مقال الطريق الى الفوضى سلامة أحمد سلامة , آخر مقال كتبه سلامة أحمد سلامة
مقال الطريق الى الفوضى سلامة أحمد سلامة , آخر مقال كتبه سلامة أحمد سلامة
مقال الطريق الى الفوضى سلامة أحمد سلامة , آخر مقال كتبه سلامة أحمد سلامة
انتشرت ظاهرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى عدد من الدول الإسلامية الفقيرة المتخلفة، التى يتحول فيها الغضب واليأس من سوء الأحوال الاقتصادية أو التعصب الدينى إلى حركات مسلحة تنشط باسم الدفاع عن الإسلام أو الدعوة إلى مبادئ الدين الصحيح. وتبدأ هذه الحركات التى غالبا ما تنقلب إلى أهداف سياسية، بدعوات متشددة لتطبيق تعاليم الدين وفرض سلوكيات بعينها على المرأة. ويتطور الأمر بعد ذلك إلى تدمير الأضرحة والمواقع المقدسة بحجة تخليص العقيدة مما يلحق بها من أوشاب وانحرافات.
ولم يكن ما حدث أخيرا فى مدينة السويس من اعتداء أودى بحياة طالب بكلية الهندسة يمشى فى الشارع مع خطيبته غير مثال على انتشار هذه الاتجاهات. التى لم تعد مقصورة على حوادث فردية تقع هنا أو هناك. ولكنها تكررت فى محافظات عديدة. ولقيت من بعض الأهالى والأقارب صدى ايجابيا، حين خرجت منهم مظاهرات تنكر التهمة الموجهة للثلاثة الذين ألقى القبض عليهم فى مقتل الطالب. وتشكك فيما حدث. وسارعت وزارة الداخلية إلى نفى انتمائهم لأى جماعة دينية، بل وإنكار وجود جماعة تحمل اسم «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»!
وإذا صح ما تناقلته الشبكة العنكبوتية من صدور البيان العاشر لما يسمى بهيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» والتى تعرب فيها عن أسفها لمقتل طالب من قبل بعض المنتمين إليها، فلابد أن يكون إنكار الداخلية مقرونا برغبة فى التستر على بعض القوى. إذ يعبر البيان الصادر عن أسفه لمقتل الشاب ثم يعود فى نفس البيان ليصرح بأنه لا يوجد ما يقطع بأن الفتاة خطيبته. وهو التفاف يبحث عن مبررات لارتكاب الجريمة. خصوصا وقد ثبت أن الجناة كانوا يحملون أسلحة وسيوفا وعصى كهربائية!
فى اعتقادى أن نسبة مثل هذه العناصر إلى التيار الإسلامى خطأ فادح، ينبغى أن تبرأ منه الجماعات الإسلامية بكل تشكيلاتها وتكويناتها ومسمياتها. وأن تبادر الجماعة السلفية إلى اتخاذ موقف واضح وصريح من مثل هذه السلوكيات. وتقع فى هذه الحالة مسئولية كبرى على حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفى، لوضع حد فاصل فارق بين عقائدها وممارساتها. وبين مثل هذه العناصر التى تتخذ من التطوع للدعوة سبيلا إلى فرض حكمها بالقوة والتدخل بالغصب فى شئون الحياة اليومية وتصرفات الأفراد.
المعروف أن مثل هذه السلوكيات انتقلت بالمحاكاة والتقليد من شعوب منطقة الخليج. وقد نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية السعودية عن حالات، يجلس فيها الشخص فى سيارته. ويدق عليك النافذة شخص يبرز بطاقة هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ليسألك عن هذه المرأة الجالسة بجانبك؟ فتجيبه بأنها زوجتك! ويتمادى بعضهم فيطلب من الزوجة أن تنزل من السيارة لكى ينتحى بها جانبا ويسألها بضعة أسئلة يتحقق فيها من صدق إجابتك!
وقع هذا المشهد ــ كما روته الصحيفة ــ فى الرياض. ونشب خلاف حاد بين الرجلين. ويبدو أن مداهمة أماكن الأفراح والحفلات للتأكد ومراقبة احتشام النساء فى ملابسهن من الأمور العادية عندهم. ولكن حين يصل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى هذه الدرجة، فنحن على أبواب وضع لا يختلف عما نراه فى مصر أحيانا، وقد لا يختلف عما نشرته صحف العالم ووكالات الأنباء لوصف ما يجرى فى بلد مثل مالى فى وسط أفريقيا.. وأغمضت الصحف المصرية عيونها عنه!
ففى تمبكتو مدينة الأولياء التى تضم مئات من الأضرحة لشيوخ الصوفية، والتى وضعتها اليونسكو على لائحة التراث العالمى منذ عام 1988، سيطرت جماعة متطرفة باسم الدين هى «جماعة أنصار الدين» السلفية التابعة لتنظيم القاعدة فى مالى ومركزها مدينة تمبكتو التاريخية التى أسسها الطوارق، وقاموا بتطبيق الشريعة فيها بطريقتهم الخاصة.. لم تعمل هذه الجماعة على محاربة الفقر والنهوض بمستوى الشعب ومحو أميته، ولكنها عمدت إلى هدم الأضرحة وفرض الحجاب وتطبيق عقوبة الجلد ونشر الإرهاب. وكان من بين الأضرحة التى هدموها ضريح يرجع إلى أكثر من 600 عام، ويعتبر من المزارات السياحية النادرة. وتفرغوا لهدم ما سموه بالبدع للقضاء على الخرافة والشرك.
تتكرر هذه المأساة الحضارية باسم الإسلام، بنفس الطريقة التى ارتكبت بها طالبان جريمتها فى أفغانستان حين هدمت التماثيل البوذية العملاقة بالديناميت فى مدينة باميان، بناء على فتوى من الملا عمر. واعتبرت المحكمة الجنائية الدولية ما وقع جريمة حرب وتعهدت بملاحقة المتورطين.
نحن لا نريد أن نكون جزءا من هذه الظاهرة المزرية. فخطورة هذه الاتجاهات المنحرفة أنها تبدأ هينة لينة غير ذات خطر. لا تخرج عن اشتباك بالأيدى أو تهديد بالقوة. ثم لا تلبث أن تصبح ظاهرة تمس حرية العقيدة.. وتلك هى بداية الفوضى.