تفيد دراسة صادرة حديثاً عن «منظمة الصحة العالمية» (World Health organization WHO )
أن «دخان التبغ (النيكوتين) يحتوي على ما يزيد عن 4000 مادة كيميائية، ثبت أن من بينها
أكثر من 60 مادة مدرجة ضمن المواد المسببّة مباشرةً في الإصابة بسرطانات الرئة والحلق
والفم والحنجرة والمرارة». وتضيف «أن التدخين هو أحد الأسباب التي قد تتدخّل في ظهور
سرطانات البنكرياس والمثانة وعنق الرحم والكلى والمعدة والدم، ما يجعل دخان التبغ يشكّل
حوالي %30 من جميع حالات الوفاة بالسرطان في الولايات المتحدة الأميركية».
من رئيس قسم الكيمياء الحيوية بكلية العلوم في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور جلال أعظم
جلال عن الخطة السلوكية والإرشادات الغذائية الواجب اتّباعها عند الإقلاع عن التدخين.
ثمة بعض المركّبات الضارّة التي توجد في دخان التبغ
تشمل: «الأمونيا» و«القطران» و«أول أكسيد الكربون»، وكلّها تعدّ غازات خطرة تخفّف من
كميّة «الأوكسجين» الذي تحمله كريات الدم الحمراء لجميع أجزاء الجسم بهدف القيام بوظائفه
الحيوية الأساسية وعمليات التمثيل الغذائي. ويحتوي التبغ على 9 أنواع على الأقل من الغازات
التي تصنّف من بين المواد شديدة الخطورة على سلامة أنسجة الرئتين، أبرزها:
- «القطران»: خليط من المواد الهيدروكربونية التي تتحوّل إلى مادة لاصقة داخل الرئتين، يحتوي على عدد من المركّبات المسبّبة للسرطان والتي تتوقّف على عوامل عدّة، كنوع التبغ والورق المستخدم في صنع السجائر ومدى كفاءة «الفلتر» المستخدم في تنقية الدخان. ويتوقّف مقدار «القطران» على كميّة التبغ الموجودة في السيجارة الواحدة، إذ ينتج عن الحجم المتوسط من السيجارة الكميّات التالية: من 4 إلى 10 ملليغرامات من «القطران»، ومن ملليغرام إلى ملليغرامين من «النيكوتين»، علماً أن التقارير الصحيّة لم تجد رابطاً بين تقليل محتوى «القطران» والحدّ من المخاطر الصحيّة للتدخين.
- «النيكوتين»: مركّب زيتي معدوم اللون، يصنّف على أنه مادة كيميائية دوائية سريعة المفعول تدخل في تركيب التبغ وتسبّب الإدمان الشديد. فقد بيّنت الأبحاث أنه في غضون 30 دقيقة من تدخين سيجارة، تنخفض مستويات «النيكوتين» إلى حوالي النصف، وفي خلال ساعة من الفراغ منها تنخفض إلى الربع، بينما في غضون 7 ثوانٍ من إشعال سيجارة أخرى يتمّ دفع كميّة جديدة من «النيكوتين» إلى الدم تنتهي بها نوبة التوق الشديد، ما يبعث على الشعور بالاسترخاء الكاذب والراحة الزائفة. وهذه العمليّة تفسّر قيام معظم المدخّنين باستهلاك حوالي 20 سيجارة في المتوسط يومياً. وقد أكّد الخبراء أنه رغم أن «النيكوتين» يعدّ من بين أقوى المواد المخدّرة والمنبّهة في الوقت عينه نظراً إلى أنّه يشكّل المادة المسؤولة عن سرعة إدمان التبغ والارتباط به، إلا أن الجسم قد يحتاج إلى3 أسابيع فقط حتى تغادر %99 منها الدم.
التدخين السلبي
وهو النوع الذي ينتشر في الهواء المحيط بالمدخّن، مشكّلاً %85 من كميّة الدخان. وفي هذا
الإطار، أشارت دراسة حديثة إلى أن استنشاق دخان التبغ من قبل غير المدخّنين لا يقلّ ضرراً عن
التدخين الإيجابي، إن لم يكن أشد ضرراً. ووجدت أن الإصابة بنوع من سرطان الرئة ترتفع لدى
نساء المدخّنين بنسبة 2 إلى 4 أضعاف عن نساء غير المدخّنين، وأن التدخين السلبي هو أحد
أهم أسباب العقم عند الرجال. ومن الملاحظ أن أكثر المرضى ضرراً من التدخين السلبي هم من
يعانون الإصابة بذبحات صدرية وأمراض القلب، بسبب اتحاد «الهيموغلوبين» في الدم مع «أول
أكسيد الكربون» بدلاً من «الأوكسجين»، ما يقلّل كميّة «الأوكسجين» المنقول عبر الدم إلى
عضلة القلب متسبّباً في أزمات صحيّة قد تؤدّي طبقاً لتقرير «الكلية الملكية للأطباء» إلى حدوث
الوفاة بنسبة %18 من إجمالي الحالات. ولاحظ الباحثون أن الدخان المحترق على درجة حرارة
منخفضة (بدون لهب) والمستنشق عبر الهواء يحتوي على تركيز عالٍ من «حمض السينيل»
وبعض المواد المسرطنة التي تسبّب تهيّجاً في أغشية العين المخاطية والجهاز التنفسي العلوي،
مؤدّياً بمرور الوقت إلى أمراض الرئة المزمنة.
أعراض الانسحاب
يعدّ «النيكوتين» عاملاً رئيساً لزيادة إنتاج «الأدرينالين» بالجسم ومادة منبّهة للجهاز العصبي، ما
يؤدّي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدّل دقّات القلب، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على عمليّات
التمثيل الغذائية وارتفاع درجة التوتر والملل وحدوث خلل في مستوى بعض الهرمونات بالجسم.
وقد توصّلت إحدى الدراسات النفسية الحديثة إلى أن هناك تفاعلاً فيزيائياً وسيكولوجياً بين الجسم
ومادة «النيكوتين» يؤدّي إلى ظهور بعض الأعراض السلبية عند محاولة الإقلاع عن التدخين
وسحب المادة المخدّرة من الدم، أبرزها:
- الشعور بالملل: حينما يدمن المدخّن «النيكوتين»، ثم يتوقّف عنه تدريجياً، قد يصاب بحالات شديدة من الملل، إذا لم يكن لديه شيء يشغل وقته. فقد أكّدت الدراسات السيكولوجية أن الرغبة في تناول السيجارة قد تستمرّ من 3 إلى 5 دقائق فقط، ما يجعل من السهل ممارسة أي نشاط بدني أو اجتماعي لحين زوال تلك الرغبة. وتفيد الحقيقة العلمية أن السجائر تميل إلى زيادة الملل بشكل غير مباشر لأنها تشعر الفرد بالتبلّد والهروب من ممارسة الأنشطة المفيدة وإبدالها بإضاعة الوقت والتسكّع في ضجر.
- صعوبة التركيز: لا يساعد التدخين على التركيز كما هو شائع، فقد ثبت أنّه يعمل على إضعاف قدرة المخ على التركيز، إذ يؤدّي الانسداد المتزايد للشرايين والأوردة بالسموم الناتجة عن التدخين إلى حرمان المخ من «الأوكسجين» وتشتيت القدرة على الانتباه.
- قلّة الاسترخاء: من بين المفاهيم الخاطئة أن السيجارة تساعد على الاسترخاء، والحقيقة أن «النيكوتين» منبّه كيميائي يؤدّي تناول سيجارتين متتاليتين منه إلى حدوث زيادة ملحوظة في معدّل النبض وارتفاع في درجة التوتر والمستوى الانفعالي للفرد.
خطة سلوكية
- المواظبة على تدوين الفوائد الصحيّة المستفادة من التوقّف عن التدخين، على ورقة تلصق في غرفة الجلوس التي تعدّ من بين أكثر الأماكن تحفيزاً على التدخين. كما ينصح علماء النفس بتدوين ملاحظة عمّا يتم توفيره أسبوعياً من مال من جرّاء الإقلاع عن التدخين، واستخدامه في مكافأة النفس بشراء شيء محبّب يشجّع على الاستمرارية.
- التحلّي بإرادة صلبة في محاولة الإقلاع عن التدخين، مع الامتناع عن التردّد على الأماكن المعتادة للتدخين أو التجمّع مع أصدقاء مدخّنين.
- ممارسة الرياضة بشكل منتظم، بما يجنّب أي آثار جانبية بعد الإقلاع عن التدخين كزيادة الوزن أو انخفاض مستوى الطاقة. وفي هذا الإطار، ربطت بعض الدراسات بين التدخين وهشاشة العظام لدى السيدات، وعزا هذا الإرتباط إلى بعض المكوّنات التي يحتويها دخان التبغ نفسه، علماً أن المدخّنات يكن أكثر نحافة من غير المدخّنات ويكن أقرب إلى انقطاع الطمث، وكلاهما يعدّان من العوامل المباشرة في الإصابة بهشاشة العظام.
- إ زالة أي آثار للتدخين من المنزل وإعلام الأهل أو اختيار صديق ليكون بمثابة داعم نفسي عند الحاجة.
- الإدراك أن الأسبوع الأول سيكون الأصعب لأن الجسم ما يزال معتمداً على «النيكوتين»، إذ إن أعراض الإنسحاب في خلال تلك الفترة تكون على أشدّها، وتتمثّل في: القلق وصعوبة النوم وزيادة الشهيّة وبطء معدّل نبضات القلب والصداع.
فوائد الإقلاع عن التدخين
- حدوث تحسّن ملحوظ في أداء وظائف الجسم الحيوية وعودتها بنسبة 90% إلى معدلاتها
الطبيعية، فقذ أثبتت الإحصائيات الطبية أنه بمرور 24 ساعة على تناول السيجارة الأخيرة يصل
ضغط الدم ومعدّل النبض إلى الوضع الطبيعي له، بينما بمرور أسبوع من الإقلاع عن التدخين يبدأ
خطر النوبة القلبية في التناقص وحاستي التذوق والشم في التحسن ويصبح التنفس أسهل.
- يقلّ لدى النساء اللاتي توقفن عن التدخين قبل الحمل أو خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل خطر ولادة طفل منخفض الوزن بنسبة 72% مقارنة بالمدخنات.
- ينخفض خطر الإصابة بسرطانات الرئة والفم والحنجرة إلى أن تصبح نسبتها مماثلة لتلك الموجودة عند غير المدخنين، بالإضافة إلى الحد من الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والعقم وأمراض الجهاز التنفسي والهضمي.
إستراتيجية هجوم ثلاثية المحاور
- بدائل النيكوتين
يعد استخدام علاج بديل للنيكوتين وسيلة علاجية فعّالة في الإقلاع عن التدخين وذلك بإمداد الجسم بجرعات مستمرة وقليلة من النيكوتين. ومن بين أكثر بدائل النيكوتين استخداماً: لصقات النيكوتين أو اللبان بطعم التبغ ما يعمل على كسر العامل الاعتيادي المرتبط بالتدخين، ويقلّل في الوقت عينه بشكل تدريجي من احتياج الجسم على تلك المادة الكيميائية المنبهة.
- العقاقير الدوائية
يؤدي استخدام العقاقير الدوائية في تقليل اعتماد الجسم على النيكوتين والحد من التدخين شريطة أن يتم تناولها باشراف الطبي، علماً أنّه قد يصل العلاج بتلك العقاقير لأشهر عدّة حتى يتخلّص الجسم كليّة من أي أثر لمادة النيكوتين بالدم.
- علاجات تكميلية
يساعد هذا النوع من العلاجات في الإقلاع عن التدخين، ولعلّ أكثرها شيوعاً الوخز بالإبر الذي يتم فيه وخز ابر دقيقة في مواضع معينة من الجسم تعمل على تقليل الرغبة للنيكوتين وإبطال التدخين أو العلاج بالتنويم المغناطيسي من قبل اختصاصيين مؤهلين يقومون بتهيئة العقل الباطن لتقبل فكرة التوقف عن التدخين وإبداله بأنشطة مفيدة لصحة الجسم.