لو كنت قاضيا
إن مبادئ القانون و أخلاقيات المهنة التي تشربت بها خلال المراحل العلمية المختلفة التي مررت بها إلى أن أتربع على عرش القضاء ممثلا للعدالة بين الناس و سفير للحق.. لن تسمح لي بأن أخون ضميري و أتبع أهواء الدول أو الحكام أو السياسيين أو ألمآرب الشخصية الضيقة.. و هناك حالات و أوقات التي يجب فيها على القاضي النزيه و الذي يتحرى الحق و العدل و يبتعد عن مواطن الشبهات و نذكر من هذه الحالات:
أولا: إذا كان المتهم لذيه خصومة مع النظام الحاكم أو مع السياسات الموجودة في البلد أي إذا كان المتهم معارض للنظام القائم أو كانت القضية تتعلق برأي سياسي أو فكر مخالف للسياسة الموجودة..لأن في مثل هذه الحالات لا يأمن أن تكون القضية ملفقة ضد المتهم بواسطة الأجهزة الأمنية و لهم في ذلك فنون..
ثانيا: إذا كان البلد تحت الاحتلال و كان المتهم خصما للمحتل لأنه لا يأمن تدخل المحتل في سير العدالة و العمل على تصفية خصومة السياسيين أو الذين يعارضون وجوده فيستغل القضاء للتخلص من المعارضين..
ثالثا: إذا كان المتهم لا يحصل على حقوقه القانونية الكاملة كحقه في تعيين محامي و الدفاع عن نفسه بشكل عادل مع وجود غموض و عدم الوضوح في مسار القضية و طريقة الضبط و الإحضار أو وجود تعذيب و انتزاع الاعترافات من المتهم في مختلف مراحل التحقيق و جمع الأدلة..
رابعا: في حالة القضاء العسكري أو القضاء الإداري ما لم يكن ذلك تحت مظلة و إشراف كامل من القضاء المدني المستقل و ذلك لأن غالبا ما يتبع هذا النوع من القضاء للسلطة التنفيذية و تحت هيمنتها مما يجعل من نزاهة هذه المحاكم أمرا صعبا أو مستحيل... و شعور القضاء في هذه المحاكم و إحساسهم بأنهم ضباطا أو إداريين أكثر من شعورهم أو إحساسهم بأنهم قضاء أي أن بسبب مناصبهم الأخرى غير القضائية تجعل إحساسهم القضائي ينخفض مما يؤثر على العدالة في مثل هذه المحاكم ..علما أن القضاء الإداري في فرنسا التي ابتدعت القانون الإداري و ظهر فيها أول ما ظهر قد تخلت عنه و أصبح يعمل تحت هيمنة القضاء المدني و بأشرافه الكامل..
خامسا: في حالة الطوارئ أو الأحكام و القوانين العرفية أو في حالة عدم وجود استقلالية كاملة للقضاء و تحرره من هيمنة السلطة التنفيذية..
في مثل هذه الحالات يجب على القاضي أن لا يصدر حكما و خاصة إذا كان هذا الحكم ضد المتهم مهما كان هذا الحكم نزيها و عادلا فأنه يكون محل شك و ريبة لذلك يجب على القاضي النزيه أن يصدر قرارا بتأجيل الحكم أو اعتزال القضاء إلى أن تتوفر البيئة القضائية السليمة و الصحيحة التي تترعرع في ظلها العدالة و ينمو الحق و الإنصاف فيحفظ القاضي أمانته و كرامته و سمعته المهنية و يحافظ على روح المبادئ العادلة التي يجب أن يؤمن بها و يدافع عنها فهذا هو القاضي الحقيقي و الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم و هذا هو القاضي الذي يستحق أن يثق به الناس و ينظرون إليه بإعجاب و تقدير..