ولكنه قال:
- أمرك سيدي.
- أوكي, لماذا هناك حمامان في كل شقة؟
- لأن شقة من 4 غرف نوم لابد أن يكون فيها حمامان على الأقل وإلا فستكون هناك مذبحة كل صباح على الحمام.
لم يبتسم المدير على مزحة سعيد وأكمل:
- هذه مساكن شعبية وليست فنادق 5 نجوم إحذف أحد الحمامات.
- أمرك سيادة المدير كما إني أود أن أبشرك بأنني وضعت خطة لإستعمال تقنية جديدة في البناء تغنينا عن إستخدام الطوب.
- ماذا؟ كيف تجرؤ على مثل هذا الفعل؟ ألا تعرف أن أكبر مصانع الطوب في البلد مملوك لشقيق سيادة الوزير؟ شكلك تريد أن ترمينا كلنا في الشارع يا سعيد، إحذف فوراً أي تعديلات تقلل من إستهلاك الطوب في البناء.
- أمرك سيدي.
- أين تريدون إقامة المشروع؟
- والله الوزارة تملك عدة قطع أراضي في المدينة وأنا راجعت السجلات ورأيت أن القطعة A هي الأنسب للمشروع.
نظر المدير إلى الخارطة وقال:
- لا لا لا، هذه القطعة يريد سيادة الوزير تخصيصها لبناء فلل للسادة الوزراء والنوّاب.
- طيب القطعة B.
- لا لا، هذه مجاورة لحي من الأحياء الفاخرة وأنت تريد أن تجعلهم يسكنون جنب الشحاتين أقصد محدودي الدخل عيب.
- طيب أين سنقيم المشروع إذن؟
نظر المدير مطولاً ثم أشار إلى نقطة بعيد جداً على الخارطة وقال:
- هنا في القطعة Z.
- ولكن هذه القطعة موجودة على بعد 70 كيلومتراً من المدينة وهذا معناه أن كل واحد من السكان سيضطر إلى قضاء ساعتين إلى ثلاث ساعات في الطريق يومياً للوصول إلى عمله.
- وما المشكلة؟ هذه مساكن شعبية ولا يستطيع أحد التذمر بشأنها ومن لا يعجبه المكان يمكنه أن ينقل بيته إلى أي مكان يشاء.
تملّك سعيد الغضب من هذا الكلام إستأذن من المدير على أن يعود إليه بعد ساعة مع التصميم الجديد وبعد ساعة دخل سعيد وبيده علبة كارتون ( ورق مقوى ) كبيرة وضعها على طاولة المدير، تعجّب المدير وسأل:
- ما هذه يا سعيد؟
- هذه الشقة المثالية والتي تتطابق مع نظرة الوزارة إلى المساكن الشعبية من حيث الحجم وطريقة البناء وسهولة نقل الشقة إلى أي مكان إعطوا كل صاحب طلب لمساكن شعبية واحدة منها وإنتهت القضية.
وكل مساكن شعبية وأنتم بخير.