ابيات شعريه في الزهد بالدنيا وذمها وتركها
هي الدنيا تقول لمن عليها ***حذار حذار من بطشي و فتكي
فلا يغرركم حسن ابتسامي ***فقولي مضحك و الفعل مبكي
منثور و منظوم قال:
عجبا عجبت لغفلة الإنسان **** قطع الحياة بذلة وهوان
فكرت في الدنيا فكانت منزلا ***عندي كبعض منازل الركبان
مجرى جميع الخلق فيها واحد *** فكثيرها و قليلها سيان
أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفا *** و لو اقتصرت على القليل كفاني
لله در الوارثين كأنني *** * بأخصهم متبرم بمكاني
قلقا يجهزني إلى دار البلا *** متحفزا لكرامتي بهوان
متبرئا حتى إذا نشر الثرى *** فوفى طوى كشحا على هجراني
و قال
نل ما بدا لك إن تنـ *** ـال فإنما تعطي و تسلب
و اعلم بأنك غافل *** في الغافلين و أنت تطلب
و المشكلات كثيرة *** و الوقف عند الشك أصوب
يبغي المهذب في الأمور *** جميعها و من المهذب
و روي أنه وجد على باب مدينة يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها و كل الأمور إلى مدبرها و لا تحمل على نفسك هم يوم لم يأتك فإنه إن لم يكن من أجلك يأتي الله فيه برزقك و لا تكن عبرة للناظرين و أسوة بالمغرورين في جمع المال على المال فكم من جامع لبعل حليلته و تقتير المرء على نفسه توفير لخزانة غيره .
و قال الخليل
يا جامعا لاهيا و الدهر يرمقه *** مفكرا أي باب عنه يغلقه
جمعت مالا فقل لي هل جمعت له *** يا غافل القلب أياما تفرقه
و لأبي العتاهية :
أصبحت و الله في مضيق *** هل من دليل إلى الطريق
أف لدنيا تلاعبت بي *** تلاعب الموج بالغريق
و قال أيضا :
نظرت إلى الدنيا بعين مريضة *** و فكرة مغرور و تدبير جاهل
فقلت هي الدنيا التي ليس مثلها *** و نافست منها في غرور باطل
و ضيمت أحقابا أمامي طويلة *** بلذات أيام ق:صار قلائل
و قال :
و من امرئ دنياه أكبر همه *** لمستمسك منها بحبل غرور
و قال آخر :
طلبتك يا دنيا فأعذرت في الطلب *** و ما نلت إلا الهم و الغم و النصب
و أسرعت في ذنبي و لم أقض حسرتي *** هربت بذنبي منك إن نفع الهرب
و لم أر حظا كالقنوع لأهله *** و إن يحمل الإنسان ما عاش في الطلب
كان علي بن الحسين زين العابدين يتمثل بهذه و يقول :
و من يصحب الدنيا يكن مثل قابض *** على الماء خانته فروج الأصابع
كان أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول اللهم إني أسألك سلوا عن الدنيا و مقتا لها فإن خيرها زهيد و شرها عتيد و صفوها يتكدر و جديدها يخلق و ما فات فيها لم يرجع و ما نيل فيها فتنة إلا من أصابته منك عصمة و شملته منك رحمة فلا تجعلني ممن رضي بها و اطمأن إليها و وثق بها فإن من اطمأن إليها خانته و من وثق بها غرته و لقد أحسن من وصفها بقوله :
رب ريح لأناس عصفت *** ثم ما إن لبثت أن سكتت
و كذا الدهر في أطواره *** قدم زلت و أخرى ثبتت
و كذا الأيام من عاداتها *** إنها مفسدة ما أصلحت
و قال غيره :
لا تحرصن على الدنيا و من فيها *** و احزن على صالح لم يكتسب فيها
و قال آخر :
و اذكر ذنوبا عظاما منك قد سلف *** نسيت كثرتها و الله محصيها
و قال بعضهم مررت بخربة فأدخلت رأسي فيها و قلت شعرا :
ناد رب الدار ذا المال الذي *** جمع الدنيا بحرص ما فعل
فأجابه هاتف من الخربة :
كان في دار سواها داره *** عللته بالمنى حتى انتقل
مر الحسين رضي الله عنه بقصر أوس فقال لمن هذا فقالوا لأوس فقال ود أوس أن له في الآخرة بدله رغيفا و قال أبو العتاهية شعرا :
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا *** و بنوا مساكنهم فما سكنوا
و كأنهم كانوا بها ظعنا **** فما استراحوا ساعة ظعنوا
و قال مسروق ما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة و أنشد :
كم ببطن الأرض ثاو من وزير و أمير *** و صغير الشأن عبد خامل الذكر حقير
لو تأملت قبور القوم في يوم قصير **** لم تميزهم و لم تعرف غنيا من فقير
**********************
و ما الدهر و الأيام إلا كما ترى *** رزية مال أو فراق حبيب
و إن امرأ قد جرب الدهر لم يخف *** تقلب يوميه لغير أريب
و قال آخر :
هو الموت لا ينجى من الموت و الذي *** أحاذر بعد الموت أدهى و أفظع
و قال آخر :
إذ الرجال كثرت أولادها *** و جعلت أوصابها تعتادها
و اضطربت من كبر أعضادها *** فهي زروع قد دنا حصادها
و قال بعضهم اجتزت بدار جبار كان معجبا بنفسه و ملكه فسمعت هاتفا ينشد و يقول:
و ما سالم عما قليل بسالم *** و إن كثرت أحراسه و مواكبه
و من يك ذا باب شديد و حاجب *** فعما قليل يهجر الباب حاجبه
و يصبح في لحد من الأرض ضيق *** يفارقه أجناده و مواكبه
و ما كان إلا الموت حتى تفرقت *** إلى غيره أحراسه و كتائبه
و أصبح مسرورا به كل كاشح *** و أسلمه أحبابه و حبائبه
بنفسك فاكسبها السعادة جاهدا *** فكل امرئ رهن بما هو كاسبه
و كان بعضهم إذا نظر في المرآة إلى جماله أنشد شعرا :
يا حسان الوجوه سوف تموتون *** و تبلى الوجوه تحت التراب
يا ذوي الأوجه الحسان المصونات *** و أجسامها الغضاض الرطاب
أكثروا من نعيمها و أقلوا *** سوف تهدونها لعقر التراب
قد نعتك الأيام نعيا صحيحا *** بفراق الأقران و الأصحاب
و وجد على بعض القبور مكتوبة هذه الأبيات:
تزود من الدنيا فإنك لا تبقى *** و خذ صفوها لما صفوت و دع الزلقا
و لا تأمنن الدهر إني أمنته *** فلم يبق لي خلا و لم يرع لي حقا
قتلت صناديد الملوك فلم أدع **** عدوا و لم أهمل على ظنه خلقا
و أخليت دار الملك من كل بارع *** فشردتهم غربا و مزقتهم شرقا
فلما بلغت النجم عزا و رفعة *** و صارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى رميا فأخمد حمرتي *** فها أنا ذا في حفرتي مفردا ملقى
فأفسدت دنياي و ديني جهالة *** فما ذا الذي مني بمصرعه أشقى
و قال بعضهم يا أيها الإنسان لا تتعظم فليس بعظيم من خلق من التراب و إليه يعود و كيف يتكبر من أوله نطفة و آخره جيفة و هو يحمل بين جنبيه العذرة و اعلم أنه ليس بعظيم من تصرعه الأسقام و تفجعه الآلام و تخدعه الأيام لا يأمن الدهر أن يسلبه شبابه و ملكه و ينزل من علو سريره إلى ضيق قبره و إنما الملك هو العاري من هذه المعايب ثم أنشد شعرا :
أين الملوك و أبناء الملوك و من *** قاد الجيوش ألا يا بئس ما عملوا
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم ينفعهم القلل
فأنزلوا بعد عز عن معاقلهم *** و أسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا *** أين الأسرة و التيجان و الكلل
أين الوجوه التي كانت منعمة *** من دونها تضرب الأستار و الحجل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم *** تلك الوجوه عليها الدود تنتقل
قد طال ما أكلوا دهرا و ما شربوا *** فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا
سالت عيونهم فوق الخدود و لو *** رأيتهم ما هناك العيش يا رجل