تعزز الهزيمة المعنوية الأخلاقية الثقافية القانونية التي لحقت بالتحالف الثنائي الصهيوني الأميركي على الجبهة الأممية، خلال التصويت في منظمة اليونسكو -الاثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول 2011- لصالح "فلسطين دولة كاملة العضوية في اليونسكو"، كما تعزز قدرة الردع والتصدي الفلسطينية المتكرسة في غزة ضد العدوان، والتي تتوج في هذه الأيام بالقدرات الصاروخية المتطورة الرادعة التي باتت تكشف أكثر من مليون ونصف إسرائيلي حسب اعترافهم، وقبلها حالة توازن الرعب الناشئة على الجبهة اللبنانية، ثم تعزز ثورات الربيع العربي في مقدمة كل ذلك، حالة الانكشاف الإستراتيجي الشامل الذي أخذت تتعرض له الدولة الصهيونية في السنوات الأخيرة، إن على الصعيد الخارجي وعلى خطوط التماس المباشر مع الجبهات والدوائر العربية المحيطة، وإن على الصعيد الداخلي لديهم حيث الفساد يستشري ويتمدد، وحيث انكشاف حالة الفقر المتزايد لديهم في القيادات التاريخية، مما فرخ ظاهرة تراجع الثقة الشعبية بجيشهم وقياداتهم العسكرية والسياسية.
المشهد الإسرائيلي مثخن بالجراح فالمشهد الإسرائيلي مثقل في هذه الأيام بالتحديات والأخطار المقلقة إستراتيجيا. يمكننا أن نوثق اليوم -أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني- أن تلك الدولة الصهيونية التي صالت وجالت على هواها بلا روادع أو كوابح، وشنت حروبا مفتوحة ضد الفلسطينيين والعرب على مدى نحو نصف قرن من الزمن، حيث أنتجت نكبات متصلة في فلسطين، وعاثت تخريبا وتدميرا وفسادا ربما طال كل بيت فلسطيني وكل بيت لبناني كذلك، باتت اليوم مكشوفة إستراتيجيا على مختلف الجبهات وفي شتى الميادين الداخلية والخارجية على حد سواء، ولم يعد بمقدورها أن تصول وأن تجول على هواها، أو أن تشن المزيد من الحروب السهلة السريعة التي اعتبرت بمثابة نزهات بالنسبة لذلك "الجيش الذي لم يقهر"، والذي تحول إلى أسطورة رفعت مكانة تلك الدولة إلى واحدة من أقوى وأعظم الدول في العالم.
" إسرائيل باتت اليوم مكشوفة إستراتيجيا على مختلف الجبهات وفي شتى الميادين الداخلية والخارجية، ولم يعد بمقدورها أن تصول وأن تجول على هواها " فالماثل اليوم في المشهد الصهيوني -باستثناء حروب الاستيطان والتهويد، العمود الفقري للمشروع الصهيوني، وهي الجبهة التي تهرب إليها الدولة الصهيونية كلما هزمت في جبهة من جبهات المواجهة، كما حدث في حالة اعتراف اليونسكو بفلسطين دولة كاملة العضوية- أن مداميك قوة وسطوة وغطرسة تلك الدولة أخذت تتفكك وتتساقط تباعا، بفعل ملاحم الصمود والتصدي الفلسطينية أولا، ثم بفعل الهزائم المتلاحقة التي أصابت "جيشها الذي لا يقهر" في لبنان وغزة ثانيا، والقناعة الراسخة اليوم لدى نخبهم الفكرية والإستراتيجية ولدى العديد من قياداتهم السياسية والعسكرية، بأن حروب المستقبل ستكون دمارا وخرابا على "إسرائيل"، بل إن بعض كبار مفكريهم وغيرهم هناك في الغرب، يذهبون أبعد من ذلك للحديث عن "زوال إسرائيل" عن وجه الأرض.
فالمشهد الإسرائيلي -وفق كمٍّ هائل من الوقائع والمعطيات المتراكمة- بات مثخنا بالجراح على كل المستويات. فعسكريا بات موثقا اليوم أن جيشهم تعرض لهزيمتين كبيرتين في حربي لبنان/2006، وغزة /2008-2009، وأصبح "الجيش الذي لا يقهر" يفقد ثقة الإسرائيليين بقدراته الردعية، وبأنه لم يعد أقوى جيش في العالم.
بل طفت على السطح لديهم ظاهرة "فقدان الثقة بالقيادات العسكرية والسياسية والحزبية وبمختلف المؤسسات لديهم"، وأن إسرائيل أصبحت عاجزة عن إنتاج قيادات جديدة بوزن تلك القيادات التي أسستها. وفساديا، فجدول الفساد الإسرائيلي يتسع كثيرا على إمكانية الرتق والإصلاح، بل إنهم يتحدثون عن انهيار فسادي شامل، وعن "دولة متعفنة" وعن "فساد في القمة"، ووصل الاستشراء الفسادي لدرجة أن وثيقة للجيش الإسرائيلي قالت في استخلاص إستراتيجي: "إن الفساد يهدد وجودنا".
أما عن الدولة الصهيونية في المرآة العالمية، فالمشهد الصهيوني لا يقل سوءا وتدهورا، فـ"إسرائيل أسوأ دولة في العالم".. تمارس في نظر العالم "إرهاب دولة"، وتحولت إلى "دولة العنصرية والإرهاب والاغتيالات"، وتقوم بأعمال القرصنة الشاملة في المنطقة، وباتت أخطر دولة مافيا على وجه الكرة الأرضية.
وإنها "كذبة شيطانية خدعت ذوي النوايا الحسنة في العالم".. وتدهورت صورتها لدرجة أن قال فيها أحد كبار كتابها، سيفر بلوتسكر: "من العار أن يكون المرء إسرائيليا".
مرحلة جديدة لم تعهدها إسرائيل إلى كل ذلك، فالتطورات والأحداث والمعطيات المتوافرة على امتداد مساحة فلسطين والدوائر المحيطة بها، تجمع إلى حد كبير على أن المشهد الإسرائيلي أصبح مثخنا بالجراح وبالهزائم والانكشافات المتعددة التي تدخل "إسرائيل" في مرحلة جديدة لم تعهدها من قبل، بل إنه مفتوح على المزيد من الجراح الثقيلة المنتظرة في الأفق في أعقاب الربيع العربي الذي أخذ يتحول بالنسبة للصهاينة إلى شتاء معادٍ يبشر بمستقبل قاتم لهم.
فهذا الذي جرى ويجري على امتداد خريطة العرب من ثورات وانتفاضات عاصفة زلزالية بمقاييس لم تأت في حسابات أعتى الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأميركية والإسرائيلية وغيرها، يثير -في مقدمة ما يثير- قلقا وفزعا على الصعيد الأمني والعسكري والاقتصادي الصهيوني، وكذلك على الصعيد الإعلامي والدبلوماسي والقانوني الشرعي الأممي، وكذلك -وهذا الأهم والأخطر- على الصعيد الوجودي الإستراتيجي!
وهذا ليس كلاما إعلاميا استهلاكيا، فالأدبيات السياسية الإسرائيلية في أعقاب هذه الثورات العربية المتصلة، وعلى الأخص منها الثورة المصرية، حرّكت الإستراتيجيين والباحثين والمحللين ومراكز الدراسات لديهم على اختلافها، من أجل مواكبة ودراسة هذه البراكين العربية الثائرة، ومتابعة وتدارك تداعياتها على الدولة الصهيونية.
ولعل من أهم المحاور التي أخذوا يتحدثون عنها في سياق مساعي الاحتواء والتأقلم مع التطورات، ما يتعلق تحديدا بالأبعاد والتداعيات الإستراتيجية والوجودية، حيث أخذت هواجس الوجود تتفاقم وتتعمق لديهم قياديا وشعبيا، الأمر الذي انعكس في "تقرير التقديرات الإستراتيجية السنوي" الصادر عن "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، الذي أشار إلى تدهور حاد إضافي في الوضع الإستراتيجي لإسرائيل.
" بيرغمان: حدث تدهور ملحوظ في السنة الأخيرة لوضع إسرائيل الإستراتيجي، ولما كانت الحكومة لم تبلور إستراتيجية عمل سياسي ناجعة لتبريد مراكز التوتر، فقد زادت جدا التحديات التي تواجهها الدولة " فكتب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2011" رونين بيرغمان، تحت عنوان: "إسرائيل في وضع صعب على كل الجبهات" عن الاستنتاجات الأساسية التي خلص إليها التقرير الذي وصفها بـ"الأكثر إخافة وتشاؤما"، وخلص التقرير إلى نتيجة "أن إسرائيل موجودة في وضع صعب وقاتم على كل الجبهات"، مضيفا: "حدث تدهور ملحوظ آخر في السنة الأخيرة لوضع إسرائيل الإستراتيجي، ولما كانت الحكومة لم تبلور إستراتيجية عمل سياسي ناجعة لتبريد مراكز التوتر، فقد زادت جدا التحديات التي تواجهها الدولة، وفي المقابل يحظى زخم دبلوماسية السلطة الفلسطينية بالمناصرة والتأييد المهم الذي يثبت أكثر عزلة إسرائيل الدولية التي أخذت تزداد"، الأمر الذي اعترف به نتنياهو في أحدث خطاب له أمام الكنيست، الاثنين 31 أكتوبر/تشيرين الأول 2011، متطرقا إلى الواقع العربي الجديد، معتبرا أن "المنطقة شهدت تغييرات دراماتيكية تاريخية"، فيما تحدث الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز عن "أن إسرائيل تقف أمام اختبار تاريخي لم يسبق له مثيل، وأن العام المقبل سيكون عاما مصيريا على نطاق إقليمي".
الصفقة والبطن الصهيونية الرخوة ولا شك أن صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وحكومة نتنياهو الأشد يمينية وتطرفا إرهابيا وعنصريا، تأتي في ظل المشهد السابق لتدك مدماكا إضافيا من مداميك أساطيرهم، فقد حملت الصفقة معها جملة دلالات وتداعيات تكتيكية وإستراتيجية، في مقدمتها أنها حطمت الكثير من مرتكزات ثقافتهم الفوقية العرقية ومعاييرهم وخطوطهم الحمراء، ووجهت ضربة معنوية في الصميم لكافة مستوياتهم السياسية والأمنية والعسكرية، وأصابت لديهم "البطن الرخوة، معنويات العمق المجتمعي الإسرائيلي" من خلال المس بقوة بنظرياتهم الردعية، وقدرات جيشهم التي لم تعد تبعث الأمان والاطمئنان لديهم كما اعتادوا على مدى العقود الماضية.
وفي صميم هذه التداعيات اعترف الخبير العسكري الصهيوني، يوسي ميشال ديفيد بـ"أن صفقة التبادل مع حماس قد حوّلت الردع الذي أوجدته "إسرائيل" مقابل الفلسطينيين خلال أكثر من قرن من النزاع إلى صفر، في قرار واحد، لأن 80% من الأسرى المحررين سيعودون للعنف/ الإذاعة العسكرية، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011".
وإلى جانب ذلك، غصت صحفهم وتعليقاتهم المفعمة بالإحباط من الصفقة المذلة، بالحديث عن إصابة "البطن الرخوة" التي قد تنال من غرور جيشهم وقيادتهم إذا ما تواصل إمطارها بالصواريخ المتطورة، مما سيكون له من التداعيات الإستراتيجية ما يثير هواجس البقاء والوجود، خاصة في ظل حديثهم المستمر عن امتلاك الفصائل الفلسطينية وحزب الله في لبنان، كمًّا هائلا من الصواريخ القادرة على إصابة أبعد وأهم البقع والأهداف الإسرائيلية في فلسطين.
فالجنرال متان فلنائي يتحدث في هذا السياق عن "أن إسرائيل بأكملها باتت تقع تحت مرمى الصواريخ"، والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تؤكد من جهتها: "أن كل إسرائيل عرضة للصواريخ المتطورة"، و"أن آلاف الصواريخ ستسقط منذ اليوم الأول للحرب"، و"أن إسرائيل ليست محمية". بل إن أحد كبار جنرالاتهم أعلن: "أن الحرب القادمة ستشهد استخداما مكثفا للأسلحة البالستية".
ليتحول المشهد الإسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على المقاومة.. إلى حالة من الارتباك والإحباط والإحساس بالهزيمة أمام هذه المقاومة التي لا تلين قناتها ولا تضعف أو تتفكك، بل إنها تظهر لهم المزيد والمزيد من البأس والقدرات والإرادة التي لا تهزم!
استخلاصات وهكذا، ففي الخلاصة المكثفة أن تلك الدولة التي عرفت على مدى العقود الماضية بالتماسك الأمني والعسكري والاقتصادي والإيديولوجي والمصيري، قد بدأت تتفكك على هذه الصعد، وأخذت تنكشف عمليا أمام الهزائم والإخفاقات، في الوقت الذي أخذت فيه قياداتها تدخل فيما يمكن أن نسميه دائرة ودوار الفراغ الشامل بعامة والفراغ القيادي على نحو خاص، ولذلك رأى ألوف بن، المراسل السياسي الواسع الاطلاع لصحيفة "هآرتس" مبكرا أيضا أن "إسرائيل بدأت تدخل مرحلة فراغ".
مما يقود إلى جملة من الأسئلة والتساؤلات الحساسة بالنسبة لهم تتعلق بالوجود والمصير، وهناك عدد لا بأس به من كبار مثقفيهم ومؤدلجيهم وباحثيهم الإستراتيجيين الذين أخذوا يتحدثون أيضا عن أن "إسرائيل إلى زوال"!
" حالة التردي المعنوي لدى الإسرائيليين انعكست على نسبة الذين يرغبون بالتجنس الأوروبي، إذ "أعرب 75% من الإسرائيليين عن رغبتهم في الحصول على جواز سفر أوروبي " ولعل من أخطر تداعيات هذا المشهد بالنسبة لهم، ما يتعلق بانهيار الروح المعنوية التي انعكست في جملة من استطلاعات الرأي العام، وفي ذلك كتب المحلل المعروف جدعون ليفي في هآرتس تحت عنوان: "جواز سفر ثانٍ لكل إسرائيلي"، قائلا: "تزداد الأرقام سريعا، ويجب أن تثير الظاهرة التفكير: فإسرائيليون كثيرون يشتهون جواز سفر ثانيا. إذا كان شمعون بيريز قد ضمن ذات مرة "سيارة لكل عامل"، فقد أصبح جواز سفر ثان لكل عامل الآن مطمح النفوس. إذا كان آباؤنا حلموا بجواز سفر إسرائيلي، فبيننا كثيرون الآن يحلمون بجواز سفر أجنبي"، مضيفا: "يُبين بحث في جامعة بار إيلان نشر في مجلة "إيرتس أحيرت" (أرض أخرى) أن نحوا من 100 ألف إسرائيلي أصبح لهم جواز سفر ألماني، وقد زادت الظاهرة في العقد الأخير، وينضم إليهم كل سنة نحو 7 آلاف إسرائيلي، ويجب أن نضيف إليهم آلافا من الإسرائيليين ذوي جوازات سفر لدول أخرى، ولا سيما من أوروبا".
مستخلصا: "التعليلات مختلفة وغريبة، لكن يقوم في أساسها جميعا الضيق والخوف، الشخصيان والوطنيان، فقد أصبح جواز السفر الأجنبي هنا شهادة تأمين ليوم عاصف، ويتبين أنه يوجد عدد يزداد من الإسرائيليين يعتقدون أن هذا اليوم قد يأتي".
وكانت -هذه الحقيقة- حالة التردي المعنوي لدى الإسرائيليين انعكست على نسبة الذين يرغبون بالتجنس الأوروبي، إذ "أعرب 75% من الإسرائيليين عن رغبتهم في الحصول على جواز سفر أوروبي وانضمام "إسرائيل" للاتحاد الأوروبي".
فهذه بالتأكيد إذن، مرحلة جديدة لم تعهدها تلك الدولة الصهيونية من قبل أبدا، ولم يخطر ببال مؤسسيها -من بن غوريون إلى مائير إلى بيغن إلى ديان ورابين وبيريز، فشارون وأولمرت ونتنياهو- أن تتساقط المداميك والنظريات والأساطير التي جعلت من تلك الدولة "معجزة العصر" من وجهة نظر الغرب الاستعماري، وجعلت من جيشها "الجيش الأخلاقي الذي لا يقهر" في ثقافة وتربية أجيالهم.
فالدولة المعجزة أخذت تهتز وجوديا بفعل تضافر جملة المعطيات المشار إليها، وأخطرها في رؤيتهم هذا الربيع العربي الجارف الذي سيغير الخرائط والموازين والمعادلات الإستراتيجية في غير صالحهم.
theredrose
موضوع: رد: انكشاف الدولة الصهيونية 27/11/2011, 02:43
طبعا التغيرات تؤثر عليهم ولكن هل ستزول ام لا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟