ثقافة الإختلاف
بقلم الدكتور محسن الصفار
يحكى أن أحد الحكماء أراد أن يفسر للملك معنى أن يرى أشخاص مختلفون نفس الشيء بأشكال مختلفة فوضع فيلاً في غرفة مظلمة وأدخل عدة أشخاص لم يرو فيلاً في حياتهم الواحد تلو الآخر إلى الغرفة ولما خرج الأول سأله ما هو شكل الفيل قال:
- الفيل هو عمود ضخم.
أما الثاني فقال:
- الفيل عبارة عن خرطوم طويل للماء.
أما الثالث فقال:
- الفيل حبل قصير.
وهكذا كان كل واحد يصف الفيل بشكل مختلف فالأول تحسس ساق الفيل فوجدها كالعمود الحجري والثاني أمسك الخرطوم فوجده كخرطوم الماء والثالث تحسس الذيل فظن الفيل حبلاً قصيراً.
العبرة من الحكاية أعلاه أن الناس لا يرون نفس الشيء بنفس الطريقة وبالتالي فإن أحكامهم على الأشياء والأشخاص تختلف بحسب الزاوية الي ينظرون منها إلى الشيء أو الشخص.
فلو أخذنا مديراً في دائرة أصدر في يوم واحد قرارين الأول بترقية موظف والثاني بعقاب موظف آخر وسألت هذين الموظفين عن المدير فالطبيعي أن الذي كوفيء سيمدح المدير بينما سيذمه الذي تمت معاقبته بغض النظر عن صحة أو خطأ القرارين بالتالي فإن هذين الموظفين إذا تجادلا مع بعضهما فسيصر الأول على أن المدير شخص جيد بينما يصر الثاني على أنه شخص سيء ولن يقتنع أي منهما برأي الآخر لأن الأمر أولاً وأخيراً يتعلق بهما شخصياً.
هذا المثال ينطبق على جميع الشخصيات السياسية وأنظمة الحكم والرؤساء والحكام وما إلى ذلك فكل نظام حكم يوافق مصالح أشخاص ويعارض مصالح آخرين وبالتالي فان فئة ستكون محبة له وفئة كارهة له.
حتى الآن والأمر طبيعي ولكن الأمر يصبح جنونياً عندما يحاول كل من الجانبين أن يفرض رأيه على الآخر ويخوّنه ويحقّره لأنه لا يتفق معه في رأيه بهذا الشخص أو تلك المنظومة ويتطور الصراع من صراع فكري إلى جسدي ثم إلى حروب حتى يصل الامر الى ان يفجر احدهم نفسه في نساء واطفال لمجرد انهم يختلفون معه فكريا وما إلى ذلك.
إن الحق المطلق هو الله وحده عز وجلّ ولا داعي أن نحول أي رمز دنيوي عدا الأنبياء(ع) إلى حقيقة مطلقة سواء شراً أو خيراً فليس هناك زعيم ملاك ولا زعيم شيطان كل إنسان هو خليط من الإثنين وكلما قلت في البداية كل زعيم أو نظام يفيد جماعة ويضر جماعة أخرى ومن حق كلا الجماعتين أن تتمسك برأيها فيه دون أن تتعرض للإضطهاد ومن الجماعة الأخرى طبعاً كل رأي يجب أن يتمسك بحدود الأدب ولا يكون الرأي عبارة عن شتيمة أو تجريح.
ليس هنك طائفة او قومية مثالية في كل ملة هناك الخير والشرير والله وحده يعلم نوايا الناس وهو وحده من لهم ان يحاسبهم ويجازيهم حسب اعمالهم يدخلهم جناته او يرميه في جهنم وبئس المصير .
نحن العرب اذا احببنا شخصا جعلناه ملاكا واذا كرهنا شخصا جعلنا منه شيطانا دون اي عقل او منطق او تجرد يسمح لنما برؤية عيوب الشخص ومحاسنه في نفس الوقت وصولا الى حكم عادل حول هذا الشخص وان نحترم من احبه ونقدر مشاعر من يكرهه فلكل نظرته واسبابه .
ونهاية اقول انا لا اطالب بوحدة الفكر والراي فهذا من المحالات ولن يقدر عليه بشر ولا اقول بان تكون احكامنا على الاشخاص متشابهة بل بالعكس اؤيد ان يكون لكل امرئ حريته التامة في حب وكره من يشاء ولكن المهم ان لاتتسع دائرة الكره فتصبح نارا تحرق الاخضر واليابس معها فنصبح نكره الشخص ونكره من يحبه ونكره من يحب محبيه الى ما لا نهاية ولا ان نغالي في الحب لاي شخص حتى نجعل منه اسطورة خيالية لاعلاقة لها بالواقع البشري ولا المنطق السليم والعقل الناضج .
اتمنى ان نكون كلنا على قدر الامانة الفكرية وان نعلم ان كل كلمة تقال يكون لها احيانا وقع كالسيف وقادرة على اسالة الدماء البريئة وان نحترم الراي الاخر مادام في حدود الادب وان نتذكر ان حبنا وكرهنا لاي شخص ملزم لنا نحن فقط وليس لاي شخص اخر في هذا الكون
بارك الله في كل الاقلام التي تسعى للوصول الى الحقيقة بكل جوانبها بشكل عقلاني ومتجرد من الاحكام المسبقة والضغائن والتقديس الاعمى لاي شخص .