قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 24-26]، لما ذكر الله تعالى مثل اعمال الكفار وانها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ذكر مثل اقوال المؤمنين وغيرها بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} اي الم تعلم ايها المخاطب كيف اعتمد الله مثلاً ووضعه في موضعه المناسب له وهذا مثل ضربه الله لكلمة الايمان وكلمة الشرك، قال ابن عباس الكلمة الطيبة (لا اله الا الله) والشجرة الطيبة المؤمن، وقال مجاهد الشجرة النخلة، وقيل الايمان وهو تشبيه الكلمة الطيبة وهي كلمة التوحيد والاسلام ودعوة القران بالشجرة الطيبة وهي النخلة الموصوفة بصفات اربع كون تلك الشجرة طيبة المنظر والشكل واصلها ثابت اي كاملة الحال لارتفاع اغصانها الى الاعلى وبعدها عن عفونات الارض وتؤتي اكلها كل حين باذن ربها اي تثمر كل وقت لإثمارها بارادة ربها وتيسيره ولقد جاء في الحديث تمثيل النبي r النخلة بالمؤمن عن ابن عمر {رضي الله عنهما} قال كنا عند رسول الله r فقال: «اخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها صيفا ولا شتاء وتؤتي اكلها كل حين باذن ربها» قال ابن عمر t فوقع في نفسي انها النخلة ورايت ابا بكر وعمر لايتكلمان فكرهت ان اتكلم فلما لم يقولا شيئا قال رسول الله r (هي النخلة) [رواه البخاري].
قوله تعالى: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} اي اصلها راسخ في الارض واغصانها ممتدة نحو السماء وقوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} اي تعطي ثمرها كل وقت بتيسير الخالق وابداعه كذلك كلمة الايمان ثابتة في قلب المؤمن وعمله يصعد الى السماء ويناله بركته وثوابه في كل وقت وقالوا شبه اكلها كل حين بعمل المؤمن يصعد كل وقت للسماء اي بكرة وعشية وقال {وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} اي يبين لهم الامثال لعلهم يتعظون فيؤمنون وهكذا يضرب الله الامثال للناس فإن في ضرب الامثال زيادة إفهام وعظة وتصوير للمعاني لأن تشبيه المعاني المعقولة بالامور المحسوسة يرسخ المعاني ويزيل الشك والخفاء ويجعلها كالاشياء المحسوسة وفي هذا لفت نظر يدعو الانسان الى التأمل في عظم هذا المثل والتدبر فيه وفهم المقصود منه لان النص نوه إلى تدبر المثل ثم ذكر الله تعالى مثال حال كلمة الكفر {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} اي ومثل كلمة الكفر أو الشرك كصفة الشجرة الخبيثة وهي شجرة الحنظل وقيل الشوك وقيل أي شجرة وجدت فيها هذه الاوصاف وهي وصفت بثلاث صفات أنها خبيثة الطعم لما فيها من المضار وأنها اجتثت من فوق الأرض اي اقتلعت وليس لها أصل ولا عرق فكذلك الشرك بالله لا حجة له ولا ثبات ولاقوة وانها ما لها من قرار أي ليس لها استقرار وهذه كالصفة المتممة للصفة الثانية.
وقال {اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ} اي استؤصلت من جذورها واقتلعت من الأرض لعدم ثبات أصلها {مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} أي ليس لها استقرار وثبات قال الإمام ابن الجوزي {رحمه الله} شبه ما يكسبه المؤمن من بركة الايمان وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كل حين فالمؤمن كلما قال (لا اله الا الله) صعدت إلى السماء ثم جاء خيرها ومنفعتها والكافر لا يقبل عمله ولا يصعد إلى الله تعالى لأنه ليس له أصل في الأرض ثابت ولا فرع في السماء ممتد.