بسم الله الرحمن الرحيم
أول وآخر ما نزل من القرآن الكريم
مقدمة البحث :
للقرآن الكريم ثلاثة تنزلات: الأول إلى اللوح المحفوظ والثاني إلى بيت العزة والثالث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا التنزيل الأخير على النبي صلى الله عليه وسلم منجّماً لم ينزل دفعة واحدة وإنما نزل على مدى ثلاث وعشرين سنة .
ولهذا التنزيل الأخير - وهو نزول القرآن الكريم منجّماً - فوائد وحكم سنذكرها إن شاء الله تعالى . وهذا ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع والله سبحانه وتعالى هو الموفق .
ما يترتب على معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل :
لهذا الموضوع أهمية كبيرة وفوائد عظيمة:
أولها: معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم فإذا كان هناك آيتان متعارضتان ظاهراً وتعذر التوفيق بينهما وعرفت أُولاهما نزولاً وأُخراهما نزولاً أمكننا أن نحكم بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة.
ثانيها: معرفة تاريخ التشريع الإسلامي .
ثالثها: معرفة التدرج في تشريع الأحكام والوصول من وراء ذلك إلى حكمة الإسلام وسياسته في أخذ الناس بالهوادة والرفق وذلك كالآيات الواردة في حكم الخمر ( 1 ).
رابعها: هي إظهار مدى العناية التي أحيط بها القرآن الكريم حتى عرف فيه أول ما نزل وآخر ما نزل مكية ومدنية وسفرية وحضرية إلى غير ذلك ( 2 ).
سبب الخلاف في أول وآخر ما نزل:
اختلف العلماء في تعيين أول وآخر ما نزل من القرآن الكريم لأن بعضاً منهم استند إلى أول ما نزل مطلقاً وآخر ما نزل مطلقاً وبعضهم استند إلى أول ما نزل مخصوصاً وآخر ما نزل مخصوصاً .
لمحة عن أول وآخر ما نزل مطلقاً:
اختلف العلماء في تعيين أول وآخر ما نزل من القرآن الكريم مطلقاً على عدة أقوال وسيأتي الحديث عنها مفصّلاً مع الأدلة وبيان القول الراجح .
لمحة عن أوائل وأواخر مخصوصة:
ثم إن أولية النزول وآخريته تارة تكون بالنسبة لما ورد من الآيات في موضوع خاص كتحريم الخمر وتحريم الربا وفرضية الجهاد وغير ذلك من الموضوعات التي اشتمل عليها القرآن , وتارة تكون الأولية والآخرية بالنسبة إلى القرآن كله وقد أشرنا إليها سابقاً وسيأتي الحديث عنها مفصّلاً .
وأما أوليته وآخريته بالنسبة لموضوع خاص فهذا أمر يطول الكلام فيه ويحتاج إلى تتبع الروايات الكثيرة التي وردت في ذلك ( 3 ).
ويكفي أن نمثل له بمثالين في هذا المدخل:
1- أول ما نزل في الخمر : روى الطيالسي في مسنده عن ابن عمر قال: نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيءٍ :
{ يسألونك عن الخمر والميسر } ( 4 ) ، فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } (5) فقيل حرمت الخمر قالوا يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } ( 6 ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { حرمت الخمر } ( 7 ) .
2- ما نزل في أمر الجهاد والدفاع: شرع الله القتال دفاعاً في السنة الثانية من الهجرة يقول الله تعالى: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ......... ولله عاقبة الأمور } ( 8 ) ثم حضّ الله عليه حضّاً شديداً في آخر الأمر فنزلت سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن وفيها قوله سبحانه: { وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة } ( 9 ) وسيأتي الكلام عليها مفصّلاً مع استيفاء ذكرها جميعاً إن شاء الله تعالى ( 10 ) .
لماذا كانت آية اقرأ باسم ربك أول ما نزل وآية واتقوا يوماً آخر ما نزل:
إن من يتأمل أول آية نزلت { اقرأ باسم ربك الذي خلق } ( 11 ) يجد أن الإسلام دين العلم وأن القرآن قد حضّ على القراءة والتعلم , فالكلمة النورانية الأولى هي { اقرأ } للدلالة على أن نور العلم سيمحي بإذن الله جهالة الشرك والمشركين , وبعد هذه الآية تتابع نزول القرآن وكانت الهداية للبشرية إلى أن شاء الله أن يختتم تنزيل كتابه بقوله: { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } ( 12 ) ليقول لنا إن العلم الذي أمرتم به ينبغي أن يكون نافعاً ليوصلكم في نهاية المطاف إلى تقوى الله عز وجل والاستعداد للقائه , كما أن الآية الأولى تُثبِت أن لهذا الكون خالقاً وهو الله والآية الثانية فيها إثباتٌ للمعاد والحشر , وتحت هذين الشيئين الإيمان بالله و اليوم الآخر تنطوي تعاليم ديننا الحنيف .
هل الاعتماد في تحديد أول وآخر ما نزل على النقل والتوقيف أم على العقل:
مدار هذا البحث على النقل والتوقيف ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة أو الجمع بينهما فيما ظاهره التعارض منها[b]