(كنت أريد أن أقول لك شيئاً لم أعد أذكره. ولكن قبل أن أقول أيّة كلمة، كانت شفتاي قد سبقتاني، وراحتا تلتهمان شفتيك في قبلة محمومة مفاجئة. وكانت ذراعي الوحيدة، تحيط بك كحزام، وتحولك في ضمة واحدة، إلى قطعة مني. انتفضت قليلاً بين يدي كسمكة، خرجت لتوّها من البحر، ثم استسلمت إليّ. كان شعرك الطويل الحالك، ينفرط فجأة على كتفيك شالاً غجرياً أسود، ويوقظ رغبة قديمة، لإمساكك منه، بشراسة العشق الممنوع. بينما راحت شفتاي، تبحثان عن طريقة تتركان بها توقيعي على شفتيك المرسومتين مسبقاً للحب.
كان لا بدّ أن يحدث هذا…أنت التي تضعين الظلال على عينيك، والحمى على شفتيك، بدل أحمر الشفاه، أكان يمكن أن أصمد طويلاً في وجه أنوثتك؟ ها هي سنواتي الخمسون تلتهم شفتيك، وها هي الحمّى تنتقل إليّ، وها أنا أذوب أخيراً في قبلة قسنطينية المذاق، جزائرية الارتباك. لا أجمل من حرائقك.. باردةٌ قُبل الغربة لو تدرين. باردةٌ تلك الشفاه الكثيرة الحمرة والقليلة الدفء. باردٌ ذلك السرير، الذي لا ذاكرة له. دعيني أتزود منك لسنوات الصقيع، دعيني أخبّئ رأسي في عنقك. أختبئ طفلاً حزيناً في حضنك. دعيني أسرق من العمر الهارب لحظة واحدة، وأحلم أن كل هذه المساحات المحرقة.. لي. فاحرقيني عشقاً، قسنطينة! شهيّتين، شفتاك كانتا، كحبّات توت، نضجت على مهل. عبقاً جسدك كان، كشجرة ياسمين، تفتحت على عجل. جائع أنا إليك.. عمر من الظمأ والانتظار. عمر من العقد والحواجز و التناقضات. عمر من الرغبة ومن الخجل، من القيم الموروثة، ومن الرغبات المكبوتة. عمر من الارتباك والنفاق. على شفتيك رحت ألملم شتات عمري).