نعم !
نقولها صراحة هكذا من البداية رغم ما قد يعترض به علينا المعترضون و لاسيما الذين يريدون منا أن ننظر إلى اللغة العربية و ندرسها كما ندرس أية لغة من اللغات قديمة كانت أو حديثة أو مستحدثة.
صحيح أن اللغة العربية من حيث استعمالها كوسيلة تواصل بشري هي مجموعة من الأصوات يعبر العرب بها عن أغراضهم كما عرف أبو الفتح عثمان بن جني اللغة عموما، بيد أن اللغة العربية، زيادة عن ذلك، هي لغة الوحي، القرآن الكريم، المنزل على خاتم النبيين محمد العربي، صلى الله عليه وسلم، فهي تحتل عند المسلمين قاطبة، عربهم و عجمهم، منزلة لا تحتلها أية لغة مهما كانت، و أستطيع أن أقول دون تلكؤ أنها لغة مقدسة بما تحمله هذه الكلمة من معان، أجازف الآن و هنا و أقول كذلك: إنها أول لغة في العالم اليوم دينيا (عبادة) رغم انعدام الإحصائيات الدقيقة، لكن التأمل في أحوال المسلمين في العالم كله يدلنا على أن اللغة العربية هي اللغة الأكثر انتشارا في المعمورة، و هي الثالثة اقتصاديا بعد الإنجليزية و الصينية.
و لا أريد أن أخوض في خضم الأرقام و الإحصاءات و الحسابات للتدليل على صدق زعمي هذا، و للقارئ المهتم بحق أن يتمعن في أجناس الناس، أقصد المسلمين، لتتجلى له حقيقة كبرى، لطالما حاول المغرضون سترها أو إنكارها، وهي أن اللغة العربية هي اللغة العالمية الأولى حقيقة و ليس ادعاء، ألا يفترض في المصلي، المسلم طبعا، أن يقرأ فاتحة الكتاب حتما كل ركعة في صلاته لتصح صلاته؟ كم عدد المسلمين اليوم في القارات الخمس، من أصحاب الأرض و من المغتربين، أحصوهم و ترون، ثم أليس أكثر الناس استهلاكا لما ينتجه العالم في كل مجال و لاسيما ما ينتجه الغرب نفسه؟ إن مؤسسات الإنتاج في الغرب ترفق متوجاتها و لاسيما الأدوية بمطبوعات بالعربية تبين كيفية استعمال و هذا ما يجعل اللغة العربية ثالث لغة عالميا تجاريا أو اقتصاديا، كما سبقت الإشارة إليه آنفا.
يريد بعض الدارسين المحدثين عندنا، و لاسيما ممن أشربوا في قلوبهم العجل، عجل الثقافة الغربية، أوروبيها و أمريكيها، أن ننظر إلى اللغة العربية كأحد من اللغات، لكن هيهات، هيهات، إن اللغة العربية ليست كأحد من اللغات، إنها لغة الوحي و يكفيها شرفا، بل يكفينا نحن، أنها لغة الوحي ! و في هذا ما فيه لتحفزنا لدراستها بعمق و......صدق ! و حتى لا يبقى حديثي حديثا عاطفيا مرسلا سأشير فيما سيأتي من حديث، إن شاء الله تعالى، إلى بعض الدراسات التي عنيت باللغة العربية عناية فائقة، و هي دراسات من علماء غربيين لا يمتون إلى العربية و لا إلى العرب بصلة إلا صلة العلم و البحث و الموضوعية كما يحلو لزملائنا الجامعيين التشدق بها بمناسبة و غير مناسبة، و بعضهم أبعد عن الموضوعية من الغراب في تقليده مشية القطاة.