أبطال عين جالوت يسقطون
كانوا دائما أهل طعان ونزال .. كانوا أشقاء للسيف والرمح ، هو هويتهم وهو مؤهلهم للحياة والبقاء .. وعلى امتداد تاريخهم كان السيف مقرونا بهم. وكانوا عضد الدولة الإسلامية في كثير من المواقف ، وكانوا حماتها من أعدائها.
وفي مقابل ذلك عاشوا .. وتحملتهم شعوب مصر والشام ، وسمحت لهم بالسيطرة عليها .. وهم بدورهم كانوا جيشها وأسطولها وحماتها أمام كل غزو خارجي، وكانوا يخضعون لتقاليد البلاد ولا يعرفون لهم ولاء إلا للدين الذي عاشوا به وربواعلى تعاليمه ، وإلا للسلطان الذي يحكم ...
ثم مع تطورهم الداخلي أصبح ولاؤهم للسلطان الذي يحكمهم منهم ..
ولقد شكلوا مجتمعا ذا هوية خاصة ، له أسلوبه الخاص في الحياة ، وله تربيته الخاصة وله فكره الخاص .. لقد كان مجتمعهم أشبه ما يكون بالمجتمع العسكري أو المجتمع البحري الذي يعيش للبحر أو الجندية ، فالجندية عقله وهي عاطفته.. ولا ولاء عنده لسواها .
وعندما مات فجأة آخر سلاطين الأيوبيين الملك الصالح أيوب ..تكتمت زوجه شجرة الدر الخبر لأن بلاد مصر كانت في حرب مع لويس التاسع الذي هزموأبيد جيشه في دمياط والمنصورة ، ثم استدعت الزوجة الملكة ابن زوجها " توران شاه" لينقذ البلاد ، فلما جاء توران وأنقذ البلاد من الصليبيين ، وحاول أن يستأثربالسلطة دبرت المرأة قتله ..
ثم أقامت نفسها بمساعدة المماليك ملكة على مصر ،وقد اختار المماليك كبيرهم عز الدين أيبك ليقوم بمساعدة " المملوكة " التي صارت" ملكة " ( شجرة الدر ) في إدارة شؤون مصر ، وتطور الأمر فتزوجت شجرة الدرمن مساعدها عز الدين ، وتنازلت له عن السلطة .
وهكذا تم تنازل آخر من ينتسبون إلى دولة الأيوبيين بنسب إلى كبيرالمماليك ، ومع أن شجرة الدر تعتبر البداية التاريخية لدولة المماليك ، لكن البدايةالأكثر عمقا وأحقية هي التي مثلها هذا التنازل ، ثم استأثر عز الدين أيبك بالسلطةسبع سنوات أحست فيها المملوكة القاتلة بأنها سلبت كل سلطة ، فقامت بقتل زوجهاالجديد مثلما قتل من قبل ابن زوجها القديم .
لكن المماليك سرعان ما قتلوها ثأرا وانتقاما .. واستقر الأمرلدولة المماليك في مصر والشام .
والمماليك قسمان : برجية نسبة إلى أبراج القلعة التي كانوا يسكنونفيها بالقاهرة .. وبحرية نسبة إلى جزيرة الروضة المطلة على النيل التي كانوايسكنون فيها كذلك ، ومن أشهر المماليك الأول برقوق .. وآخرهم قانصوه ******الذي سقط تحت سنابك خيل السلطان سليم سنة 1527م ..
ومن أشهر المماليك البحرية عز الدين أيبك وبيبرس والمنصور قلاوون.. وقد انتهى هؤلاء من قبل المماليك البرجية بحوالي قرنين وكان المماليك البرجية ـ أبطال عين جالوت ـ يمثلون امتدادهم التاريخي .
لقد لعب المماليك البرجية بخاصة في تاريخنا دورا لم تقم به إلا دولقليلة في التاريخ .. لقد صدوا غارتين حضارتين من أكبر وأشهر الغارات التي عرفهاتاريخنا وتاريخ الإنسانية .
كانت الأولى يمثلها زحف هولاكو الذي ينتمون إليه جنسيا ، لقد صدو عقيدتهم الإسلامية التي لم يعد لهم ولاء إلا لها ( الحمد لله أن نظرية القوميةالعنصرية لم تكن ظهرت بعد ) وقد وقفوا أروع وقفاتهم في صده في عين جالوت الشهيرةرافعين راية واإسلاماه !!
ثم كانت الثانية في معاركهم الدائمة ضد الصليبيين الذين كانت لهم بقايا بعد صلاح الدين ، فعلى يد السلطانين المنصور قلاوون الذين تسلم الحكم سنة 678هـ والسلطان الأشرف خليل ـ الذي تولى الحكم سنة 689 هـ .. على يد هذين السلطانين ـ فضلا عن جهود بيبرس ـ تهاوت قلاع الصليبيين الباقية والتي كانوا قد تقدموا في بعضها بعد صلاح الدين كحصن المرقب وعكا وغيرهما ، وطويت على يد المماليك آخر صفحات الغزو الصليبي الذي استمر قرنين من الزمان وكان ذلك سنة 960 هـ .
وقد تضافرت ظروف عالمية ، كاكتشاف رأس الرجاء الصالح ـ وظروفإسلامية كبروز الأتراك ـ ثم محمد علي ، وظروف داخلية كانقسام الأتراك على أنفسهم.