سيناريوهات الثورة السورية و سيناريوهات الحرب في سوريا و على سوريا
يحتاج المشهد السوري إلى الكثير من التأمل والتحليل قبل البدء في وضع أي تكهنات لسببين رئيسيين أولهما أن واقع الداخل السوري يعتبر مجهولا لدى الكثير من النخب والقيادات الإقليمية والمحلية، فهو بلد لا توجد فيه مراكز دراسات ولا معاهد بحثية تعتني بإبراز صورة حقيقية حول هذا القطر العربي. وثاني الأسباب هو تسارع وتيرة الأحداث وتطورها بشكل كبير، بما يجعل الاستشراف يأخذ إطارا واسعا.
ربما كانت القيادة السورية نفسها تتوقع أن يتم حسم الأمور بشكل أسرع على أحد محورين الإصلاحات و/ أو الحسم الأمني، لكن الذي حدث هو تأخر المحور الأول بشكل كبير وهزلي مع استمرار الحسم الأمني منذ اليوم الأول عبر آلة القمع الوحشية. الأمر الذي يعكس تخبط القيادة وربما اختلافها الشديد حيال هذه الأزمة.
كان سيناريو أو حل الإصلاح الذي يتزعمه بشار الأسد، بغض النظر عن مستوى الجدية ومستوى القدرة على التنفيذ قابلا للنقاش والتداول في بداية الأزمة، وحتى مطالب إسقاط النظام لم تكن قد بدأت بالظهور على السطح، إلا أن القمع الوحشي والزج بالآلة العسكرية الثقيلة إلى قلب الحدث جعل هذا السيناريو مستحيل التطبيق على أرض الواقع.
وحتى لو طالعتنا الوكالات بعزم الحكومة الجديدة على الإصلاح فإنها تظل فاقدة للمصداقية مادامت الدماء تسيل والأرواح تزهق والشباب يعتقل.
هناك سيناريو مطروح للخروج من الأزمة، وتسرب الوكالات أخبارا عن الحكومة التركية أنها قدمته للمعارضة في اجتماعاتها الأخيرة، وهو قيام بشار بالإطاحة ببعض رموز النظام مع بقائه في سدة الحكم، وهذا الاحتمال يتطلب من الرئيس إجراء عملية جراحية في عمق النظام، يشمل حل جهاز الاستخبارات وفرق الموت، ومحاكمة بعض رؤوس الأجهزة الأمنية وتقديم أكباش فداء، وإلغاء حزب البعث، وتنحية قوة رامي مخلوف الاقتصادية. وهذا السيناريو لو تم تطبيقه فإنه سيجد تجاوبا شعبيا واسعا ودعما دوليا كبيرا، إلا أنه ومع إمكانية وجوده في اللحظة الآنية إلا أنه أخذ يضيق يوما بعد يوم، وتزداد صعوبة تطبيقه في ظل إحكام الأجهزة الأمنية السيطرة على مفاصل البلد.
السيناريو الآخر على العكس تماما، وأعني الانقلاب من الداخل على الأسد، حيث تشير الأحداث إلى أن خلافا حادا في التعاطي مع الأزمة بين الرئيس بشار من جهة وأخيه ماهر قائد الفرقة الرابعة والمشرف على الأجهزة الأمنية حافظ مخلوف من جهة أخرى - ولا يعني هذا تبرئة الرئيس مما يجري على الأرض فهو ذو صلاحيات مطلقة تقريبا بحكم الدستور- وهذا الأمر قد يؤدي إلى القيام بعملية انقلاب على الرئيس وتنحيته، وبالتالي يصبح التغيير في سوريا شكليا، هذا الاحتمال تدعمه حرص الفئة المنتفعة على بقاء مصالحها من جهة والخوف من جهة أخرى من مصائر مماثلة حدثت لقادة أجهزة قمعية في دول الثورات العربية.
إلا أن هذا الاحتمال والسيناريو يبقى مرهونا بقبول الشعب، الذي يؤكد أنه لن يكتفي بتغيير الوجه بل سيسعى إلى محاكمة القتلة وإنهاء الدكتاتورية وتسلط الأمن ودعم التعددية والمشاركة السياسية والتوزيع العادل للثروة.
تتبقى احتمالات أو سيناريوهات لا يحبها أحد من المسلمين لإخوانه، ولا يفضلها حتى المراقبون الدوليون لهذه المنطقة الحساسة التي يزداد اضطرابها يوما بعد يوم، وهو جر الشعب إلى حرب أهلية -وهو ما يرى بعض المعارضين أن النظام يسعى إليه- باستمرار القمع والقتل الوحشي ودخول البيوت وحصار المدن وتجويع الناس وإذلالهم، حتى يلجئهم ويصل بهم إلى حمل السلاح دفاعا عن النفس والشرف، وتكون هنا فرصته الفعلية لدك البيوت على أهلها وتكرار مشهد شبيه بالمشهد الليبي، أو اقتتال بطيء في مناطق الصراع الطائفي دهرا طويلا على النحو اللبناني أو العراقي، وتكون هذه الاحتمالات مصحوبة بتدخلات إقليمية كإيران وتركيا التي لن تسكت على اضطراب سوريا، أو دولية كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
إلا أن الشيء الذي يتفق عليه الجميع تقريبا، هو أن النظام الحالي قد ولى إلى غير رجعة، فمع كل العنف والقتل فإن مظاهر المقاومة السلمية والتظاهرات تزداد اتساعا ويرتفع سقف مطالبها، وحتى الولايات المتحدة وإسرائيل التي يخيفهما الاضطراب كثيرا في هذا البلد صرحا في أكثر من مناسبة أن هذا النظام قد حكم عليه بالتغيير وأن المشكلة تكمن فقط في طريقة التغيير ومن هو البديل.
وتبقى فوق كل هذا عناية الله ورعايته وقدره، وهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين.
أسأل الله أن يثبت إخواننا في سوريا وأن يرحم قتلاهم ويجعلهم في عداد الشهداء، وأن يسدد رأيهم ويوفقهم لاجتثاث هذه الحقبة السوداء من تاريخ الشام.