الشــهيـد ::
بقلم : بسّام جرار
الشهيد: اسم من أسماء الله الحسنى، فعلم الله تعالى يحيط بكل شيء، فهو، سبحانه وتعالى، عالم الغيب والشهادة. جاء في سورة الرعد: "قل كفى بالله شهيداًً" وقد كرّم اللهُ بعض خلقه فجعلهم شهداء على النّاس، جاء في سورة النساء: " فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ". فالأنبياء شهداء على أقوامهم، والرسول، عليه السّلام، شهيد على الأمّة الآخرة، والأمّة الإسلامية شاهدة وشهيدة على باقي الأمم حتى تقوم السّاعة. جاء في سورة البقرة: " وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " .
وحتى تكون الأمّة شهيدة على الناس، لا بد أن تكون ممثلة لحقيقة الإسلام في إيمانها، وسلوكها، ولا بد أن تحيط بالواقع من حولها، وتكون قادرة على تقييم هذا الواقع، والحكم عليه، على ضوء مقاييس الإسلام. ويكتمل معنى الشهادة في الأمّة عندما تقدّم البدائل للواقع السلبي، وبذلك تكون شهيدة في الدنيا، وهذا يؤهلها لأن تكون في مقام الشهادة يوم القيامة، أي في مقام التكريم. جاء في سورة النساء:" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً". وجاء في سورة الزمر: " وجيء بالنبيين والشهداء..".
إنّ الشهداء في الآخرة هم الشهداء في الدنيا، فهم الذين يعملون على إقامة العدل، على أساس من شرع الله. جاء في سورة المائدة: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ". وجاء في سورة النساء: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ". ومعلوم من النص القرآني الحكيم أنّ الله تعالى قد أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل أن يقوم الناسُ بالعدل، جاء في سورة الحديد: " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط ". وللقيام بالعدل، ولإقامة العدل، لا يكفي قوة الفكرة وتماسكها، وسمّوها، بل لا بد من القوة التي تحق الحق، أي تجعله واقعاً راسخاً في الأرض. انظر تتمة الآية من سورة الحديد: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ".
والقيام بالقسط، والسير في سبيل الله قد يترتب عليه موت أو قتل، وهذا في منطق الذين لا يؤمنون مجازفة وخسارة. جاء في سورة آل عمران: " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم، والله يحيي ويميت، والله بما تعملون بصير ". يستفاد من هذه الآية أيضاً أنّ القرآن الكريم يفرّق بين الموت في سبيل الله، والقتل في سبيل الله. جاء في الآية 157 من سورة آل عمران: " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ". ويظهر مثل هذا الفرق في اعتبار من يُقتل في سبيل الله شهيداً حيّا. والشهادة اختيار ربّاني، جاء في سورة آل عمران: " ويتخذَ منكم شهداء ". والشهيد شاهد بفعله على صدق مبدئه، وعمق إيمانه، وهو شاهد على تقاعس المتقاعسين، ثم هو يوم القيامة من الشهداء الذين يشهدون على الناس. ولا يصح في إيمان المؤمن أن يظنّ أنّ الشهيد ميت، ولا يجوز لنا أن نتفوّه بذلك، بل نحكم له بالحياة عند ربّه، لأننا ملزمون بالأخذ بما يظهر لنا من حاله.
من اللافت للانتباه أنّ كلمة شهيد هي من الكلمات التي لا مرادف لها في اللغة العربية، وهي من الألفاظ الإسلامية التي يستخدمها حتى غير المسلمين، وغير الموقنين، إذا أرادوا تكريم قتلاهم، أو حتى موتاهم. وفي الوقت الذي استبدل فيه هؤلاء مصطلح الجهاد، مثلاً، فقالوا: كفاح، ونضال، و قتال، … فإننا نجدهم يحرصون على استخدام مصطلح شهيد. وقد يَشهَد هذا الموقف بحقيقة ما تُكِنّ صدورهم من شكّ وتردد تجاه عقائدهم، وما تستشعره عقولهم وقلوبهم من جلال الإسلام وأحقّيته.