بقلم: د. فاضل فضة
يشكل الشعب السوري موزاييكا سكانيا مؤلفا من مجموعة من الطوائف والمذاهب والقوميات، ومع هذا التنوع الغني بقدرته على التعايش المسالم عبر تاريخ طويل من الحكام والأنظمة. يواجه هذا الشعب اليوم تجربة قاسية، تهدد وجوده وتألفه وتعايشه، بسبب الصراع على السلطة السياسية، التي حكمها حزب البعث ذو الواجهة العلمانية منذ عام 1963 في القرن الماضي.
منذ شهر أذار الماضي، خرجت الإحتجاجات الشعبية تطالب بإصلاحات لطبيعة النظام، تحولت بالتدريج للمطالبة بإسقاطه وتغييره بشكل كلي. والسبب يكمن في المواجهة الأمنية من قبل النظام، وعدم قدرته على اتخاذ الخطوات اللازمة للإصلاح في الوقت المناسب. ثم تحولت الإحتجاجات الشعبية السلمية في معظم المدن السورية إلى مواجهات مسلحة في كثير من اماكن التوتر، لتتحول في مدينة حمص إلى شبه حرب اهلية، ادّت إلى قتل الكثير من الأبرياء من الشعب السوري من كافة الطوائف.
وتشكلت تنسيقيات الثورة، وتشكلت المجالس المتعددة في الخارج، وبدأ خلاف بين تلك المجالس على طرق التعامل مع النظام، خاصة عند ادراج المسألة السورية في الجامعة العربية بعد فشل مجلس الأمن في اصدار اي قرار يدين النظام السوري.
ومازال الشارع السوري يغلي من اسبوع إلى أخر ومن جمعة إلى اخرى، كما مازال تدفق السلاح يمر عبر الحدود مع جيران سوريا.
وما بين نظرية المؤامرة الخارجية على سوريا، وقبول الحوار من طرف النظام، واختلاف هيئات ومجالس المعارضة السورية في الداخل والخارج بالقبول بالحوار او الرفض القطعي والمطالبة بتدخل خارجي يبدأ بحماية المدنيين السوريين، وينتهي بالتدخل العسكري وتغيير النظام كله. يتبلور صراع على السلطة السورية بين النظام والمعارضة، حيث يواجه الشعب السوري ومكوناته والدولة السورية ما يلي:
• عدم قبول النظام بإلغاء نفسه، ووضع القائمين عليه في موضع الإتهام ومن ثم المحاكمة والتغيير من طبيعته وتحوله إلى نظام قد يكون مجهولا بالنسبة للكثير خاصة الأقليات السورية التي استطاع النظام ان يضعها تحت اجنحته خلال فترة حكمه إلى اليوم.
• اتهام بعض مجالس المعارضة في الخارج بعلاقاتها المشبوهة مع بعض دول الخليج، والدول الغربية.
• اصرار النظام على المقاومة، واصرار المعارضة على عدم الحوار وتغليب صوت الخارج، وتحويل الصراع في الداخل إلى صراع بين مكونات الشعب السوري مما قد يؤدي إلى حوار مسلح بين مناطق سورية، كمقدمة لتفتيتها وتحولها إلى دويلات.
• مشروع سوريا الفيدرالية الذي يخالج فكر بعض السوريين، سلطة ومعارضة، بما يشكل حلقة توازن حقيقية في بلد متعدد الأطياف والطوائف والمذاهب.
• عدم قدرة أي من الاطراف، على الثقة بالطرف الأخر بسبب تجارب التاريخ المتعددة وتجربة الحكم الحالي التي تقارب اكثر من اربعة عقود كاملة.
• عدم طرح الأمور بشكل واضح وصريح حول قدرة الشعب السوري على ممارسة الديموقراطية، خاصة عند تواجد احزاب وتيارات دينية في الداخل والخارج، مما يؤدي إلى استمرار التوتر وغياب الرؤية الحقيقية لما يتوجب عليه ان تكون سورية المستقبل.
ولحل مسألة الصراع على السلطة في سورية يتوجب على النظام السوري وكافة المجالس المعارضة بعد توحدها والغاء النرجسية القاتلة لبعض افرادها، الإقرار ببعض الثوابت الأساسية لمكونات الشعب السوري ومنها:
• إن الشعب السوري مؤلف من ما لا يقل عن 17 طائفة ومذهب وقومية
• ان الأقليات السورية تشكل مابين نسبة 30 او اكثر من ابنائه.
• ان الغالبية السنية السورية، بعضها مدني ويرغب بنظام مدني وبعضها يرغب بنظام تحكمه او مصدره الشريعة الإسلامية.
• لم يثبت اي بلد عربي قدرته على تطبيق الديموقراطية بشكلها الأفضل كما هي ممثلة في عديد من الدول الغربية، حيث لا تعني الديموقراطية حكم الأكثرية فقط، بل تعني حماية الأقليات وسيادة القانون وحق هذه الأقليات بتمثيل متناسب مع عددها في اي مؤسسة سياسية.
• إن النظام الحالي هو نتيجة تاريخية ورد فعل على اضطهاد صريح لتجربة الأقليات مع الأكثرية في سوريا، حيث كان الحكم بإسم الإسلام، خلال الخلافة العثمانية وما قبلها.
• ان السياسة تاريخياً وبشكل غالب في سوريا تؤدي إلى تراكم مالي ووجاهي، بينما يتوجب على السياسيين العمل لخدمة الشعب السوري والعمل على تطوير حياته المادية والثقافية بشكل يحقق له السلام الإجتماعي والإقتصادي والصحي.
لذلك فإن على أي حل لطبيعة النظام السوري في المستقبل ان يأخذ بهذه الثوابت، الغائبة عن الخطاب السياسي للسلطة والمعارضة والتي لا يرغب احد منها بالبوح بها بشكل واضح وصريح. ونتيجة لإصرار النظام على وصف احتجاجات الشارع السوري والتحركات السياسية للمجالس السورية بالخارج بالمؤامرة والمتأمرين، كما ان رفض التنسيقيات ومجالس المعارضة الحوار والمطالبة بالتدخل الأجنبي بقصد الحماية او الحظر الجوي او التدخل العسكري فإن مستقبل هذا الصراع قد يأخذ الإحتمالات التالية:
• اصرار النظام على طريقة المواجهة الأمنية للإحتجاجات مما يدعم بشكل غير مباشر تدفق السلاح للداخل السوري وتحول الاحتجاجات والتظاهرات في المدن والمناطق السورية إلى مواجهات مسلحة تدريجياً، خاصة بعد تحولها في كل من مدينة حمص وضواحيها وادلب وضواحيها وحماة بشكل جزئي إلى ذلك.
• اصرار المعارضة ومجالسها على إسقاط النظام السوري وتغييره بدون الأخذ وبشكل واضح بطبيعة مكونات وثوابت الشعب السوري، مما سيؤدي إلى رفع مستوى مطالبه بالتدخل العسكري الأجنبي، المتردد اليوم، هذا التدخل قد يأخذ اشكالاً متنوعة، مثل دعم تدفق السلاح او القيام بحظر جوي، او انشاء محميات حدودية تشكل بداية حرب حقيقية مع النظام، قد تؤدي إلى تفتيت سوريا إلى دويلات.
• العودة عن العناد والدخول في مفاوضات صريحة حول مستقبل سوريا السياسي، وامكان تحولها إلى فيدراليات سورية، تحكم الأقليات بها نفسها خاصة في الساحل السوري وجبل العرب.
إن عدم الثقة بين مكونات الشعب السوري الأثنية كما هو حاصل بين النظام والمعارضة، والإصرار على معالجة الأزمة السورية بشعارات لا يمكن لاصحابها او مطلقيها تطبيقها، كما حدث في القاهرة، عندما هاجمت المعارضة لجنة التنسيق السورية المعارضة ايضاً، يثبت وبدون شك، ان الديموقراطية ليست شعاراً سهل التطبيق بثقافة تحمل من الفصل والترسبات الكثير.
لكل هذه الأسباب يتوجب على الأصوات السورية الصامتة الغائبة عن الحوار ان تعلن عن وجودها ورأيها بماهية الدولة السورية المستقبلية، قبل ان يحل الظلام، ويبدأ الدمار التدريجي القاتل لكل ما تبقى من كل ما هو سوري جميل.