مصلحتي أولا
عبدالله بن بخيت
قبل سنوات حضرت تجمعا ثقافيا ضم رجالا ونساء من جنسيات مختلفة. (طبعا خارج المملكة). كان علينا أن نبقى ثلاثة أشهر متواصلة. أمر يتطلب ترتيبات حياة كاملة. خصصت غرف السكن بشكل عشوائي. كان نصيبي غرفة فاخرة حسنة التهوية مطلة على النهر. بوصفي جنتلمان ( رجل محترم) تنازلت عن غرفتي هذه لامرأة. عندما شاهدت الغرفة الأخرى تحسفت. كان ضمن المجموعة كاتب فنزولي. يبدو أن الجنتلة داهمته هو أيضا فتنازل عن غرفته الجيدة لإحدى الكاتبات. لعنت أبو الجنتلة وكتمت غيظي وسارت الأمور. اكتشفت بعد فترة بأني حديث الجميع. لم يكن وضع المرأة في السعودية غائبا. هناك تناقض بين سمعة المرأة في المملكة وبين جنتلتي. من الأرجنتين إلى فنلندا. يعرفون التفاصيل. كلهم من طبقة المثقفين ولهم تأثير في الرأي العام في بلدانهم. في جلسة مسائية دار الحديث فيها طويلا إلى أن مر أخيرا على المرأة في السعودية.. السفر، العمل، السياقة الخ. لم اشعر في أي لحظة أن من واجبي أن أدافع فاخترت الصمت. وجهت لي أسئلة مباشرة. راوغت في الإجابة فلم يأخذوا مني لا حقا ولا باطلا. استغربوا جنتلتي رغم خلفيتي. بعد عدة أيام تكاشفنا أنا والفنزولي حول التنازل المتهور عن غرفتينا الفاخرتين للزميلات. أليس المرأة والرجل متساويين إذا بأي حق تأخذ المرأة غرفتي المطلة على النهر ويلقى بي في غرفة تطل على الساحة التي يتم فيها تحميل الطعام والقمامة. بدأنا نصيغ موقفا مشتركا هدفه المعلن دعم وتكريس التساوي بين المرأة والرجل وهدفه المبطن استعادة غرفتينا. ننطلق على قاعدة التساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. كل من يتمتع بحس إنساني لابد أن يتفق مع هذا المبدأ. نؤيد حقها في السفر والسياقة والعمل ونطالبها بأن تتحمل ما يتحمله الرجل من المشقة من بينها أو أهمها التفرج كل صباح على ساحة الزبالة في الدورم. قلت له أبدأ بالمطالبة. فاستغرب؟ فذكرته بحديث تلك الليلة. أخشى أن يعتبروا تصرفي مع الزميلة مجرد نعومة طارئة كتصرف النمر الشبعان. يعود إلى ثقافة التوحش عند الجوع. بدأ الفنزولي حملة مركزة. طرح فكرة تبادل الغرف بين فترة وأخرى. كنت أقدم له الدعم من بعيد لبعيد. انضم إلي حملتنا عدد من الرجال المتذمرين من غرفهم. بدأت المطالب تتوسع. شملت عددا من الكاتبات اللاتي يؤمن بالتساوي بين المرأة والرجل بحماسة. من حاملات الرسائل التبشيرية. شعرنا أن حماسهن سيعيد لنا الحق السليب. أخذنا نكرس الحملة في أوساطهن. انخدعن بالحملة. كان الشعار قويا. لا يقاومه إلا الخبثاء من أصحاب المصالح الشخصية. حققنا بعض النصر. عادت بعض الغرف لأصحابها من الذكور. لولا الحماسة النقية لتلك الفتيات لما ربحنا جزءا كبيرا من المعركة. انطلت عليهن الخدعة. باسم المبادئ صرن جنودا في معركة سيكون الخاسر الأكبر فيها هن لا غيرهن.
كانت أول معركة سياسية أخوضها. التلاعب بالمبادئ من أجل المصالح.
وهذا يحصل كل يوم !
[b]