ان آيات الله التي لفت الانتباه إليها - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز
تعدد لغات الناس وألسنهم رغم أن أصلهم واحد، وأبوهم آدم - عليه السلام -
قال الله تعالى-:
(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم
إن في ذلك لآيات للعالِمين )
فكيف نشأت تلك اللغات وتفرعت كل ذلك التفرع؟ وما هي اللغة الأم للبشرية؟
وكم عددها الآن - الرئيسي منها وغير الرئيسي -؟ وهل تتغير اللغات وتتطور؟
وهل ينقرض البعض منها؟ وكيف يتعلم الإنسان الكلام بلغته؟
وما أسباب التشابه في كثير من الكلمات في بعض اللغات؟
وكيف ولدت اللغة العربية؟
وهل تطورت عن الوضع الذي ولدت به؟ وما مكانة اللغة العربية الآن بين اللغات عند
علماء دراسة اللغات؟ وبماذا تتميز هذه اللغة عما سواها؟
علم الفيلولوجيا هذا اسم علم دراسة اللغات، والذي يتخصص فيه مئات الخبراء
والدارسين، واللغة كما يعرفها هذا العلم هي: أصوات يعبر كل جيل من الناس
عما في وجدانهم، أو هي الكلام المصطلح عليه بين كل قوم ويدعي البعض أن
كلمة لغة في العربية مأخوذة من لفظة لوغوس اليونانية ومعناها كلمة.
** عدد اللغات الآن وأهمها:
يقدر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة الآن عند البشر بثلاثة آلاف لغة، كثير
منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس، واللغات الرئيسية التي يتكلم
بها أكثر من مليون شخص للغة الواحدة تزيد قليلاً على المئة لغة، من تلك اللغات
تسع عشرة لغة كبرى يزيد عدد المتكلمين بكل منها عن خمسين مليون شخص،
وهي في جنوب آسيا:
الهندية، والأوردية، والبنغالية، والبنجابية، والتاميلية، والماراثية، والتيلوجية،
وفي بقية آسيا: الصينية، الملايوية - أندنوسية، واليابانية، والكورية،
وفي أوروبا: الروسية، والإيطالية، والألمانية يضاف إليها الخمس لغات العابرة للحدود
التي يتحدث بها سكان العديد من الدول وهي اللغات الأهم في العالم، وهي: العربية،
والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.
** تقسيم اللغات حسب غناها اللفظي والمعنوي:
تنقسم اللغات إلى قسمين:
أ- اللغات المنحطة: وهي الأقل تعبيراً عن المعاني، بسيطة الألفاظ، ومنها
اللغات الإفريقية، ولغات الهنود الحمر، واللغات الصينية، ولغة البربر، ولغة الأحباش،
وبعض اللغات القديمة مثل لغة قدماء المصريين وغيرها.
ب- اللغات المرتقية: وهي اللغات واسعة التعبير عن المعاني، وشاملة الألفاظ
وهي قسمان:
غير متصرفة مثل اللغة التركية
متصرفة: تقبل التصريف، وهي قسمان عظيمان: آرية، وسامية.
* اللغات الآرية وتسمى اللغات الهندوأوروبية، وقد توصل العلماء بعد استقراء طويل
أن أصل كل تلك اللغات واحد وهو اللغة الآرية المفقودة، والتي يذهب البعض - وإن
كانت فرضية لم تثبت - إلى أنها كانت لغة قوم في شمال أوروبا في القرون الغابرة،
قبيل الطوفان أو بعده، وربما كانوا من نسل يافث بن نوح - عليه السلام -، وهذه اللغات
الآرية يتكلم بها حوالي نصف البشر وهم سكان جنوب آسيا ( شبه القارة الهندية )،
وكذلك سكان أوروبا والسكان الجدد الحاليين للأمريكتين وأستراليا، وهذه اللغة
قسمان: جنوبية، وشمالية
أ- الجنوبية: وهي اللغات السنسكريتية ومنها: اللغات الهندية، والأفغانية، واللغة
الفارسية، والكردية، والأرمنية.
ب- الشمالية: وهي أنواع متعددة أهمها اللاتينية: ومنها الإيطالية، والفرنسية، و
الأسبانية، والرومانية.الجرمانية: ومنها اللغات الإنجليزية، والألمانية، والهولندية.
الإغريقية: ومنها اليونانية.
* اللغات السامية وتسمى اللغات الأفروآسيوية، وهي لغات قديمة اندثر معظمها،
ولكنها كانت لغات الحضارة الكبرى عبر التاريخ، وهي أقسام ثلاثة:
أ) الآرامية: ومنها اللغات البابلية، والكلدانية، والسريانية، ويرى بعض علماء اللغات
أنها لغة واحدة تطورت في مراحل زمنية متفاوتة.
ب) العبرانية: ومنها اللغة العبرية الحالية لليهود، وكذلك الفينيقية، والقرطاجية.
ج) العربية: وهي اللغة الأرقى ولغة القرآن الكريم، وقد تفرعت عنها بعض لغات
الحبشة في الأدوار السابقة لها.
** اللغة الأم للبشرية
كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة
الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون
الوسطى، ولما جاءت الاكتشافات الأثرية وتشكل علم اللغات لم تقو تلك الدعوى على
الصمود، حيث اكتشفت كتابات بلغات أخرى قبل الزمن الذي دونت فيه التوراة وأرسل
فيه موسى، بل قبل زمن إبراهيم - عليه السلام -، ولم يعثر على كتابات أو آثار عبرية
من تلك الأزمان المتقدمة بتاتاً، فقد وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى
قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة ق. م، كما وجدت سجلات بالكتابة الهيروغليفية
المصرية القديمة 1500 أي في حدود قبل خمسة آلاف عام, أما أقدم سجلات مكتوبة
ومعروفة حتى الآن فهي صور الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف
وخمسمائة عام أي في حدود 3500 ق. م، وعلى هذا الأساس؛ وعلى أساس دراسات
التشابه اللغوي والاشتقاقات اللغوية والصوتية في اللغات،
وأسس علمية أخرى؛ يرى بعض علماء اللغات أن اللغة البابلية هي اللغة الأم
للبشرية، وهي اللغة التي تكونت السومرية منها، كما أن هناك فرضيات أخرى
للغة الأم منها السريانية، والعربية، والراجح أن اللغة البابلية هي لغة الناس الأم ب
عد الطوفان في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد: وهنا يتبادر السؤال المهم:
** كيف؛ ولماذا اختلفت اللغات وتنوعت؟
(نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات وهي حضارة البشرية بعد
الطوفان، ولغة الناس حينئذ البابلية، وحصل أن الناس كثروا بعد ذاك فتفرقوا في الأرض
في هجرات جماعية طلباً للعيش، وبحثاً عن الرزق، وكان من أول الهجرات تلك التي
كانت إلى بلاد النيل، وإلى الصين، وكونت حضارات كبرى مشهورة، وبدأ الناس يجدون
في أماكنهم التي وصلوها أشياء جديدة، فيسمونها بأسماء يخترعونها، وتكون الأسماء
المخترعة مختلفة بين أصحاب كل حضارة، وتعتمد الإضافات على أصوات ما يرون
ويسمعون، وبدأت تضاف مع الأيام كلمات أخرى، واختصارات، وألفاظ جديدة على
حسب الحاجة، واشتد الخلاف مع مرور السنين ثم أصبحت تتفرع من أصحاب كل
حضارة لغات أخرى أيضاً بسبب الهجرة والتباعد، فتبلبلت ألسن الناس). هذه هي
النظرية العلمية الأقوى، وعليها أكثر علماء اللغات
وهناك أساطير مشهورة تمتلئ بها كتب التاريخ التي تقوم على روايات ولا تعتمد
على الدراسات والاكتشافات - ومنها كتب التاريخ العربية القديمة - تروي بعضها
قصة طريفة
لا بأس من ذكرها:
فيذكرون أن الناس كانوا على اللغة البابلية حتى زمن النمرود الذي طلب أن يبنى له
معراج عظيم للسماء ليرى رب إبراهيم النبي حينذاك، فعندما صعد السقف خر عليه
وعلى قومه، فنتج من سقوطه وما أحدثه من خوف عند الناس وذهول شديد أن تبلبلت
ألسن الناس وتفرقت، فأصبحت كل مجموعة منهم تتكلم بلغة لا يفهمها الآخرون، وتفرقت
كل مجموعة بلغتها إلى بلد من البلدان، فكانت أساس اللغات، ورغم أن القصة تقوم على
مجرد روايات منقطعة، لكن يمكن اعتبارها فرضية في هذا المجال لأمور منها: دعواها أن
البابلية هي أساس اللغات، وهذا ما يذهب إليه بعض خبراء علم اللغات الحديث بتجاربه
بعد تدوينه في تلك الكتب بألف عام أو يزيد، ومنها ذكر أن ذلك حصل في زمن إبراهيم
أواخر ( الألف الثالث قبل الميلاد)، وهو زمن قريب من زمن نظرية الحضارة الأولى السابقة
أوائل( الألف الثالثة للميلاد)، هذا بغض النظر عن قصة النمرود وما حصل له مع إبراهيم
من مواجهات، ومحاولته بناء المعراج، وتلك قصص حقيقية عرج عليها القرآن تصريحاً
أو تلميحاً، وانظر بعض التفاسير عند آية (( فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم
العذاب من حيث لا يشعرون منتديات صقر البحرين،
لكن أين دور الكتابة في المحافظة على اللغة في النظريتين السابقتين؟
** متى نشأت الكتابة للغات؟
الرأي السائد عند علماء اللغات أن الكتابة لم تظهر إلا بعد اللغة المنطوقة بفترة
طويلة، وأن الناس لم يكونوا يستخدمون الكتابة في عصورهم الأولى! ويرجع بعض
علماء اللغة ظهور الكتابة لمنتصف القرن الخامس قبل الميلاد.
** لغة الإسبرانتو:
وهي لغة عالمية حاول بعض العلماء اختراعها في القرن الماضي لتعميمها على
الناس كلهم، ودعمتها بعض الدول والمنظمات العالمية، وتعلمها مئات الآلاف من
الناس حينذاك، ولم تستمر الفكرة إلا سنوات قليلة حتى ضعفت وتلاشت لفقدانها
الخصائص الثقافية التي في كل اللغات الحية القديمة.
** كيف يتعلم الناس اللغة؟
يتعلمونها بطريقة تلقائية، فيشعر الصغار بالحاجة للتعبير عن احتياجاتهم الخاصة؛
ومن ثم يبدؤون الاستماع للكبار وتقليدهم، ثم يتعلمون تدريجياً انتقاء ونطق الأصوات
المستخدمة في اللغة السائدة في مجتمعاتهم.
** نظرية تطور اللغات:
بنية اللغة - أي لغة - لا تبقى ثابتة بدون تغير، فقواعدها ومفرداتها وأنماطها الصوتية
كلها تتغير مع الاستعمال ومرور الأجيال، ويكون التغير عادة بطيئاً جداً، وتحدث معظم
التغييرات للأشياء التي تستجد، ولما يتغير في الحياة، فمثلاً لا يلاحظ الإنجليز تغير
لغتهم من سنة إلى أخرى؛ ولكن إذا حاول الحاليون منهم قراءة نصوص إنجليزية
قديمة فسيجدون أنها مختلفة عما يتحدثون به بقدر اختلاف الألمانية والدانماركية
عنها، وهناك لغات تعتبر الآن ميتة رغم أنها أصول لبعض اللغات الحية لعدم وجود
من يتكلم بها أو حتى يفهمها في الوقت الحالي، مثل السومرية، والبابلية، والحثية،
والأكادية، والمصرية القديمة، والعربية الحميرية، وحتى نحن معاشر العرب توجد لغات
عربية قديمة لا يمكننا قراءة أو فهم كلمة منها مثل: اللغات المسندية: كالحميرية،
والسبأية، والمعينية، والقتبانية؛ رغم أنها كلها لغات عربية، ولكنها تكتب بحروف
ورسومات أخرى، وحتى لو تعلم الإنسان قراءة تلك الحروف والمفردات فإنه لن يفهم
من تلك اللغات - إذا قارنها بالعربية الحديثة - إلا حزءاً يسيراً،
وهو عبارة عن الكلمات التي مازالت حتى الآن على صورتها، بل حتى اللغة العربية
في فترات الجاهلية يصعب على كثير من الناس فهم كثير من مفرداتها التي تعتبر
الآن غريبة، وتجاوزها الزمن، وأصبحت لا تستخدم بسبب نظرية التطور في اللغات،
ولننظر إلى هذا النص الشعري العربي من الجاهلية وهو من معلقة طرفة بن العبد
التي كانت معلقة على الكعبة:
أمـون كألواح الإران نصـأتهـا على لاحـب كأنـه ظهـر بـرجـد
جـمالية وجناء تـردي كـأنهـا سـفنـجـة تبـري لأزعـر أربـد
تباري عتاقاً ناجيـات وأتبعـت وظيفـاً وظيفـاً فوق مور معبد
تربعت القفين في الشول ترتعي حـدائق مـولي الأسـرة أغـيـد
كأن علـوب النسع في دأيـاتها موارد من خلقاء في ظهر قردد.
كل هذا مما يؤكد نظرية تطور اللغات، وتبذل مجمعات اللغة العربية في العصر الحديث
جهوداً حثيثة لتعريب كثير من المصطلحات الناشئة مثل: مصطلحات الحضارة الحديثة،
ومنها كلمات الطائرة، والقطار، والسيارة، والبرقية